ملخص
يقول الكاتب إن الحكومة، إذا لم يرغب الشرطة في التصرف أو لم يكونوا قادرين على ذلك، يجب أن تضمن امتلاكهم الموارد التي يحتاجون إليها: بريطانيا في غمرة نوبة من جرائم ساحتها محال البيع بالتجزئة
في قاعة الوجبات التابعة لفرع "ماركس أند سبنسر" بالقرب من منزلي، أصبح ما يلي مشهداً شائعاً: المدير المناوب يطارد سارقاً من المحل وصولاً إلى الشارع.
ويبدو أن المديرين لا يمسكون بالسارقين أبداً، لكنهم يشعرون بأنهم ملزمون بالسعي في ذلك، إذ يخدش كبرياؤهم أن شخصاً ما تمكن ببساطة من دخول متجرهم وانتزاع بضاعة والفرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتكرر الأمر في "سويتي بيتي"، كنا هناك أخيراً عندما وقعت مشاجرة. كنا في الجانب الخلفي، ندفع ما علينا دفعه، ودخلت امرأة، أمسكت بكل ما تستطيع أن تضع يديها عليه، وحشت المواد في كيس كبير وهربت. وقدر أنها فرت بمواد بقيمة 300 جنيه استرليني (385 دولاراً).
وقال المكلف بمساعدة الزبائن إن هذا يحدث طوال الوقت. ويستهدف السارقون هذا الفرع لأن الباب واسع ومفتوح عادة، ولا يوجد حارس أمني (المكتب الرئيس لن يدفع أجرة توظيف واحد). ويعرض اللص المواد للبيع على الإنترنت بحلول نهاية اليوم.
ليس فرعا "ماركس أند سبنسر" و"سويتي بيتي" في مناطق محرومة. بل خلاف ذلك. بغض النظر عن مكان وجود شوارع التسوق، فإن بريطانيا في قبضة نوبة من جرائم مسرحها محال البيع بالتجزئة.
قدرت "كو أوب" ما يحدث بالأرقام، إذ أفادت سلسلة المحال الصغيرة بأنها شهدت ما يقرب من ألف حادثة كل يوم في الأشهر الستة الأولى من عام 2023، بزيادة صادمة تبلغ 35 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
والأسوأ من ذلك، أن طلباً وفق حرية الحصول على المعلومات كشف عن أن 71 في المئة من الجرائم الخطرة التي شهدتها محال البيع بالتجزئة لم تستجب لها الشرطة. وأظهرت البيانات الخاصة ببعض قوات الشرطة أنها لم تكن تتابع تسعاً من أصل 10 حوادث خطرة وهو رقم لا يصدق.
وقالت "كو أوب" إن المجرمين يتمتعون "بحرية النهب"، في ظل "مستويات متفشية من الجرائم الخارجة عن السيطرة التي يرتكبها في الأغلب مجرمون تتسم جرائمهم بالتكرار والكثافة"، ويندرج "إدمان المخدرات أو الكحول والعصابات الإجرامية المنظمة المحلية من بين العوامل الرئيسة". وتعرض منفذ يقع في قلب لندن إلى "النهب" ثلاث مرات في يوم واحد.
وكشفت المجموعة أيضاً عن أن عاملين على تماس مع العملاء في متاجرها شهدوا زيادة في الاعتداءات البدنية بنسبة 30 في المئة على أساس سنوي، وزيادة في السلوك غير الاجتماعي والإساءة اللفظية بنسبة 20 في المئة.
وقال مات هود، المدير العام الإداري لـ"كو أوب للأغذية": "رأيت بعض الحوادث المروعة على صعيد السرقة الوقحة والعنيفة في متاجرنا، إذ يشعر زملائي بالخوف وتحت التهديد. أرى مباشرة كيف يؤدي هذا السلوك الإجرامي إلى تآكل نسيج مجتمعاتنا المحلية، من الصعب أن يكون التأكيد على أهمية التغيير العاجل من قبيل المبالغة. لقد استثمرت كو أوب في شكل كبير في الحفاظ على سلامة الزملاء والمتاجر، لكننا نحتاج إلى أن تؤدي الشرطة دورها. وفي كثير من الأحيان، لا تستجيب قوات الشرطة إلى الدعوات اليائسة التي تطلقها الفرق العاملة في متاجرنا، ويعمل المجرمون في المجتمعات المحلية من دون أي خوف من العواقب".
كان العمل في متجر وسيلة آمنة نسبياً لكسب العيش. ليس اليوم. وقالت زارا، مديرة أحد متاجر "كو أوب" في شرق لندن: "يكون الأمر مخيفاً جداً عندما يتسلق المجرمون الأكشاك، فهم يوقعون المنتجات في أكياسهم. في بعض الأحيان يكون زملاء بالقرب منهم، إنه أمر مرعب. لقد قضيت 20 سنة في ’كو أوب‘، والوضع أسوأ الآن من أي وقت مضى. يشعر المرء بأنه عالق. لطالما تحصل سرقة المتاجر، لكن الوضع الحالي مختلف، هم يكتسحون المنتجات الموضوعة على الرفوف. لا يوجد شيء يمكن المرء القيام به. حتى أنهم حطموا أبوابنا الخارجية ليدخلوا. اتصلنا بالشرطة وطلب منا الاتصال بالرقم 101 [المخصص للحالات غير الطارئة]".
وتابعت زارا: "بل شهدنا أشخاصاً توصلهم سيارات بزجاج معتم فيسرقون قبل أن تقلهم السيارات مرة أخرى. الأمر منظم. علينا أن نتأكد من عدم إصابة أحد بأذى، يجب أن يتغير شيء ما".
وقالت ياسمين، وهي مديرة متجر آخر تابع لـ"كو أوب" يقع في الشمال الغربي للندن: "تأتي العصابات مع أكياس وأكياس صغيرة لتسرق. انهار أحد الزملاء أخيراً بسبب الخوف. لا يسعني إلا التفكير في احتمال وقوع الأسوأ، وماذا لو لم يعد إلى منزله للقاء عائلته تلك الليلة".
وأضافت ياسمين: "من يدري ما الأسلحة التي يحملونها، وماذا سيحدث إذا لحقوا بنا عندما نغادر المتجر في الليل. يعرف المجرمون أن الشرطة لا تستطيع المجيء، يقولون إنها لا تملك عدداً كافياً من الضباط".
تنفق "كو أوب" مالاً كثيراً على مكافحة الجريمة، إذ استثمرت أكثر من 200 مليون جنيه في السنوات الأخيرة - لتبلغ حصة كل متجر من متاجرها أربعة أضعاف متوسط إنفاق القطاع على تدابير الأمن والسلامة - وذلك في كاميرات المراقبة، والكاميرات التي يعلقها الموظفون على ملابسهم، وسماعات التواصل المخصصة للمكلفين بمساعدة العملاء، والحراس السريين والعلنيين، والمياه الذكية التي تلتصق بالسارقين وتساعد في تعقبهم، والحالات الأمنية المتابعة بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، والتعبئة "الوهمية" لمواد توضع على الرفوف.
كذلك ضغطت بنجاح من أجل إصدار أحكام أكثر صرامة على من يمارسون العنف على عاملي البيع بالتجزئة من خلال حملتها المسماة "زملاء أكثر أماناً، مجتمعات محلية أكثر أماناً".
أحسنت "كو أوب" في اتخاذ موقف. لكنها جهة واحدة فقط من جهات البيع بالتجزئة، لا يمكنها وحدها أن تحدث فرقاً. تحاول جهات أخرى اتخاذ إجراءات صارمة، لكن النجاح الذي تصيبه مختلط. ولا تستطيع جهات أخرى تحمل تكاليف ذلك، بل يجب عليها أن تتعايش مع الجريمة المتفشية والمخاطر والتكاليف المادية.
الحقيقة أن الأمر يجب ألا يكون متروكاً للشركات. ولهذا السبب، تعد "كو أوب" محقة أيضاً في الدعوة إلى إصلاح، وأن تستهدف قوات الشرطة كلها الجناة الذين يكررون جرائمهم ويمارسونها بكثافة، لإلغاء الوضع القائم الذي يسمح للعصابات بالعمل بحرية.
إذا لم يرغب الشرطة في التصرف أو لم يكونوا قادرين على ذلك، يجب على الحكومة أن تضمن امتلاكهم الموارد التي يحتاجون إليها. لم يعد بإمكان الحكومة تجاهل ما يحدث يومياً في محال البيع بالتجزئة لدينا.
© The Independent