ملخص
على رغم كل تبعات أزمة تغير المناخ التي خبرها العالم بأسره ما زال المحافظون يتساهلون في المسببات.
في المملكة المتحدة، تلتزم حكومة حزب المحافظين تماماً السياسات الداعمة للطاقة الخضراء الصديقة للبيئة. مهلاً، الوضع ليس كذلك. ليس من قبيل المبالغة القول إن موقف بريطانيا من السعي إلى تحقيق أجندتها المناخية غير واضح الآن.
لقد شهدنا تواً شهر يوليو (تموز) الأكثر حراً على الإطلاق [مقارنة بأشهر يوليو الماضية منذ بدء التسجيلات]، وموجة حر تضرب بلاد البحر الأبيض المتوسط مصحوبة بحرائق غابات مستعرة، إضافة إلى هطول أمطار غزيرة وفيضانات مروعة في بكين، وهي عوامل تُعزى كلها إلى تغير المناخ. فماذا يفعل رئيس الوزراء ريشي سوناك إزاء ذلك؟ منح 100 رخصة جديدة تسمح بالتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال.
وأرفق سوناك هذا الإعلان عن رخص التنقيب بحافز احتجاز الكربون. بناء عليه، بدت مقاربته محايدة، بيد أن أزمة تغير المناخ لا تتعلق بتحقيق هذا التوازن. إذا كان رئيس الوزراء يأخذ إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري على محمل الجد حقاً، فلن يوافق على إنشاء المواقع المئة الجديدة [للتنقيب عن النفط والغاز].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالتأكيد، ليس من قبيل المصادفة أن تجيء هذه الخطوة التي تصب في مصلحة النفط القذر والغاز بعد وقت قصير من يوليو الذي شهد أيضاً تحقيق فوز غير متوقع لحزب المحافظين في انتخابات أوكسبريدج الفرعية. وبالطبع، سينكر سوناك هذا الرابط. ولكن مما لا شك فيه أن معارضة سياسات عمدة لندن [العمالي صادق خان] المناهضة للسيارات كانت مسؤولة عن ذلك الانتصار غير المتوقع. يقترب موعد الانتخابات العامة السنة المقبلة. وجعلت أوكسبريدج عقول الخبراء الاستراتيجيين لدى حكومة سوناك مزدحمة [في إشارة إلى سائقي السيارات الذين صاروا الجبهة الجديدة في حروب سوناك].
كانت نتيجة الانتخابات الفرعية صادمة، ولكن الوزراء كانوا منذ فترة يقوضون في صمت الترسانة المناخية.
مثلاً، التعويض عن انبعاثات الكربون، يعتبر سلاحاً مركزياً في الجهود المبذولة في سبيل خفض مستويات الانبعاثات. كذلك الأمر بالنسبة إلى احتجاز الكربون.
يشتمل الأخير [احتجاز الكربون] على تخزين الانبعاثات تحت الأرض، والحؤول دون وصولها إلى الغلاف الجوي. أما الأول [تعويض الكربون]، فيحث العائلات والشركات على مطابقة أو التعويض عن الانبعاثات التي تطلقها عن طريق الاستثمار في تكنولوجيا الطاقة "النظيفة" وغيرها من مشاريع خفض الكربون. لفترة من الوقت، كان شراء الأشجار لزراعتها في الغابات التدبير التعويضي السائد، ولكن مشاريع تعويض أخرى تتميز بأنها أكثر تطوراً وفاعلية أصبحت أكثر شيوعاً.
عام 2021، بعد مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، استحدثنا مشروع تداول الانبعاث (ETS) الذي يرمي إلى تحفيز الصناعات الثقيلة على خفض انبعاثاتها من الكربون. كان يُطلب من الجهات ذات البصمة الكربونية العالية شراء حصص من الانبعاثات لاستخدامها في مصادر الطاقة المتجددة، أو بعضها، في كل مرة تطلق طناً من ثاني أكسيد الكربون ("سي أو 2").
ومع ذلك، وبغرض الحد من الكلفة، حصلت أكبر الجهات المسببة للانبعاثات، ومن بينها شركات مولدات الكهرباء، على مساعدة للتخفيف منها. ولكن وضع سقف للدعم وجرى تقليصه بمرور الوقت، مما حث تلك الجهات على خفض انبعاثاتها بدلاً من دفع مبالغ ضخمة.
ولكن الآن، تقلص الحد الأقصى للانبعاثات بما يسمح لتلك الشركات الحصول على مزيد من الدعم. في الواقع، أصبح التلوث الصناعي أقل كلفة بأشواط.
من بين المخططات المدافعة عن البيئة، كان مشروع التداول الذي لم يحظ بترويج واسع سياسة رائدة في هذا المجال. لقد اتسم بالذكاء، ولو كان اتبع على النحو المنشود، لكان سيصنع فارقاً حقيقياً عن طريق التأثير في الشركات الصناعية بغية خفض انبعاثاتها. إنه نظير "نظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات".
كانت الشركات عالية الانبعاثات مطالبة بشراء حصص الكربون. تتمثل الفكرة في أنها عندما تخفض انبعاثاتها، تشتري حصصاً أقل. لم يعد موجوداً هذا الدافع الذي يحملها على الحد من الانبعاثات وتوفير المال.
في المملكة المتحدة، يبقى تداول حصص الانبعاثات أقل بـ40 في المئة مقارنة بنظيرتها في الاتحاد الأوروبي. تضع المملكة المتحدة 47 جنيهاً استرلينياً سعراً للطن من الانبعاثات في مقابل 88.50 يورو (75.86 جنيه استرليني) في الاتحاد الأوروبي.
على مدى بضعة أعوام، اقترب تداول الانبعاثات في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من التعادل. ثم، قبل بضعة أشهر، تباعدا، إذ لم تعد الجهات المشاركة في السوق مقتنعة بالتزام حكومة المملكة المتحدة تحقيق الأهداف المناخية.
كلما ارتفع السعر، ازدادت جاذبية الاستثمار في الطاقة المتجددة والمشاريع النظيفة الأخرى. يكمن الأساس المنطقي لتعويض الكربون في التشجيع على الاستثمار في مشاريع تحد من انبعاثات الكربون. ولكن بجرة قلم، أضعفت الحكومة هذا الحافز وبددت ما كانت يوماً سوقاً مزدهرة للكربون.
إنه قرار عجيب، إلا إذا كنت حزباً سياسياً حريصاً على إرضاء القطاع الصناعي ومعالجة الشكاوى المتعلقة بدفع مبالغ كبيرة مقابل كل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. لقد نالت تلك الشركات مرادها، وانخفضت الكلفة. يمكن لمحطات الطاقة حرق كميات أكثر من الغاز مدركة أنها غير مضطرة إلى دفع كثير في مقابل التلوث الذي تسببه. على النقيض من ذلك، تراجعت الجاذبية الاستثمارية والعائدات المحتملة لدى الشركات المطورة لمزارع الرياح.
لا ينبغي الخلط بين برامج تداول الكربون الإلزامية للشركات الصناعية الكبرى وسوق الكربون الطوعي غير المنظم الذي يرى أن الأفراد والشركات يمولون من القطاع الخاص مشاريع الحد من الكربون. كانت هذه المشاريع في دائرة الضوء أخيراً، وسط مزاعم تقول إن أفعالها لا تطابق أقوالها. تُبذل محاولات لإشراك هذه السوق وتعزيز كفاءتها.
في الحقيقة، لن نتوصل إلى حل لأزمة المناخ بثمن زهيد، وعلى كل شخص (الجميع) أن يدفع الثمن المتوجب عليه، إما الآن، أو بكلفة ضخمة لاحقاً، عند بلوغ النقطة الحرجة بشكل فعلي وحقيقي.
يمثل الحد من مستويات انبعاثات الكربون على كوكب الأرض بشكل فاعل واقتصادي أحد أكبر التحديات التي نواجهها. تعويض الكربون يوفر الحل. وكما يقول راسي أوزتركمان، الشريك الإداري في شركة "كاربونيرز" لإدارة الأصول الكربونية: "الأرقام واضحة. لا يسعنا تلبية أو حتى الاقتراب من مستويات الكربون المطلوبة من دون اتباع نهج متكاملة مثل مشاريع تعويض الكربون عالية النزاهة ورفيعة المستوى. الأجدر بنا تطبيق العلوم والأخلاق والتكنولوجيا والتمويل بغية إيجاد حلول للمشكلات التي تشوب السوق الحالية. علينا المضي قدماً في جهود خفض العالم لاستهلاك الطاقة والانبعاثات باللجوء إلى مشاريع تعمل على تقليص الكربون وتحقيق قيمة اجتماعية وبيئية واقتصادية إضافية. واضح، بالنسبة إلى معظم الشركات، أن اتباع نهج مسؤول وشفاف وعادل لتعويض الكربون يساعد في تحقيق هذا الهدف".
هذا هو الهدف. الحقيقة، المؤسفة والتي لا تصدق، أن هذه الحكومة قد فعلتها وجعلت التلوث الصناعي مربحاً أكثر.
© The Independent