Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مان راي ارتقى بالصورة الى ذورة الابداع التشكيلي

معرضان يسلطان الضوء على أعمال وجوانب مجهولة من مسيرته الفنية

الصورة الفوتوغرافية فن تجريبي بحسب مان راي (خدمة المعرض)

ملخص

معرضان يسلطان الضوء على أعمال وجوانب مجهولة من مسيرته الفنية

في تاريخ الفن الطلائعي الأميركي، يحتل مان راي (1890 ــ 1976) موقع الصدارة، سواء في فتحه باب هذا الفن بيده، أو في جرأة إنجازاته التي تتجلى منذ أعماله الأولى، أي اللوحات التي رسمها بمرذاذ هوائي ضمن أسلوب يصالح بين التوحشية والتكعيبية. ولا عجب إذاً في الصداقة الفورية التي جمعته بمارسيل دوشان، في نيويورك، ثم في التحاقه بالحركة الدادائية، فور استقراره في باريس عام 1921، وبالحركة السوريالية، بعد ذلك. المدهش هو أن هذا العملاق الذي مارس فنون الرسم والنحت والحفر والكولاج والسينما، بالعبقرية نفسها، يدين بشهرته الواسعة لممارسة فرضت نفسها عليه لكسب قوته، أي التصوير الفوتوغرافي.

وفعلاً، حين يُذكَر اسم مان راي، لا تتبادر حتى اليوم إلى ذهن معظمنا سوى ثمار عمله الفوتوغرفي. ثمار لا شك في قيمتها، لكنها لا تختصر مسيرته الإبداعية الخصبة، كما يتجلى ذلك في معرضين متزامنين له: الأول ينظّمه "متحف الثقافات والمشهد" في مدينة يير (Hyères) الفرنسية تحت عنوان "مان راي، الزمن الجميل"، والآخر ينظّمه "قصر النور" في مدينة إفيان السويسرية تحت عنوان "مان راي، سيّد الأنوار".

في كل من هذين المعرضين، تحضر طبعاً صوره الشهيرة التي تحوّلت إلى أيقونات في ميدانها، مثل "هواية" (أو "كمان آنغر") 1924، "سوداء وبيضاء" (1926، "أسبقية المادة على الفكر" (1929، "دموع" (1930)، "الصلاة" (1930)، وصور تنتمي إلى عالم الأزياء الذي نشط الفنان داخله كمصوّر لسد رمقه، ونُشرت في مجلات الموضة في زمنه، مثل "فانيتي فير". يحضر أيضاً عدد من البورتريهات التي خصّ بها أصدقاءه داخل الحركة السوريالية وخارجها، مثل أندريه بروتون، بول إيلوار، ماكس أرنست، جان كوكتو، جان آرب، إيف تانغي، بيكاسو، رونيه شار، جياكوميتي، ميرو، أراغون... وصور جماعية، مثل "المركزية السوريالية" (1924) و"جلسة حلم يقظة" (1924).

ولكن لحسن الحظ، لا يتطابق هذا المعرضان كلياً في محتوياتهما، بل يتكاملان، وبالنتيجة يساعدان على خط بورتريه كامل ودقيق لعبقرية مان راي. فمعرض مدينة يير يتوقف أيضاً عند جانب مجهول من عمله، جاء نتيجة علاقته الوثيقة بالزوجين الثريين شارل وماري لور دو نوواي، اللذين اشتهرا في تشجيعهما عدداً من الفنانين وتنظيمهما حفلات مستقبلية شارك بها بعض السورياليين. علاقة أثمرت بورتريهات فوتوغرافية لهما، بعضها يُعرض اليوم للمرة الأولى، بورتريه مرسوماً ومجهولاً للفنان بعنوان "السيد والسيدة دو نوواي متنكّرين في حلة شبحين في قصر الزهر"، صوراً للقصر المذكور، إضافةً إلى فيلم سوريالي صامت بعنوان "أسرار قصر الزهر".

صور مجهولة

نشاهد أيضاً في هذا المعرض صوراً غير معروفة لمان راي التقطها أثناء عطلاته في الجنوب الفرنسي خلال صيف 1936، 1937 و1938، ويظهر فيها أصدقاؤه بيكاسو، بول وناش إيلوار، دورا مار ورولان بينروز أثناء تناولهم الطعام أو اللعب. لقطات حيّة وحميمة تجاورها نسخة من كتاب "الأيادي الحرّة" الذي أنجزه الفنان مع إيلوار عام 1937، ويشكّل خير مثال على منهج السورياليين الذي يقوم على رفض التصنيفات الجمالية التقليدية والنظر إلى الفن كأداة تحرّر وثورة. فبدلاً من تزيين مان راي قصائد إيلوار برسومه في هذا المؤلَّف الفني، يعمد هذا الأخير إلى محاورة رسوم صديقه بنصوص قصيرة، لكن كافية لسبر نواة الحلم واللاوعي فيها وإنارتها.

أما معرض الفنان الحالي في "قصر النور"، فيسلّط الضوء على أعماله الأقل شهرة، بموازاة صوره الأيقونية، وتحديداً على لوحات ورسوم ومحفورات وأفلام وقطع مركّبة وغرائبية ووثائق سمعية وبصرية يتجاوز عددها الـ 500، وتتوزّع داخل 12 صالة، ضمن مسار حيوي يبيّن قدرة مان راي المدهشة على الابتكار في مختلف الوسائط الفنية.

وفي واحدة من هذه الصالات، نتعرّف إلى ملهماته الست، أي كيكي دو مونبرناس، لي ميلر، ميريت أوبنهايم، كازيمير فيدلين (أو آدي)، ماريا بينز وجولييت براونر، ونكتشف أن كيكي لم تكن تحبّ المثول أمام عدسة التصوير، ومع ذلك، أدّت دور الموديل في صورتي "هواية" و"بيضاء وسوداء" الشهيرتين. نكتشف أيضاً أن لي ميلر هي التي اكتشفت بالصدفة تقنية "التشميس" solarisation، التي تقوم على تعريض الصورة السلبية لأشعة ضوء قوي لفترة قصيرة أثناء تظهيرها، قبل أن يطوّرها الفنان ويستخدمها لمنح جانب غير واقعي وفريد لبعض صوره. وحولها، صرّح يوماً: "إنها تقنية إبداعية مدهشة، حين نعرف كيف نستثمرها. خصومي يرون فيها خدعة أو تزييف، في حين أن الأمر غير ذلك تماماً. فما يبدو خدعة اليوم سيشكّل حقيقة غداً". وبينما أصرّت جولييت براونر على أن تُدفَن بالقرب منه في مقبرة مونبارناس، احتفظت آدي ــ وهي أول عارضة أزياء سوداء تُنشَر صورتها في مجلة موضة أميركية ــ بمجمل أعماله في غرفة الخادمة التي كانت تقطنها في باريس، حين اضطر صديقها إلى الفرار من فرنسا المحتلة عام 1940.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن بين عشرات القطع والوثائق التي تنتظرنا في هذا المعرض، تستوقفنا رقعة شطرنج عملاقة كان مان راي يستخدمها لتلبية شغفه بهذه اللعبة، الذي كان يتقاسمه مع دوشان، بطاقة دعوة إلى "معرض السوريالية الدولي" الذي نظّمه بروتون وإيلوار ودوشان عام 1938 في باريس، البورتريه الخيالي الذي رسمه الفنان للماركيز دو ساد ومنح هذا الأخير فيه ملامح وجه الرسام أندريه دوران، مقتطفات من أفلامه التي كان يسمّيها "قصائد سينمائية"، المكواة الشهيرة التي ثبّت مسامير على سطحها السفلي الأملس، بندول الإيقاع الذي سمّاه "قطعة غير قابلة للتدمير" ولصق عليه صورة عين، ومجموعة مجهولة من الصور أنجزها بتقنية "التصوير الشعاعي" rayographie التي اكتشفها بالصدفة عام 1921، وتقوم على التقاط صورة فوتوغرافية لأي شيء عن طريق وضعه بين ورقة حرارية (أو حساسة) تُستخدَم للتظهير، ومصدر ضوء. تقنية رأى فيها طريقة للرسم بواسطة الضوء، وشكّلت ثمارها معادلاً فوتوغرافياً للكتابة الآلية.

باختصار، أعمال وقطع مختلفة غزيرة تمنح المتأمّل فيها الشعور، في نهاية المعرض، بأنه بات يملك بعض المفاتيح لولوج العالم الفاتن والعجيب لذلك الذي كان يعرّفه دوشان على النحو التالي: "مان راي، اسم علم مرادف للفرح واللعب والدهشة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة