Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"باربي" ... سلعة بالية في تغليف باهر وحصد إيرادات كبيرة

الدمية التي رافقت مراحل أميركية منذ اختراعها تقع في الفشل وتثير سجالا حادا وتعلن سقوط النسوية

مارغو روبي تنقل باربي من دمية إلى بطلة سينمائية (ملف الفيلم)

ملخص

الدمية التي رافقت مراحل أميركية منذ اختراعها تقع في الفشل وتثير سجالا حادا وتعلن سقوط النسوية

لا تُستنفر أقلام النقّاد عادةً لهذا النوع من الأفلام التي تحمل في ظاهرها تيمات مكررة، لكن "باربي" لغريتا غرويغ أخرج كثراً من عطلتهم الصيفية، والدافع واضح: ما ينطوي عليه هذا العمل من سطحية واستفزاز يحسمان الحاجة إلى وضع النقاط على الحروف وإعادة الامور إلى نصابها. هذا بالاضافة إلى أن الفيلم الذي بلغت تكلفته الـ125 مليون دولار، حقّق إيرادات عالية: 500 مليون دولار في بضعة أيام قليلة، ويبدو أن المليار دولار أصبح في متناول الجيب. لكن، بعيداً من لغة الأرقام، فإن "باربي" فيلم محدود فنياً وهزيل خطاباً، وبالتالي لا يمكن إلا أن يثير ردوداً عنيفة (خصوصاً لدى الجمهوريين والمحافظين في أميركا) نظراً لحجم الاهتمام الذي ناله في الإعلام وعند المشاهدين. وهذا ما تسعى إليه نوعية الأفلام هذه ومَن يقف خلفها هنا من مجموعة "ماتيل" العملاقة، صانعة دمية "باربي" الشهيرة، التي كلّفت ممثّلة ومخرجة أفلام مستقلّة تُدعى غريتا غرويغ، المعروفة بدعمها قضايا النسوية، لإنجاز هذا الفيلم، علماً أن الممثّلة التي تلعب دور باربي (مارغو روبي) هي صاحبة المبادرة كما يُشاع.  

مشروع أنسنة الدمية سينمائياً، سيرفع نسبة مبيعات "ماتيل"، صاحبة الخطة التسويقية، من خلال ضرب عدة عصافير بحجر واحد: مسايرة هواجس العصر (سياسات الهوية والنسوية وثقافة الصحوة) من جانب، ونفض الغبار عن الدمية واعادة تغليفها والمتاجرة بها من جانب آخر. المشروع دعائي في الدرجة الأولى يهدف إلى إبعاد تهم التسليع والجنسنة عن الدمية الشقراء التي لطالما حوصرت في هوية وشكل وطموحات أصبحت من خارج العصر. لكنه، وهنا الطامة الكبرى، مغلَّف بفكرة تمكين المرأة والانتصار لقضيتها. لا أحد يحاول إخفاء هذه الإستعانة الفاضحة بقضية، للترويج لسلعة! بل كل شيء يجري على قاعدة "على عينك يا مشاهد!". وهذه الصراحة هي ربما الإيجابية الوحيدة في الفيلم. تحاول "ماتيل" تغيير كل شيء كي يبقى كلّ شيء على حاله. مرة جديدة، نحن إزاء محاولة تغيير وتحديث نظرة أورؤية لا تخلوان من وهم. لا توجد ثورة يرعاها المتضرر منها.  

الظل الثقيل

بألوان باربيلاند المبهجة والأجواء الكيتش ومع ممثّلين يغلب عليهم حسن الهندام وموسيقى تصويرية حاضرة بقوة ودعابة ثقيلة الظل، والكثير من التناقض الموزّع هنا وهناك، تقحمنا المخرجة غرويغ في فيلم نعرف ماذا سيقول حتى أن نشاهده، في غياب تام لعنصر المفاجأة. فالعقل الذي كتب السيناريو مبرمج لنخرج من الفيلم بخلاصة ونحترم ونحب باربي في كونها دمية قوية مستقلة متحررة، تنبذ الكعب العالي وتريد أن تعيش حياة تحديات لا راحة ورفاهية، بعيداً من المظاهر التي اختزلتها طويلاً في صنف معين من الكائنات. لا يهم كيف سيحدث هذا بين الفيلم والمُشاهد، وإذا كانت الأساليب المعتمدة مقنعة أو لا. لم يشغل القائمون على الفيلم بالهم بهذا الشأن.

هناك عالمان في "باربي": عالم الدمية المنقّح حيث كل شيء يتسم بالجمال والمثالية، وعالمنا نحن الذي تحكمه الأفكار البالية من أبوية إلى احتقار النساء (بحسب الفيلم). الحبكة التي يقوم عليها الفيلم هي الآتية: على باربي (مارغو روبي) التي تعي فجأة شرطها الإنساني أن تقفز إلى العالم الحقيقي (عالمنا) كي تعي ما مشكلة الطفلة التي تلعب بها وتحاول إحداث تغيير. هذا يعني أن المشكلة في الآخرين لا فيها! تكتشف أن عالمنا "عالم رجال رجال رجال"، كما غنّى جيمس براون، وليست هي سوى سلعة صنعتها عقولهم!    

يأتي الفيلم في سياق تعديل ملامح دمية اسطورية أطلت على العالم في العام 1959، لتتحوّل منذ ذلك الحين إلى أحد رموز الثقافة الشعبية الأميركية. بعد أكثر من ستة عقود، لا تزال باربي التي رافقت كل مراحل التطوّر السياسي والاجتماعي والاقتصادي للولايات المتحدة، تثير الجدال وتفتح الكثير من النقاش. في مرحلة كانت باربي تسبق زمنها، ففي أحد نماذجها كانت ترتدي زي رائدة فضاء، 18 سنة قبل سالي رايد، أول أميركية أُرسِلت إلى الفضاء. وُظِّفت باربي لتكون ما لم تكنه النساء في تلك الحقبة: لاعبة بايسبول، مجنّدة، مرشّحة للرئاسة، إلخ. لكن، الزمن سبقها اليوم، ويجب بالتالي تحديثها، لتواكب تطور العقليات، والأهم لتبقى من جديد تحت الضوء. 

خجل أميركي

خجل الأميركيون من باربي في زمن "ثقافة الصحوة"، مثلما خجلوا من أشياء كثيرة غيرها: "ذهب مع الريح" و"بياض الثلج والأقزام السبعة" الذي ستقّدم ديزني قريباً نسخة جديدة منه، بطلته سمراء اللون فيما الأقزام ما عادوا أقزاماً، أما الحكاية فاستغنت عن فارس الأحلام والحبّ والقبلة. و”الخجل” هذا من الماضي، يأخذ شكلاً متطرفاً في بعض الأحيان، وكأن التجديد والتطوير ما عادا كافيين، بل المطلوب هو تصحيح القديم والغاؤه ونسفه. 

"باربي" وغيره من الأفلام التي على هذا النمط، دليل فاقع على المأزق الذي يعاني منه الغرب حالياً، وهوليوود في الصدارة. قد يملك بعضهم مشروعاً نقدياً مقبولاً، لكنهم لا يملكون حكايات يمررون بها أفكارهم. عملية الإصلاح لديهم باتت تمر عبر الماضي، وعبر أعمال الآخرين خصوصاً. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رغم بعض مزاياه الشكلية التي ذكّرت بعضهم بجماليات جاك دومي حيث حضور كثيف للون، بدا لي "باربي" فيلماً مأزوماً، لدرجة ان السخرية الذاتية من المشروع نفسه الحاضرة في الفيلم لا تكفي لإنقاذه. وجّهت غرويغ سهامها إلى الرجال، وهذا شيء مثير للسخرية. لنتخيل للحظة فيلماً يعادي النساء. لا يوجد شيء في العالم شيء إسمه معاداة أناس لأنهم ولدوا بأعضاء تناسلية معينة، ثم تقزيمهم، والحط من شأنهم بشكل كاريكاتوري، كما يفعل الفيلم بكَن (راين غوزلينغ)، الشاب العديم الشخصية الذي تلعّبه باربي مثلما تشاء وكيفما يحلو لها. خطاب الفيلم واضح في هذا المجال: على الرجل أن يشهد على القمع ضد المرأة ويعيشه كي يحاول تغيير الأوضاع.

غرويغ حرة في النظر إلى الأشياء من الزاوية التي يناسبها، كما أنها حرة في قلب الأدوار للحصول على نتيجة ترضيها. لكن، كان الأفضل لها أن تتحلى بالنزاهة، فتنسجم مع قناعاتها وتذهب في مشروعها إلى نهاية الطريق، فلا تستعير كل ما استعارته من كلاسيكيات هوليوود، "تلك الأفلام المحافظة التي تحمل فكراً تقليدياً". هل يُعقل أن تكون البدعة الوحيدة القيمة في الفيلم (باروديا لـفيلم "2001: أوديسّا الفضاء" حيث يحل مكان العظام الملقاة في الفضاء دمى الباربي كرمز للتحرر) مستعارة من رجل كوبريك؟ أما راين غوزلينغ، فيا لسخرية القدر، إنه الذي يسرق الفيلم من باربي في نهاية الجولة! 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما