في الثاني من أغسطس (آب) عام 1990، اجتاحت قوات الجيش العراقي بأوامر من الرئيس صدام حسين جارتها العربية دولة الكويت وقتلت وجرحت وأسرت وشردت أهلها، ثم نهبت وأحرقت آبار النفط هاربة تجرّ ذيول الهزيمة، وذلك بعدما حشد لها المجتمع الدولي بقيادة السعودية ودول الخليج جيوشاً جرارة كانت في مقدمتها القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية. على إثر ذلك، أصدر مجلس الأمن قرارات لإزالة آثار العدوان مثل قرار إطلاق الأسرى والتعويضات وتسليم العراق أسلحة الدمار الشامل، ولكن أهم تلك القرارات هو القرار رقم 833 المختص بترسيم الحدود بين الكويت والعراق والذي طبق بالكامل في عهد صدام حسين.
فالحدود البرية والبحرية رسمت بين الكويت والعراق بموجب قرار مجلس الأمن رقم 833 الذي وافق عليه أعضاء المجلس الـ 15 بالإجماع في الـ27 من مايو (أيار) 1993، كما وافق عليه صدام حسين وحصل على موافقة البرلمان العراقي آنذاك، المجلس الوطني، بالإجماع. واجتمعت لجنة فنية من الأمم المتحدة مع الجانبين العراقي والكويتي ورسمت الحدود كاملة من نقطة التقاء الحدود الكويتية – العراقية - السعودية المشتركة غرباً وحتى العلامة البحرية رقم 162 التي تتجاوز خور عبدالله، شمال شرقي الخليج العربي، وما يتفاوض الكويت والعراق عليه بحرياً اليوم هو ترسيم المياه البحرية في ما يسمى "البحر الواسع" بعد خور عبدالله. أتمنى أن تكون هذه المسألة واضحة ونهائية لوسائل الإعلام ولبعض المتفذلكين والجهلة.
في تقرير لقناة "العربية" لمراسلها مصطفى سلمان ببغداد، كرر مراسلهم أن سبب زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم العبدالله الجابر الصباح لبغداد الأحد الماضي هو لترسيم الحدود بين الكويت والعراق. وهي مغالطة كبيرة، بل هو تقرير "خوارة" كما ذكرتُ حرفياً على القناة نفسها وهو ما يسجل لها حقاً بتقبل نقد لاذع لها من أحد ضيوفها ولا تعترض عليه أو تمسحه من تسجيلاتها، بل على العكس أعادته على حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى موقعها على الإنترنت، ولمن لا يعرف "خوارة" هي كلمة لهجوية عامية تعني "هراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما قام به مجلس الأمن من ترسيم للحدود بين الكويت والعراق هو سابقة لم يقم بها المجلس من قبل ولا من بعد، والسبب أنه لم تقم دولة عضو في الأمم المتحدة، لا من قبل ولا من بعد، بمحو دولة أخرى من الخريطة، فقد كان حدثاً جللاً غير مسبوق في العلاقات الدولية، تطلّب إجراء غير مسبوق وفق ميثاق الأمم المتحدة وبموافقة الطرفين المعنيين، أي الكويت والعراق.
الأصوات الإعلامية أو البرلمانية التي تخرج من العراق اليوم تعودنا عليها كثيراً، فمنها الجاهل ومنها الناعق المدفوع ومنها المغرّر به من وسائل الإعلام التي لا تتحرى الدقة ولا البحث في تقاريرها.
لكن هناك أصوات عراقية نشاز تريد التبرؤ من قرار الترسيم الدولي برمته بحجة أنه صيغ في عهد صدام حسين الذي لا يمثل العراق ولا العراقيين، وكان ديكتاتوراً يبطش بكل من يخالفه، وأن عراق اليوم مختلف عن سابقه، فهو عراق "ديمقراطي" شرعي يمثل الشعب العراقي، لكننا نعرف جميعاً أن نسبة كبيرة بين العراقيين اليوم ترى أن الحكومات التي جاءت بعد سقوط صدام حسين جاءت على دبابات المحتل وهي حكومات عميلة وتابعة لإيران، بنظر كثيرين من العراقيين. كما يذكر لنا التاريخ أن من ثاروا على العائلة الهاشمية وقتلوا وسحلوا أفرادها في الشوارع عام 1958 اتهموها بالعمالة للإنجليز، وهكذا.
والحق أنه ليس من شأن الكويت ولا غيرها أن تقرر للعراقيين حكوماتهم، لكنه من غير المعقول انتظار حكومة عراقية يتفق عليها جميع العراقيين كي تعقد معها الدول الأخرى اتفاقات ومعاهدات، فذاك ضرب من المستحيل.
ذكرى الغزو العراقي للكويت تتطلب منا استذكار الدروس والعبر، وليس نبش قرارات دولية وافق عليها الطرفان وطبقاها وأصبحت طياً من الماضي. ولعل إعلان وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم الصباح بافتتاح ملحقية تجارية بقنصلية الكويت في البصرة، تعكس النظرة المستقبلية الكويتية خصوصاً والخليجية عموماً بالتركيز على التعاون بين دول المنطقة في مجالات الاقتصاد والصحة والطاقة وغيرها من المجالات التي تعود بالنفع على الإنسان، فالإنسان المستقر والآمن لا يفكر غالباً بالعدوان على الآخرين، لكن الإنسان الذي يعيش حال الفقر والجهل والفوضى يشكل خطراً على نفسه وعلى جيرانه.