Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يخفي جريمة تفجير مرفأ بيروت؟

أبلغ رئيس الحكومة آنذاك حسان دياب بمعلومات عن حراك أمني "مريب" في مرفأ بيروت لكنه تلقى اتصالاً من مسؤول أمني لثنيه عن زيارة المرفأ

تتصاعد نقمة اللبنانيين وأهالي الضحايا خصوصاً على السياسيين الذين يحملونهم مسؤولية عرقلة التحقيق بانفجار مرفأ بيروت (أ ف ب)

ملخص

بعد ثلاث سنوات على انفجار بيروت ضغوط سياسية وتجاذبات قضائية غير مسبوقة تعرقل التحقيق لمعرفة حقيقة ما حدث في الرابع من أغسطس 2020

في الذكرى الثالثة لتفجير مرفأ بيروت، غابت العدالة في ظل استمرار عرقلة مسار التحقيقات. واكتفت الحكومة اللبنانية بإعلان الرابع من أغسطس (آب) يوم عطلة رسمية، وإصدار طابع بريد تذكاري. من جهة أخرى سجل خرق إيجابي تمثل بتسلم لبنان رسالة من 15 سفيراً وقائماً بالأعمال من الدول الموقعة على البيان المشترك الخاص بانفجار مرفأ بيروت في مجلس حقوق الإنسان، يحثون فيها الجهات اللبنانية المختصة على الإسراع في التحقيقات القضائية، بخلاف المنحى البطيء الذي سلكته حتى تاريخه، معربين عن قلقهم من الاستمرار في إعاقتها.

وفي هذا السياق تكشف مصادر مقربة من المحقق العدلي طارق البيطار عن أن هناك "قراراً أمنياً وسياسياً وقضائياً حاسماً لمنع تحقيق العدالة واستكمال التحقيقات"، مؤكدة أن البيطار بات على قناعة تامة بهذا المنحى، متأسفاً على انخراط "قضاة كبار" بمؤامرة نسف التحقيقات.

وتؤكد هذه المصادر أن التحقيق شبه منجز لدى البيطار لكن التعقيدات المستمرة منذ عامين وعدم استجابة النيابة العامة لقراراته تقف حاجزاً بوجهه، كاشفة عن أن بيطار يمتلك أدلة وقرائن حاسمة على كل الأمنيين والسياسيين الذين أصدر مذكرات توقيف في حقهم، وأنه كان يحتاج إلى التحقيق معهم ومواجهتهم بالأدلة والبراهين، متأسفاً لوجود قضاء وأمن يمنع تحقيق العدالة ويقف إلى جانب المرتكبين بوجه الضحايا.

تهديد القضاء والجيش

سياسياً يعارض الثنائي الشيعي "حزب الله" وحركة "أمل" بشكل واضح مسار المحقق بيطار، وفي أكثر من إطلالة وجه أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله انتقادات لاذعة له واتهمه بأنه "منحاز ومسيس"، وطالبه بالتنحي عن الملف.

وكذلك أعلن نصر الله في بداية أغسطس (آب)2021 أن التحقيق الرسمي في ملف تفجير المرفأ انتهى، مطالباً قيادة الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي أن تقوم بمسؤوليتها وتصارح الشعب اللبناني بنتيجة هذا التحقيق.

الأمر الذي اعتبرته مصادر القاضي طارق البيطار محاولة تدخل في التحقيقات ورسالة تهديد وضغط على الجيش اللبناني بإصدار تقرير تقني أجرته مديرية الاستخبارات عقب الانفجار، مشيرة إلى أن "هذا التهديد استكمل بتهديد آخر عبر مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في "​حزب الله" وفيق صفا، الذي وجه تهديداً مباشراً وعبر الإعلام للقضاء وللبيطار".

عرقلة عبر القانون

في المقابل يشير أحد قضاة النيابة العامة التمييزية إلى أن التحقيق متوقف عند مرحلة البت بالنزاع بين البيطار والمدعي العام التمييزي غسان عويدات، معتبراً أن تصرفات البيطار المخالفة للأصول القانونية أدت إلى ضياع التحقيقات، وبرأيه لو سلك المسار القانوني لما وصلت الأمور إلى هذه التعقيدات.

ولم ينف وجود ضغوط سياسية بوجه البيطار والتحقيقات، إلا أنه اعتبر أن "المعرقلين" يستخدمون القوانين لحماية أنفسهم عبر دعاوى الرد ومخاصمة الدولة، مضيفاً "ليس القضاء من يرضخ للضغوطات، إنما بعض النصوص القانونية تتيح هذا المسار، وكان بإمكان القوى السياسية تجاوز كل تلك المراحل لو قامت بتشريع قوانين خاصة بقضية المرفأ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معلومات صادمة

ويؤكد مصدر أمني عمل سابقاً في وزارة الداخلية أنه تلقى اتصالاً من وزير الداخلية السابق محمد فهمي لتشكيل لجنة من أمنيين وإداريين والاستعانة بخبراء متفجرات، لإنجاز تحقيق ميداني خلال خمسة أيام في أبعد تقدير، إلا أنه بعد ساعات عاد وطلب حصر اللجنة بقوى الأمن الداخلي، وقال "فهمت أن هناك ضغوطاً تمنع الوزير من التوسع في التقرير أبعد من حدود توصيف ما جرى".

وكشف عن أنه في الأيام الأخيرة التي سبقت التفجير كان هناك حراك وتقاطع معلومات "مريب"، وضع رئيس الحكومة حسان دياب في جوها، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ قرار بزيارة المرفأ والاطلاع عن كثب عما يوجد، "قبل أن يتلقى اتصالاً من مسؤول أمني كبير يطلب منه إرجاء الزيارة"، وبرأيه "المسؤول الأمني الذي منع زيارة حسان دياب للمرفأ هو نفسه من منع الوزير فهمي من إنجاز التقرير الميداني".

من ناحيته يوضح وزير الداخلية السابق محمد فهمي أن ما قصده بمهلة الأيام الخمسة هو التحقيق التقني والإداري الذي يوضح للرأي العام حقيقة ما حصل، ويرسم المعالم الأولية للتحقيق الجنائي الذي يجريه القضاء بهدف تحديد المسؤوليات وملاحقة المتورطين ومحاكمتهم.

ويؤكد أنه كان مصمماً حينها على إصدار تقرير رسمي بالقضية إلا أن استقالة رئيس الحكومة حسان دياب ورفضه أن تتحمل حكومته مسؤولياتها حال دون إنجاز التقرير، معتبراً أن الانفجار هو نتيجة فساد وإهمال الدولة، مستبعداً تورط أياد إرهابية، وأن الحكومة بدلاً من الاستقالة كان عليها تحمل مسؤولياتها والتضامن ووضع كل إمكاناتها في إجراء تحقيق شفاف.

وعن سبب إعلانه الموافقة على طلب القاضي طارق البيطار بملاحقة مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم ومن ثم تراجعه، يلفت إلى أنه بداية الأمر وافق على الاستماع إلى إفادته، ولكن عندما تبين أن هناك ادعاء في حقه تراجع عن ذلك، لاسيما أنه كان واضحاً أن البيطار كان سيقوم بتوقيفه.

زيارة ماكرون

وبعد يومين على الانفجار وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، إذ استقبل بحفاوة من المواطنين الذين احتشدوا بأعداد كبيرة أثناء تفقده الأضرار الهائلة التي خلفها تفجير مرفأ بيروت، بالتوازي كانت الاستخبارات الفرنسية تعد تقريراً ميدانياً مفصلاً حول كل ما حصل.

وبرأي أوساط سياسية لبنانية فإن الرئيس الفرنسي كان صادقاً عندما أكد للبنانيين أنه سيعمل على دعم تحقيق شفاف للكشف عن المتورطين، إضافة إلى إعلانه أنه سيضع كل الإمكانات والمعلومات المتوفرة لدى الجهات الأمنية الفرنسية بتصرف القضاء اللبناني.

إلا أن تلك الوعود تبددت وتحولت إلى عملية احتواء للنقمة الشعبية التي كانت سائدة حينها ضد السلطة في البلاد، قبل أن تصبح صفقة سياسية بعد زيارته الثانية إلى بيروت في الأول من سبتمبر (أيلول) 2020، إذ اجتمع بالكتل السياسية واتفق معها على ما سمي حينها خريطة طريق، في حين أسقط أبرز مطلبين للانتفاضة الشعبية وهي الانتخابات النيابية المبكرة وتشكيل حكومة تكنوقراط مع صلاحيات تشريعية استثنائية.

تقويض التحقيق

وفي الذكرى السنوية الثالثة للانفجار قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية آية مجذوب، إنه "أتيحت للسلطات اللبنانية ثلاث سنوات للتحقيق في أسباب الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت ولإخضاع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية للمحاسبة، ومع ذلك فإنه لغاية اليوم لم يحمل أحد بتاتاً المسؤولية عن المأساة"، مشيرة إلى أن السلطات استخدمت كل السبل التي في متناولها لتقويض التحقيق المحلي وعرقلته بوقاحة لحماية نفسها من المسؤولية وترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في البلاد.

وأضافت "تناشد أكثر من 300 من منظمات المجتمع المدني اللبنانية والدولية والأفراد والناجين وأسر الضحايا مجلس حقوق الإنسان مجدداً بالمبادرة على وجه سرعة إلى إنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق للتحقيق في أسباب انفجار مرفأ بيروت، وتحديد هوية المسؤولين عن وقوع هذه الكارثة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير