تحوّل لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في موسكو، الأربعاء في 23 يناير (كانون الثاني)، إلى قمة مخصصة للملف السوري ولاسيما محافظة إدلب ودور الأكراد ونظام بشار.
وتعهد الرئيسان تنسيق تحركاتهما بشكل اوثق في سوريا.
وأعلن بوتين أنه وافق على استضافة قمة قريباً لتناقش فيها روسيا وتركيا وإيران الوضع في سوريا. وقال إنه وأردوغان ناقشا الخطوات التي يمكن لهما اتخاذها للحفاظ على استقرار الوضع في محافظة إدلب. أضاف: روسيا تريد من الحكومة السورية والأكراد بدء مفاوضات.
واعتبر أن انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا سيكون خطوة إيجابية، كاشفاً عن تاتفاقه واردوغان على كيفية تنسيق عملنا في المستقبل القريب.
في المقابل، قال اردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك بعد محادثاتهما التي استغرقت نحو ثلاث ساعات إن "التعاون بين روسيا وتركيا هو محك للسلام والاستقرار في سوريا". أضاف "نعتزم مع أصدقائنا الروس تعزيز التنسيق".
وقال أردوغان أن ليس لديه مشكلة مع روسيا في شأن منطقة آمنة مزمعة في سوريا. والمعركة المشتركة مع روسيا ضد المنظمات الإرهابية في إدلب السورية ستستمر. وأمل ألا يترك الانسحاب الأميركي من سوريا مجالاً للإرهابيين كي يعيثوا فساداً.
ويأتي هذا اللقاء بعد اختلاف الزعيمين في شأن سوريا. فموسكو تقدم الدعم للحكومة السورية، بينما تدعم أنقرة فصائل مسلحة معارضة تحارب نظام الرئيس الأسد.
وعلى الرغم من الخلافات، يعمل البلدان على إيجاد حل سياسي للحرب المستمرة منذ سبعة أعوام. وقد اتفقت روسيا وتركيا على تنسيق عملياتهما الميدانية في سوريا بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي سحب القوات الأميركية من هناك.
وفي مستهل اللقاء، وصف بوتين أردوغان بالصديق، فيما أشاد أردوغان بـ"التضامن الذي حقق نتائج مهمة في مجال الأمن".
وأعرب أردوغان عن سعادته بإجراء أول لقاء مع بوتين في عام 2019. وقال: "القمم الثلاثية مع روسيا وإيران التي بدأنا عقدها في إطار مسيرة أستانة بشأن سوريا، وشملت عقد اجتماعات في سوتشي وأنقرة وطهران، جذبت اهتمام العالم، وأتوقع أن يكون مستقبل هذه القمم مثمرا من خلال اللقاء الذي نعقده".
وأشاد أردوغان بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية بين البلدين، مؤكداً أنها أثرت إيجاباً وبشكل كبير على الاستقرار الإقليمي.
ولفت إلى أنّ العلاقات السياحية خلقت تقارباً كبيراً بين شعبي البلدين، فيما وصف العلاقات التجارية بأنها تسير في خط تصاعدي مستمر. وقال: "ثمة هدف مشترك وضعناه نصب أعيننا، يتمثل في أن يبلغ حجم التجارة بيننا 100 مليار دولار".
وقد سبق اللقاء إعلان أردوغان، الاثنين في 21 يناير (كانون الثاني)، أنه سيبحث مع بوتين اقتراح ترمب انشاء "منطقة آمنة" تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا. وأبدى ترمب تأييده هذه الفكرة.
إلا أن الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة والذين يسيطرون على الجزء الأكبر من شمال سوريا يرفضون الفكرة خوفاً من هجوم تركي محتمل ضد المناطق التي تقع تحت سيطرتهم.
ومن المرجح أن تعارض موسكو أيضاً الفكرة لأن بوتين يدافع منذ بداية النزاع عن ضرورة استعادة النظام السوري السيادة على كل أراضي البلاد.
وهذا ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أيام، إذ قال إن شمال سوريا يجب أن ينتقل إلى سيطرة النظام السوري.
وقال لافروف: "نؤيد الاتصالات التي بدأت بين ممثلين عن الأكراد والسلطات السورية كي يتمكنوا من العودة إلى حياتهم تحت حكومة واحدة دون تدخل خارجي".
وبعد نحو ثماني سنوات من الصراع الدامي في سوريا، أدى قرار الانسحاب الأميركي إلى تعزيز حملة النظام السوري المدعومة من روسيا لإعادة فرض السيطرة على البلاد.
فالقوات الكردية التي باغتها إعلان ترمب سحب الجنود الأميركيين، طلبت المساعدة من النظام السوري لمواجهة التهديد المتمثل بهجوم تركي.
وأشاد الكرملين بدخول القوات السورية مدينة منبج الرئيسية في الشمال للمرة الأولى منذ ست سنوات.
وتُعد موسكو لقمة ثلاثية مع تركيا وإيران كجزء من عملية أستانة للسلام التي أطلقتها الدول الثلاث عام 2017.
وقال يوري أوشاكوف مستشار بوتين للسياسة الخارجية في لقاء مع صحافيين الأسبوع الماضي: "حتى الآن لم يتم تحديد موعد، لكن بعد اجراء مشاورات مع اردوغان سنبدأ التحضيرات للقمة الثلاثية".
وعقدت آخر قمة بين بوتين واردوغان والرئيس الايراني حسن روحاني في إيران في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، حيث طغى على جدول الأعمال البحث في مصير محافظة إدلب الواقعة في شمال غرب سوريا. ولم تسفر القمة عن نتائج.
وتدهورت العلاقات بين روسيا وتركيا إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، عندما أسقطت القوات التركية طائرة حربية روسية فوق سوريا.
ولكن بعد اتفاق مصالحة عام 2016، عادت العلاقات إلى طبيعتها، وعاد التعاون بين بوتين وأردوغان بشأن سوريا. وأعلنت تركيا عن شراء أنظمة دفاع جوي روسية الصنع وعن بناء روسيا لأول محطة نووية تركية.
وقد سبق لقاء بوتين وأردوغان إعلان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الأربعاء، أن الوضع يتدهور سريعاً في محافظة إدلب السورية، حيث حاولت روسيا وتركيا إقامة منطقة لخفض التصعيد.
وقالت زاخاروفا إن المنطقة تخضع الآن لسيطرة شبه كاملة لجبهة النصرة. ونقلت وكالة إنترفاكس عنها قولها "استمرار الاستفزازات يشكل خطراً على المدنيين وعلى العسكريين السوريين وقاعدة حميميم الجوية الروسية".