Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آفة التشظي تصيب "البيت الكردي" بانتخابات مجالس المحافظات

يأتي الانقسام على إثر الخلاف بين الحزبين التقليديين الحاكمين في الإقليم "الديمقراطي" و"الاتحاد الوطني"

حذر 13 حزباً كردياً لم يكن من بينها الحزبان الرئيسان من "تعريض كركوك للخطر بسبب تشتت الكرد وغلبة المصلحة الحزبية على المصلحة القومية" (أ ف ب)

ملخص

الأكراد يضيعون فرصة العودة لرأس السلطة المحلية في كركوك بسبب انشطارهم على قوائم عدة في انتخابات مجالس المحافظات الاتحادية المقبلة
 

مع انتهاء مهلة مفوضية الانتخابات لتسجيل الأحزاب والتحالفات السياسية في انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم، ظهر انشطار واضح بين القوى الكردية على قوائم وتحالفات عدة خجولة لتزيد من استنزاف ثقلها على الساحة الاتحادية، فيما حذرت أوساط سياسية من تداعيات إضاعة القوى الكردية فرصة استعادة همينتها على مصدر القرار في محافظة كركوك الغنية بالنفط، فما أسباب انفراط العقد الكردي؟ وهل بقي أمام القوى الكردية خيارات بديلة للالتئام بعد الانتخابات؟

ومن المقرر أن تجرى انتخابات مجالس المحافظات العراقية باستثناء محافظات إقليم كردستان في الـ18 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تتركز فيها المشاركة الكردية على مناطق موضع النزاع مع حكومة بغداد، أبرزها محافظة كركوك، إلى جانب مناطق في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، وسط هاجس كردي من عدم تحقيق الأغلبية في حكومة كركوك جراء الانقسام بين القوى الكردية الرئيسة.

 

يأتي الانقسام الكردي على إثر الخلاف المتصاعد بين الحزبين التقليديين الحاكمين في إقليم كردستان "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" بزعامة جلال طالباني، حول النهج الآني المتبع في إدارة حكم الإقليم على صعيد تقاسم النفوذ والإيرادات في الإقليم، وفي إدارة ملف الخلافات مع حكومة بغداد التي نجحت في استغلال هذا الضعف لفرض قرارات اتحادية ملزمة لحكومة الحزبين على محاور مهمة عدة أبرزها كان في تعطيل تصديرها للنفط بشكل مستقل.

تشتت على رغم المبادرات

وسيخوض الأكراد الانتخابات في الأقل عبر خمسة تحالفات وقوائم، وعلى رغم أن "الديمقراطي" لم يكشف رسمياً عن شكل تحالفه، لكن وسائل إعلام تابعة له أكدت دخوله في تحالف مع قوى عدة تضم "الحركة الإسلامية والحزب الإسلامي العراقي وحزب الشعب التركماني والحركة الديمقراطية الكردستانية"، بينما اكتفى "الاتحاد" بالدخول في قائمة مع الشيوعي الكردستاني، وكان اللافت إعلان لاهور شيخ جنكي المبعد عن رئاسة الحزب بالتشارك عدم مشاركته في الانتخابات محملاً "غالبية القوى الكردية"، التي لم يسمها، مسؤولية ما قد يفرزه التشتت الكردي من "نتائج غير مرغوب بها" في كركوك ومناطق موضع نزاع مع بغداد، بعد رفضها مبادرته لتشكيل قائمة كردية موحدة بسبب ما وصفه تغليب "المصالح الحزبية الضيقة" على المصلحة القومية.

ولم تحسم بعد حركة "التغيير" المشاركة في حكومة الإقليم الائتلافية موقفها، بينما دخل الحزبان الإسلاميان المعارضان في الإقليم "الاتحاد الإسلامي" و"جماعة العدل" في تحالف، أما حراك "الجيل الجديد" المعارض الصاعد بزعامة شاسوار عبد الواحد فأكد مسبقاً عدم رغبته في الدخول إلى أي تحالف يشارك فيه الحزبان ليقرر خوض الانتخابات منفرداً، كما اتخذ "الحزب الاشتراكي" خطوة مماثلة، في حين أكد كل من حركة "ديمقراطية شعب كردستان" وحزب "كادحي كردستان" المقاطعة "للحد من تشتيت الصوت الكردي".

ومن المتوقع أن تكون المنافسة الانتخابية في المحافظة حامية، مع وجود أكثر من ثمانية أحزاب كردية في مواجهة 12 حزباً وتحالفاً تركمانياً وعربياً، ستتنافس خلالها على 16 مقعداً منها مقعد مخصص لكوتا المسيحيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحمل انتخابات مجالس المحافظات أهمية خاصة لكركوك التي لم تشهد سوى انتخابات محلية يتيمة منذ عام 2005، بسبب الصراعات والتقاطعات على إدارة المحافظة ومستقبل تبعيتها بين الإقليم وبغداد، لطالما كان ينظر إليها الأكراد بكونها إحدى ركائز قضيتهم مع الأنظمة العراقية المتعاقبة، وهم طالما اتهموا نظام حكم حزب البعث المنحل بممارسة "عملية تعريب ممنهجة" لتغيير ديمغرافيتها السكانية، بينما يتهم العرب والتركمان الأكراد بممارستهم عملية "تكريد" خلال سنوات إدارتهم للمحافظة بين عامي 2003 و2017.

تضارب في معايير النفوذ

ويسعى "الديمقراطيون" إلى التخلي عن الصيغة التقليدية السابقة القائمة على أساس "المناصفة" في التحكم بدفة القرار الكردي مع "الاتحاديين"، عبر اتخاذ صناديق الاقتراع كمعيار "واقعي" للمعادلة السياسية الكردية، بناء على ما أفرزته الانتخابات السابقة من تفاوت جلي في نسب المقاعد لصالح حزب بارزاني، والمتغيرات التي طرأت على المزاج العام للناخب الكردي بالضد من حزب الاتحاد الذي "عانى خلافات بين أقطابه وأزمات على مستوى إدارته لمناطق نفوذه"، في حين يرفض الأخير التخلي عن معيار القوة المحدد وفق عوامل التاريخ "النضالي" وواقع النفوذ "العسكري والإداري".

وتظهر نتائج الانتخابات البرلمانية الاتحادية التي جرت في أكتوبر عام 2021، وفق معيار الانتماء العرقي والقومي، تقدم القوائم الكردية مجتمعة على بقية المكونات بحصولها على أكثر من 160 ألف صوت، ثم العرب بأكثر من 120 ألف صوت، والتركمان بأقل من 46 ألف صوت، وذهب أكثر من 82 ألف صوت للمستقلين، إلا أن هذه الأرقام تنقلب لصالح العرب والتركمان في ما لو قسمت الأصوات الكردية على قوائم متفرقة.

خيار للعودة

في المقابل ترى أوساط سياسية أن فرصة إعادة تلاحم القوى الكردية ما زالت متاحة في مرحلة ما بعد إعلان النتائج عبر الدخول في تحالف موسع مبني على الثقل الانتخابي لكل حزب، يتم على أساسه تقسيم المناصب بين أعضاء التحالف كما حصل سابقاً، وهذا ما أكده مقرر قسم الانتخابات في الحزب "الديمقراطي" نيازي عزيز، بخاصة أن مسؤولين أكراداً قللوا من مخاوف هدر كبير للأصوات في كركوك إذا ما وجدت قائمتان كرديتان قويتان، إلا أن المؤشرات الآنية على ضوء الخلاف بين القوى تضع احتمال تشكيل تحالف كردي موسع بعد الانتخابات رهن حصول تغير في المواقف مع الرضوخ للشروط التي ستفرضها المعادلة الجديدة.

وفي أسباب المخاوف الكردية والسيناريوهات المطروحة قال المحلل السياسي لقمان محمود إن "المخاوف تكمن في العودة إلى نظام سانت ليغو المعدل بالاعتماد على القاسم الانتخابي 1.7، الذي يزيد من حظوظ الكيانات الكبيرة على حساب الكيانات الصغيرة والمرشحين المستقلين الذي تكون حظوظهم في حصد مقاعد ضعيفة، لذا فإن تعدد القوائم الكردية سيؤدي إلى فقدان كبير في الأصوات، وتالياً إذا لم يفوزوا في الأقل بنصف المقاعد فإنهم لن يتمكنوا من استعادة المناصب المهمة كمنصب محافظ كركوك الذي فقدوه بعد انسحابهم من مناطق موضع النزاع عام 2017، على وقع العقوبات التي فرضتها بغداد على إقليم كردستان لخوضه استفتاء للانفصال"، واستدرك محمود "لكن في العموم سيتبقى أمام القوى فرصة أخيرة لتصحيح مسارها لما بعد إعلان نتائج الانتخابات، وهذه الصيغة باتت شائعة حتى لدى بقية القوى على الجانبين السني والشيعي، من خلال اتخاذ صناديق الاقتراع كمعيار لتحديد ثقل كل طرف، تبنى على أساسه هيكلة التحالف ومن ثم توزيع المهمات والمواقع سواء داخل التحالف نفسه أم في مؤسسات الدولة".

وفي وقت سابق حذر 13 حزباً كردياً لم يكن من بينها الحزبان الرئيسان في بيان مشترك من "تعريض كركوك للخطر بسبب تشتت الكرد وغلبة المصلحة الحزبية على المصلحة القومية، لكون المجلس المحلي هو الجهة التي ستحدد مصير ومستقبل المحافظة بناء على الأقلية والأغلبية".

أطماع إقليمية

وتحتل كركوك التي يقطنها خليط من القوميات والأعراق حيزاً رئيساً في القضايا الخلافية بين الأكراد والحكومات العراقية المتعاقبة، فهي تعد القضية المركزية في المادة 140 الدستورية الخاصة بتسوية ملف مناطق موضع النزاع، لما تتمتع به ثروات نفطية تصل إلى 12 في المئة من الاحتياط الكلي للبلاد، ولها موقع استراتيجي جعلها تكون حلقة وصل بين مناطق شمال البلاد وجنوبه، ونظراً إلى هذه الأهمية فإنها لم تغب عن أجندة مصالح دول متنفذة في المنطقة مثل إيران وتركيا.

وفي هذا الإطار قال المحلل السياسي سرمد غفور "يمكننا أن نتذكر كيف وقفت طهران وأنقرة بحزم ضد الأكراد عندما أرادوا إدراجها ضمن عملية الاستفتاء لانفصال إقليم كردستان، بعدها دخلت قوات الحشد الشعبي الشيعية المدينة، ومعروف أن معظم فصائل هذه القوات تتبع قوى مرتبطة بصلة وثيقة مع طهران التي دعمت في السنوات الأخيرة هذه القوات لتوسيع رقعتها نحو محافظة نينوى لتأمين خط إمداد لها مع سوريا"، مضيفاً "أما أنقرة فهي ترى في هوية كركوك بأنها تركمانية، وكانت إحدى ولايات الإمبراطورية العثمانية، كما تدعم قوى عربية سنية لها نفوذ فيها أيضاً، فضلاً عن أن تصدير نفط كركوك للأسواق العالمية كان عبر خط الأنابيب الوحيد الرابط مع إقليم كردستان باتجاه ميناء جيهان التركي قبل أن يتوقف أخيراً بسبب خلاف بين أنقرة وبغداد ما زال قائماً".

وختم غفور "للعوامل الجغرافية وقع أيضاً على الخلاف بين الحزبين الكرديين، إذ يرتبط الاتحاد تاريخياً بمصالح مع طهران بحكم وقوع منطقة نفوذه على الجانب المحاذي للحدود الإيرانية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الديمقراطي الذي ذهب بعيداً في بناء علاقات اقتصادية واسعة مع أنقرة، وإن لهذه المعادلة بصمة على ملف كركوك ومناطق موضع النزاع بين حكومتي أربيل وبغداد".

المزيد من تقارير