ملخص
انتشلت هيئة الأركان البحرية الليبية سفينة وغواصة عسكريتين غرقتا قبل سنوات طويلة ضمن خطة لتنظيف ميناء الخمس وتسهيل حركة الملاحة
انتشلت قوات البحرية الليبية التابعة لحكومة الوحدة في طرابلس سفينة وغواصة قبعتا لسنوات في أعماق البحر قبالة ميناء الخمس شرق العاصمة، ضمن خطة لتنظيف الميناء من مخلفات السفن القديمة، تزامنت مع قرار مثير للجدل بضم الميناء المدني إلى القاعدة البحرية العسكرية، أثار احتجاجات واسعة في المدينة.
ويعج الساحل الليبي، الأطول في مياه البحر المتوسط، بالسفن الغارقة في فترات زمنية مختلفة بعضها حديث وبعضها ضارب في القدم، منها ما كانت ظاهرة للعيان لعقود طويلة قبل أن تختفي في السنوات الخمس الأخيرة، ومنها ما تم انتشاله من الأعماق، بينما لايزال الكثير مطموراً في شواطئ متفرقة شرق البلاد وغربها.
انتشال السفينة "زلطن"
ونجحت فرق غوص عسكرية تابعة لقاعدة "الخمس" البحرية في انتشال السفينة "زلطن" الغارقة في حوض القاعدة منذ نحو عقدين من الزمن، إثر غرقها عام 2008، وذلك بعد أعمال استمرت نحو شهرين.
وأعلنت شعبة الإعلام والتوثيق بإدارة التوجيه المعنوي، التابعة لرئاسة الأركان في طرابلس، "انتهاء الأعمال بنجاح على رغم قلة الإمكانات ونقص المعدات اللازمة، وذلك بعد تنفيذ خطة محددة ومدروسة مع تناسق في الأعمال وتناغم كل الجهود".
كما انتشلت الفرق الفنية الغواصة "حُنين" التي كانت في محيط السفينة نفسه، بعدما ظلت غارقة تحت الماء منذ عام 2014 جراء عطب في الأنابيب المتصلة بها، واستغرقت أعمال انتشالها 25 يوماً متواصلاً.
أدوات بسيطة
وبحسب تدوينات نشرها مركز الأبحاث الليبي على صفحته على "فيسبوك"، استخدم الغواصون إمكانات بسيطة تقليدية لانتشال السفينة بأمان، ولكنه أكد أن عملية غرق السفينة وتأخر إخراجها من محيط ميناء الخمس، "تسببا في خسائر بيئية واقتصادية هائلة".
كما أوضح المركز أن "الغواصين نفذوا عمليات دقيقة لإفراغ السفينة من المياه ثم تلحيم أجزائها باستخدام مواد بسيطة وبدائية مكونة من الإسمنت والسكر وأسنمة الجمال ثم تعويمها ورفعها إلى سطح الماء".
ويبلغ وزن السفينة العسكرية "زلطن" الغارقة منذ سنوات، 2200 طن، ويبلغ طولها 128 متراً وعرضها 15 متراً، وقالت هيئة الأركان الليبية إن "انتشالها يندرج في إطار خطة أطلقتها لتنظيف قاعدة الخمس البحرية من المخلفات البحرية القديمة".
قرار يشعل غضباً عارماً
الخطة التي بدأت في تنفيذها هيئة الأركان البحرية في طرابلس، يبدو أنها لن تقتصر على تنظيف الميناء لتسهيل حركة الملاحة، بل تعد جزءاً من خطة أكبر لتوسعة محيط القاعدة البحرية، إلى حد ابتلاع مساحة كبيرة من الميناء المدني الذي يشكل عصب اقتصاد مدينة الخمس، ما أثار حفيظة سكانها ودفعهم للاحتجاج على نوايا الهيئة البحرية العسكرية.
فعلى مدار الأيام الثلاثة الماضية، اشتعلت احتجاجات واسعة لأهالي الخمس، اعتراضاً على قرار يعتقد أنه يهدف إلى ضم ميناء الخمس البحري إلى القاعدة البحرية العسكرية بالمدينة، وهو القرار الذي اعتبره مجلس النواب الليبي في بيان "باطلاً وغير قانوني".
واتسعت رقعة الاحتجاجات يوماً بعد يوم، حين أغلق محتجون على القرار طريق المدينة الساحلي، ونظم عدد من أهالي المدينة وموظفي الميناء وقفات احتجاجية اعتراضاً على القرار الذي استندوا فيه إلى مراسلة من آمر نقطة الخمس بجهاز حرس السواحل إلى مدير الميناء، يطالب فيه بإخلائه من الجرافات والسفن.
وطالب المحتجون بالتراجع عن القرار وإخراج كل التشكيلات المسلحة الوافدة من خارج المدينة، مهددين بـ"إغلاق البوابات الرئيسة في الطريق الساحلي الذي يربط مصراتة بطرابلس، والمحطة الكهربائية في المدينة التي تغذي مدناً محاذية لها".
وقال المحتجون في بيان إن "الميناء يمثل مصدر رزق لعدد من العائلات في مناطق قريبة عدة من الخمس، ولهذا يجب إلغاؤه بشكل عاجل وفوري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
البرلمان يساند المحتجين
من جانبه، دعا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح المجلس الرئاسي إلى "تحمل مسؤولياته وتكليف المدعي العسكري بإيقاف ما يجري في ميناء الخمس"، في إشارة إلى خطط الأركان البحرية لضم الميناء البحري المدني إلى القاعدة البحرية المجاورة له.
في الأثناء، نشرت الشركة الليبية للموانئ فرع ميناء الخمس البحري على مواقع التواصل، صوراً تظهر استمرار أعمال مناولة تفريغ لسفن الحاويات والصب في الميناء بشكل طبيعي.
كما أوضحت أن "اجتماعاً موسعاً وطارئاً عقد في بلدية الخمس ناقش حدود الميناء وتداعيات إيقاف وضم الميناء للقاعدة البحرية، استناداً إلى الكتاب الذي يأمر بإخلاء الحوض الغربي خلال مدة أقصاها 48 ساعة".
وذكر المكتب الإعلامي للبلدية أن "الميناء يعد وجهة اقتصادية مهمة للبلدية، الذي يقدم الخدمات للمواطنين من داخل البلدية وخارجها ويوفر فرص عمل للمواطنين، لذلك شكلت لجنة لحل هذه المشكلة بشكل عاجل".
كنوز في الأعماق
وبالعودة إلى موضوع السفن الغارقة قبالة الشواطئ الليبية، التي قبع بعضها لعقود طويلة قبالة السواحل الليبية خصوصاً شرق البلاد، حيث اشتهرت شواطئ الصابري في بنغازي بوجود حطام سفينة رومانية غرقت أثناء اقترابها من ميناء المدينة قبل 35 عاماً لتفريغ شحنة من الأغنام، وظلت طيلة تلك العقود رابضة على الشاطئ قبل قصها وتفكيكها منذ ثلاث سنوات، أسوة بسفينتي شحن أخريين لقيتا المصير نفسه بعد غرقهما بعشرات السنوات، وبقائهما على شواطئ قمينس (50 كيلومتراً غرب بنغازي) وسوسة غربها.
حل لغز بحري قديم
أما أبرز الاكتشافات للسفن الغارقة في أعماق البحار الليبية في السنوات الأخيرة، فكان عام 2012 حين عثر غواص بلجيكي على حطام غواصة تابعة لسلاح البحرية البريطانية عند مرسى الهلال قرب طبرق، بعد أن ظل سر اختفائها مجهولاً لـ 70 عاماً منذ الحرب العالمية الثانية.
واستطاع الغواص المحترف جان بيير ميسون (76 سنة)، أن يتعرف على حطام الغواصة على عمق 50 متراً تحت الشاطئ الليبي عبر صور التقطها بتقنية "السونار"، ليكشف سر اختفائها منذ 29 أبريل (نيسان) 1942، إذ لم تتوصل عائلات 29 من أفراد الطاقم، إضافة إلى عشرة ركاب، لمصير ذويهم.
وذكرت جريدة "ديلي ميل" البريطانية وقتها، أن "تكلفة الغواصة حين بنائها عام 1941 وصلت إلى 300 ألف جنيه استرليني، وهو ما يقدر وقتها اكتشاف حطامها بحوالى 12 مليون جنيه استرليني، وجمع البريطانيون أموالها بأنفسهم من مدن مختلفة في مناسبة الأسبوع الوطني للسفن الحربية.
وقال ميسون للجريدة البريطانية "أتمنى أن تنظم أوروبا أو الناتو حملة لزيارة الغواصة لتذكر وتكريم الرجال الذين ضحوا بأنفسهم لتحقيق السلام تحت العلم الأوروبي".
ووقعت حادثة غرق الغواصة وهي في طريقها من قاعدتها القديمة في مالطا إلى قاعدتها الجديدة في مدينة الإسكندرية المصرية، ولعبت ضربات الغواصة دوراً مهماً في منع الإمدادات عن جيش رومل وقوات النازيين في شمال أفريقيا بين 1941 و1942.
وقبلها بعامين، اكتشف علماء آثار من إيطاليا، وخبراء تقنيون من صقلية وجامعة "سيور أورسولا بنينكاسا"، مدينة كاملة تحت سطح البحر في أغسطس (آب) 2010، تعود إلى العصر الروماني على الساحل بين مدينتي درنة وطبرق، وذلك أثناء إجراء الحفريات التي تقوم بها البعثة الأثرية على طول الساحل الأفريقي، والتي أسفرت عن اكتشافات رائعة، مثل سفينة البندقية "تيجري" التي غرقت قبالة رأس الهلال غرب درنة في زمن غابر.