ملخص
الرعاية الصحية والأنشطة المالية وتجارة الجملة تتصدر القطاعات الأكثر توظيفاً
عادت سوق العمل في الولايات المتحدة الأميركية إلى ما كانت عليه قبل الوباء، إذ أضاف أرباب العمل 187 ألف وظيفة فقط خلال يوليو (تموز) الماضي، وهو أعلى بقليل من المتوسط الشهري في العقد السابق للوباء، وفقاً للبيانات الجديدة الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل.
كان الاقتصاديون يتوقعون مكاسب صافية بمقدار 200 ألف وظيفة الشهر الماضي، وتم تعديل نمو الوظائف في يونيو (حزيران) إلى 185 ألف وظيفة من 209 آلاف وظيفة.
يقول نائب الرئيس الأول في شركة "أديكو" للتوظيف آمي غلاسر إن "سوق لا يزال العمل مرناً، ولا يزال هناك مزيد من فرص العمل أكثر من عدد المرشحين الباحثين عن عمل. إنه يتطابق مع ما نراه، وأعتقد أنه سيستمر بهذه الطريقة".
ويعتبر الرقم الرئيس ليوليو الماضي والمراجعات التنازلية لإجمالي الوظائف الشهرية لشهري مايو (أيار) ويونيو الماضيين، بانخفاض 25 ألف وظيفة و24 ألف وظيفة على التوالي، مؤشرات أخرى على أن سوق العمل في البلاد آخذ في التهدئة تدريجاً، وعلاوة على ذلك فإنه يغذي فكرة أن "الاحتياطي الفيدرالي" يمكن أن يحقق "هبوطاً ناعماً" للاقتصاد لكبح جماح التضخم من دون تسريح جماعي للعمال.
وعلى رغم أن بيانات الوظائف القوية هبطت بعد أيام فقط من خفض تصنيف وكالة "فيتش" للولايات المتحدة، فإن التقرير الأخير للوظائف هو أيضاً الأحدث في سلسلة الأخبار الاقتصادية الإيجابية التي إما أن ترفع توقعات الركود على الطريق أو تمحوها تماماً.
وفق البيانات المتاحة انخفض معدل البطالة في يوليو الماضي إلى 3.5 في المئة من 3.6 في المئة في الشهر السابق له، وخلال الأشهر الـ16 الماضية، تراوح معدل البطالة بين 3.5 في المئة و3.7 في المئة، وهي مستويات لم تشهدها السوق منذ أكثر من 50 عاماً. يقول الاقتصادي والأستاذ في كلية بوسطن بريان بيثون "يجب أن يكون هناك نمو كاف لتوليد مكاسب في الإنتاجية، وهو أمر حاسم لإبقاء التضخم منخفضاً".
ويعيش "الاحتياطي الفيدرالي" في خضم حملة مدتها 16 شهراً لمحاولة كبح جماح التضخم المرتفع منذ عقود من خلال قمع الطلب، ورفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة القياسي 11 مرة من صفر أساس إلى نطاق 5.25 في المئة و5.5 في المئة، وهو أعلى مستوى في 22 عاماً، فيما أظهرت مقاييس التضخم الرئيسة أن زيادات الأسعار تراجعت بشكل كبير خلال العام الماضي بينما يستمر الاقتصاد الأميركي في النمو.
ما القطاعات الأكثر توظيفاً في يوليو؟
كانت الصناعات التي شهدت أكبر مكاسب وظيفية في يوليو الماضي هي الرعاية الصحية والمساعدات الاجتماعية والأنشطة المالية وتجارة الجملة، ويقول كبير الاقتصاديين العالميين في مجموعة "فانغارد" للاستراتيجيات الاستثمارية أندرو باترسون، "هناك مكاسب أضعف في مجال الترفيه والضيافة، على رغم أنها لا تزال تعاني نقصاً في الموظفين مقارنة بمستويات ما قبل كوفيد، لكن قد يكون هذا علامة على تباطؤ في الإنفاق التقديري".
وكان مسؤولو "الاحتياطي الفيدرالي" يأملون أن تؤدي حملتهم العنيفة لرفع أسعار الفائدة إلى حدوث تباطؤ في سوق العمل، بخاصة في ظل مكاسب الأجور التي ينظر إليها على أنها مساهم في التضخم. وبينما كان الاقتصاديون يتوقعون رؤية اعتدال طفيف في مكاسب الأجور حافظت الشركات على ثباتها للشهر الثاني على التوالي، فأظهر التقرير الأخير للوظائف أن متوسط نمو الأرباح في الساعة لم يتغير عند 0.4 في المئة عن الشهر السابق ولم يتغير أيضاً عند 4.4 في المئة على أساس سنوي.
يقول باترسون "سيرغب (الاحتياطي الفيدرالي) في رؤية ذلك (التوظيف) ينخفض، وسبب للاعتقاد بأن هناك علامات على الضعف في سوق العمل، ولكن لا يزال أمام (الاحتياطي الفيدرالي) مزيد من العمل للقيام به".
وتوقع الاقتصاديون مكاسب شهرية بنسبة 0.3 في المئة وزيادة سنوية بنسبة 4.2 في المئة وفقاً لبيانات "رفينيتيف"، واستقرت مشاركة القوى العاملة أيضاً عند معدل 62.6 في المئة.
في الوقت نفسه يستغرق الناس وقتاً أطول للعثور على عمل، وكان هناك 9.6 مليون منهم في يونيو الماضي، وعلى رغم وجود عدد أقل من الأشخاص الذين يبحثون عن وظيفة، إلا أنهم يظلون لفترة أطول في قوائم البطالة.
خلال الشهر الماضي قفزت نسبة العمال الذين تركوا وظائفهم لأكثر من ثلاثة أشهر ونصف شهر ثلاث نقاط مئوية إلى 36.9 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عام، وفقاً لتقرير الجمعة.
وضمن هذه المجموعة ارتفعت نسبة العاطلين عن العمل الذين كانوا يبحثون عن عمل لمدة تتراوح بين 15 أسبوعاً وستة أشهر إلى أكبر مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وفيما لا تزال سوق العمل ضيقة بالمعايير التاريخية قال المتخصص في الشأن الاقتصادي في موقع التوظيف "مونستر" المحاضر الأول للاقتصاد في جامعة فوردهام جياكومو سانتانجيلو إن العثور على العمال وملء الوظائف قد يتأثر بشدة بعوامل مثل المهارات والجغرافيا والتضخم.
وأضاف "مجرد وجود وظيفة شاغرة لا يعني بالضرورة أن وظيفة شاغرة سيأخذها شخص عاطل من العمل، يمكننا في الواقع أن نجد شخصاً يعمل بكامل طاقته ويتولى عملاً إضافياً من أجل اللحاق بالتضخم".
سوق العمل تصل إلى مسار سلس
وصلت سوق العمل إلى مسار سلس بعد أن كانت في رحلة صعبة لمدة ثلاث سنوات مليئة بالمنعطفات غير المتوقعة، ففي مثل هذا التوقيت من العام الماضي كانت فرص العمل تتضاءل، وكان الاقتصاديون يتوقعون أن تستقر مكاسب الرواتب، لكن بدلاً من ذلك قدم تقرير الوظائف لشهر يوليو 2022 مفاجأة هائلة بإضافة 568 ألف وظيفة أكثر من ضعف التوقعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الاقتصاد الأميركي وظائف الآن لمدة 31 شهراً على التوالي، واستقرت معدلات الوظائف الشهرية بالقرب من المتوسط الشهري البالغ 184 ألف وظيفة الذي شوهد في العقد السابق للوباء عندما شهدت أميركا آخر توسع اقتصادي كبير، وما ساعد في دفع هذا النمو القوي والمطرد هذه المرة هو سوق الوظائف نفسه، إذ حافظت سوق العمل القوية على الأجور في النمو، مما ساعد بدوره في تعزيز الإنفاق الاستهلاكي، وهو ما أدى إلى تغذية الطلب الذي بدوره يتطلب من الشركات توظيف مزيد من العمال.
ويبدو أن أحدث امتداد للبيانات يشير إلى أن سوق العمل تظل في حال مستقرة، إذ قد تتقلب مكاسب التوظيف الشهرية في حدود 150 إلى 180 ألف وظيفة.
يقول الاقتصادي والأستاذ في كلية "بوسطن" بريان بيثون "الآن إذا تمكنا من الحصول على بعض الاستقرار من حيث التفكير في الاتجاه الذي يتجه إليه الاقتصاد وبخاصة نحو هاجس الركود، فإن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يرى أن هناك إمكاناً للخروج من مشكلة التضخم"، مضيفاً أن ذلك يمكن أن يساعد في تعزيز الاستثمار وتحقيق الاستقرار في النظام المالي.
بينما يقول اقتصاديون آخرون إن ذلك قد لا يكون كافياً، ويتوقعون أن يروا مزيداً من التدهور في سوق العمل لمساعدة التضخم في النزول إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ اثنين في المئة. يختتم باترسون من "فانغارد" بقوله "نعتقد أن البطالة ربما يجب أن تصل إلى ما يقرب من 4.5 في المئة لفرض الضغط النزولي الذي تحتاجه على الأجور لتحقيق هدف اثنين في المئة".