Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غضب الشرطة الفرنسية يتسع ضد "اتهامات العنف"

التراشق مع القضاء يبلغ ذروته ومطالب بإطلاق سراح العناصر الموقوفة وتحسين ظروف العمل

تجتاح موجة استياء عناصر الشرطة الفرنسية بسبب وضع أحدهم قيد السجن الاحتياطي (أ ف ب)

ملخص

إحدى نقابات الشرطة اعتبرت توقيف شرطيين خلال شهر إشارة تقض معنويات عناصر الأمن.

الشرطة الفرنسة ممتعضة، وحركة الاحتجاج التي انطلقت بمرسيليا في 21 يوليو (تموز) 2023 بدأت تتوسع لتشمل مدناً عدة في الجنوب من مرسيليا ونيس وصولاً إلى المنطقة الباريسية، وقد اتخذت شكل وابل من العطل المرضية تحت رمز 562، وهو ما يعني الخدمة الأساسية أو المخفضة، أي التي يتم خلالها تلقي الشكاوى والاستجابة لرقم الطوارئ لكن من دوريات أو مهام في الخارج.

إلى جانب الشرطة هناك فرقة مكافحة الجريمة التي ينتمي إليها الشرطي الموقوف وزملاؤه الذين يقبعون قيد المراقبة القضائية، كما بدأت بوادر لانضمام قوات الشرطة القضائية، وقوات التدخل (فرقة الجمهورية للأمن) إلى الحراك.

إحدى نقابات الشرطة اعتبرت توقيف شرطيين خلال شهر إشارة تقض معنويات الشرطة التي طُلب منها تنفيذ مهامها في أجواء محفوفة بالأخطار، واليوم يتم التخلي عن عناصرها باستخفاف.

تداعيات العنف

تواجه فرنسا إحدى تداعيات المواجهات وأعمال العنف التي أشعلت الضواحي والمدن الفرنسية إثر مقتل الشاب نائل على يد شرطي في 27 يونيو (حزيران) الماضي، وهي اليوم أمام موجة استياء عناصر الشرطة بسبب وضع أحدهم قيد السجن الاحتياطي في حين تم وضع زملائه الثلاثة قيد المراقبة القضائية لضلوعهم في حادثة عنف ضد شاب عشريني في مدينة مرسيليا خلال أسبوع الشغب الذي شهدته البلاد أخيراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عناصر الشرطة أمطروا إداراتهم المختلفة في مرسيليا ومدن أخرى بوابل من العطل المرضية بدعوى الإجهاد وعوارض ما بعد الصدمة إثر أسبوع الشغب وأعمال العنف. وانطلقت الحركة الاحتجاجية الجديدة من مرسيليا وطاولت مدن تولون ونيس وأفينيون وملامحها بدأت تظهر في المنطقة الباريسية، وسرعان ما شكل زملاء الشرطي مجموعة "واتساب" تحت عنوان "زملاء متضامنون" وأطلقت حملة تبرعات لمساندة عائلته. وعلل هؤلاء حملة التبرعات بكون معاش الشرطي يتوقف مباشرة إثر دخوله السجن مما يجعل العائلة من دون مورد.

صحيفة "لوفيغارو" نشرت تحقيقاً حول حركة الامتعاض تضمن تصريحاً لأحد عناصر الشرطة عبّر فيه عن سوء ظروف العمل، وكيف يشعر هؤلاء بأنهم مهملون يطلب منهم تأدية خدمة ثم يتم رميهم من دون اكتراث.

تراشق الشرطة والقضاء

سريعاً احتدم الجدل بين الشرطة والقضاء عبر وسائل الإعلام على خلفية حجز الشرطي، حين أوفد المدير العام للشرطة فريديرك فو إلى مرسيليا للوقوف على الوضع هناك وصرح معترضاً على عملية توقيف الشرطي قائلاً "لا أنام الليل وهناك شرطي في السجن".

أولى علامات الامتعاض بدأت مبكراً يوم الإعلان عن مقتل الشاب نائل على يد شرطي، إذ صرح الرئيس إيمانويل ماكرون حينها بأن "هذا الأمر لا يحتمل الشرح ولا يمكن تبريره"، وهو تصريح سقط كحكم مسبق، بحسب أفراد الشرطة، معتبرين أن الرئيس لم يقف بجانبهم كما كانت الحال على الدوام مع المسؤولين السياسيين.

نقابات الشرطة، التي أكدت عدم اعتراضها على التحقيق مع المشتبه فيهم من عناصرها، قالت إنه "كان بالإمكان وضع الشرطي قيد التحقيق كحال زملائه من دون زجه في السجن".

أستاذ القانون في جامعة "سيرغي بونتواز" أوليفيه كان، اعتبر أن الأوامر التي أعطيت للشرطة خلال المواجهات كانت واضحة، وتتلخص في بسط سلطة الدولة والتعامل بحزم مع المخربين مما أدى إلى حوادث عنف من قبل بعض عناصر الشرطة راح ضحيتها شاب في مرسيليا بينما لا يزال آخر في غيبوبة وفقد ثالث عينه اليسرى. مضيفاً لـ"اندبندنت عربية"، "هناك عديد من الشكاوى قيد الدراسة وسنشهد توقيفات أخرى في الأيام المقبلة".

الرئيس ماكرون علق على تصريح رئيس الشرطة، بأنه "ما من شخص يعلو على قانون الجمهورية والكل متساوٍ أمام القانون". في حين اعتبرت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، أن "على القضاء أن يأخذ مجراه".

حسابات انتخابية

وزير الداخلية جيرار دارمانان جدد ثقته في مدير عام الشرطة، وفي ذلك يقول أوليفيه كان إن "الوزير لن يتخذ موقفاً لأن لديه حسابات انتخابية، وعليه أن يبدو ممسكاً بزمام الأمور ليقال إنه وزير داخلية جيد استطاع فرض الأمن والنظام، تماماً كما فعل نيكولا ساركوزي حين كان وزيراً للداخلية وترشح لرئاسة الجمهورية على أساس بياناته الأمنية".

ردود الفعل والاصطفافات السياسية لم تأت بجديد بل حافظت على خطوطها التقليدية المعهودة كموقف جان لوك ميلانشون زعيم أقصى اليسار، إلى جانب "الخضر"، فيما اكتفت زعيمة أقصى اليمين مارين لوبن باعتبار أن ما يحدث يعكس أزمة مؤسساتية خطرة، في إشارة إلى التراشق بين القضاء والشرطة.

فانتقادات الشرطة تجاه جهاز القضاء ليست مستجدة، إذ سبق لها أن صرحت بأن مشكلتها هي مع القضاء الذي لا يحاسب مرتكبي المخالفات والجانحين الذين يتم توقيفهم وغالباً ما يطلق سراحهم.

ويعلق أوليفيه كان بالقول إن أصل المواجهة بين القضاء والشرطة (شرطة السلامة العامة وليس الشرطة القضائية أو شرطة الاستخبارات) يعود إلى حملة توظيف مكثفة تلت الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا في 2015، حيث لم تراع الشروط المقررة وتم استخدام عناصر لم يحصلوا على التكوين اللازم، لذا غالباً ما يعمد بعضهم إلى عمليات توقيف لا تراعي شروط القضاء، وعند وصول هؤلاء أمام القاضي ويتم الكشف عن خلل في ظروف التوقيف لا يكون أمام الأخير سوى إخلاء سبيل الموقوفين، وهو ما يعتبره أفراد الشرطة تساهلاً وتقاعساً وعدم اكتراث من جانب القضاء لعمل الشرطة.

هذا التراشق دفع بعض عناصر الشرطة إلى الكشف عن تفاصيل عملهم خلال فترة أعمال العنف التي شهدتها البلاد أخيراً، كامتلاء أماكن الحجز لدى الشرطة القضائية، واضطرارهم لإخلاء سبيل المنخرطين بأعمال السطو والعنف.

تراكم الأزمات

ما يحصل اليوم هو نتيجة لتراكم الأزمات المتتالية التي تعيّن على الشرطة التعامل معها منذ 2015، عام الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها فرنسا، ثم في 2016 مع موجة الاحتجاجات الاجتماعية وتظاهرات السترات الصفراء التي تلتها الجائحة، ثم حالات الطوارئ والاحتجاجات على قانون التقاعد، وكانت الخاتمة مع أعمال العنف التي انطلقت إثر مقتل الشاب نائل.

يضاف إلى ذلك، كما يوضح أوليفيه كان، أن المؤسسة الشرطية "تخضع لسياسة تحقيق الأرقام، وهذا يتطلب الوقت والجهد مما يعني أن عناصر الشرطة قد يكونون في حال من الإرهاق".

في ما يتعلق بمطالبة الشرطة بمعاملة مختلفة وألا يكون السجن مكان احتجاز شرطي نظراً إلى ما يتضمنه ذلك من تهديد لحياته بسبب وجود أشخاص سبق له أن أوقفهم، يقول أوليفيه كان إن "الإدارة لا تؤمّن الحماية لعناصرها في حال وجدوا أنفسهم في خطر."

واستدرك "لكن الحصول على معاملة خاصة مختلفة عن بقية أفراد المجتمع في حال خرق القانون هو مطلب صادر عن الفئة الأكثر تشدداً بين النقابات، حيث بدت في 2016 أولى المطالبات بعدم استجواب أي شرطي، والنقابات ذاتها هي التي تطالب الآن بعدم وضع شرطي قيد الحجز الاحتياطي، مما يعني أنهم لا يريدون الخضوع للقانون نفسه كأي شخص آخر".

لكن الشرطة تطالب بالأخذ في الاعتبار الظروف التي ترافق تنفيذ مهامها، ويعتبر أوليفيه كان أن "هذا المطلب يؤكد أن وقف الاحتجاجات تم باستخدام القوة، فعندما نتحدث عن 1000 عملية استجواب في الليلة فإن هذا يعني أنهم سيطروا على الوضع بالقوة ومن هنا يأتي خطر استخدام العنف".

ويشير إلى قوة نقابات الشرطة التي غالباً ما تحقق معظم مطالبها، فقد استطاعت الانقلاب على كريستوف كاستانير وزير الداخلية الأسبق واستبداله بجيرالد دارمانان، ولديها قوة نافذة، ففي حين لا تتجاوز نسبة الانتساب النقابي في القطاع العام 6 في المئة فإنها تصل إلى 90 في المئة بين عناصر الشرطة.

يعلق أوليفيه كان بالقول إن المطلوب في كل ذلك تعديل المفهوم حول عمل الشرطة، إذ "يجب ألا ينظر إلى مهمة الشرطي فقط من خلال التدخل ورد الفعل، والمشكلة تكمن في مفهوم تدخل الشرطة الذي يستند إلى القوة وليس الحوار، وهو مفهوم سلطوي ضد السكان".

المزيد من متابعات