يطلق العلماء في "اللجنة الدولية للتغيرات المناخية" IPCC)) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في اجتماع يعقدونه في جنيف الأسبوع الحالي، تحذيراً بضرورة أن يتوقّف البشر عن استغلال الأراضي التي يعيشون عليها إذا ما أرادوا تجنّب وصول درجات الحرارة إلى معدلات كارثية.
يُعتقد أن التربة تحتجز 1 في المئة من إجمالي الكربون على كوكب الأرض، لكنها في ما مضى احتوت على ما يصل إلى 7 في المئة. بناء عليه، إذا زُرعت الأراضي بطريقة تراعي أكثر مبادئ الزراعة المستدامة، ستعود التربة لتمتص الكربون من جديد، مشكلةً مخزناً طبيعياً له.
ولكن على أية حال، يأتي ثلث إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الأراضي حاضراً. لذا يعتقد الباحثون أن أي خطة حقيقية لمكافحة تغير المناخ يجب أن تعالج حالة الأراضي وإنتاج الغذاء. ويُترجم ذلك إلى وضع حدٍّ لقطع أشجار الغابات المطيرة، وتجريف التربة، وقتل الحياة البرية، وتجفيف أراضي الخث.
في تصريح إلى ’بي بي سي نيوز‘ في هذا الشأن، قال كيلي ليفين من ’معهد الموارد العالمية‘ وهو مركز أبحاث، "إذا كنا نعتبر مشكلة المناخ صعبة في الوقت الحاضر، فكيف بالأحرى عندما لا تعود الأراضي ذلك المخزن الكبير لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون."
في اجتماعهم الذي يعقدونه في جنيف، سيحذِّر العلماء من الضغط المتزايد على الأراضي من أجل توفير الغذاء وأخشاب البناء والمواد النباتية لعدد متنامٍ من السكان، الذي يفاقم بدوره صعوبة تحقيق الأهداف المتعلقة بخفض الانبعاثات.
في هذا الصدد، تقول البروفسورة جين ريكسون، الخبيرة في تغير المناخ وتآكل التربة في جامعة كرانفيلد البريطانية، إن التقرير الأحدث الصادر عن ’اللجنة الدولية للتغيرات المناخية‘ يجب أن يقدِّم مزيداً من الأدلة حول الكيفية التي يُفاقم بها تدهور الأراضي تغير المناخ، ويسبب بالتالي أزمة متصاعدة.
وتضيف إن "تغير المناخ سيعزّز تآكل التربة وانضغاطها، وفقدان المادة العضوية منها، وتبدّد التنوع البيولوجي، فضلاً عن الانهيارات الأرضية، وتملّح الأراضي، وكثير من التبعات التي لا رجعة فيها."
كذلك ترى ريكسون أن "من المهم أن ينظر التقرير الأخير في الأضرار التي تواجهها جودة التربة جراء تغيّر المناخ، وكيف تستجيب التربة للحوادث الطبيعية العنيفة المتطرفة. وتوضح أننا لا نعرف الكثير عن التداعيات التي تمس صحة التربة جراء ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار الغزيرة، غير أن ذلك يحدِّد كيف تؤدي التربة وظيفتها في توفير الغذاء."
يُشار هنا إلى أن العلماء يعتقدون أن حوالي 33 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة مخصصة لزراعة المحاصيل من أجل إطعام الحيوانات حاضراً.
بدورها، تعتمد الزراعة الصناعية على الوقود الأحفوري لصناعة الأسمدة وعلى الآلات لحصد المحاصيل ونقل الحيوانات. كذلك تنتج حيوانات المزارع نصف انبعاثات الميثان في العالم.
أكثر من ذلك، إذ وجدت الأبحاث في العام الماضي أن شركات اللحوم ومنتجات الألبان يمكن أن تتفوّق على صناعة النفط كأكبر ملوث في العالم بحلول عام 2050.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، قال روب بيرسيفال رئيس قسم سياسة الغذاء والصحة في ’جمعية التربة‘، إن "تكثيف الزراعة أدى إلى تدهور التربة ومحو الغابات وفقدان التنوع البيولوجي، أي أن تكثيف الزراعة لم يعد الحل للتحديات التي نواجهها."
واقترح أن معالجة أزمة المناخ بفاعلية "بحاجة ماسة إلى الانتقال إلى نظم زراعية تعمل على تحسين صحة التربة وحماية الحياة البرية."
وأضاف أن "التربة مهمة للغاية، فالحياة البشرية تعتمد عليها ومن الصواب أن تقرّ ’اللجنة الدولية للتغيرات المناخية‘ بهذا الواقع إلى جانب إطلاق دعوات لإعطاء الأولوية للممارسات الزراعية التي تعمل على تحسين بيئتنا فعلاً، من بينها الزراعة الغابوية والزراعة المختلطة باستخدام أنظمة تعتمد على أعشاب متنوعة."
كذلك يقول العلماء إن الغابات الطبيعية، خصوصاً تلك الموجودة في المناطق الاستوائية، تحتاج إلى الحماية.
وفي وقت سابق من العام الحالي 2019 كُشف أن غابة بنصف حجم لندن يجب أن تزرع في المملكة المتحدة كل عام. فقد تبيّن أن تغطية 70 ألف هكتار من الأراضي الغابوية الجديدة تسهم في وصول صافي انبعاثات الكربون الناتجة عن الزراعة إلى الصفر، وفقاً لـ"التحالف الأخضر" المركز البحثي المتخصص في شؤون البيئة.
يُذكر أن التقرير الأخير لـ’اللجنة الدولية للتغيرات المناخية‘ صدر في 8 أغسطس (آب) الحالي.
في سياق متصل، قال هوسونغ لي رئيس ’اللجنة الدولية للتغيرات المناخية‘ إنه يأمل أن "يرفع التقرير مستوى الوعي بين الناس بشأن التهديدات والفرص التي يطرحها تغير المناخ على الأرض التي تأوينا وتوفر لنا الغذاء."
وختم أن "التقرير يتناول اتفاقيات ’ريو‘ الثلاث التي أقرتها الأمم المتحدة، وهي المناخ والتنوع البيولوجي والتصحر، من ثم فإنه يعترف بالعلاقة بين هذه التحديات العالمية، ويُثبت أهمية السياسة العامة التي تعتمدها اللجنة الدولية للتغيرات المناخية في أعمالها."
© The Independent