ملخص
الجزائر باتت قريبة من لعب دور الوسيط في حل أزمة النيجر بتنسيق أميركي بينما لا يزال الموقف الفرنسي أقرب إلى السلبي.
هدوء حذر في النيجر يمنح بعض الحظوظ لوساطات من شأنها منع استعمال القوة وإعادة الأمور إلى الشرعية الدستورية، وبقدر ما أخذ رفض الجزائر التدخل العسكري حيزاً واسعاً من الاهتمام، جاء التنقل "المفاجئ" لوزير خارجيتها إلى واشنطن، ليفتح أبواب الحديث عن وساطة جزائرية - أميركية.
بين تراجع منظمة "إيكواس" عن التدخل العسكري ورفض استقبال وفدها من طرف المجلس العسكري وتصريحات وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، خلال لقائها قادة الانقلاب بنيامي، تصاعدت أسهم الحل الدبلوماسي السلمي لإنهاء أزمة الحكم التي تعيشها دولة النيجر، والذي رافعت الجزائر لمصلحته منذ الوهلة الأولى، في سياق مواقفها التي تتمسك بالمبادرات السلمية بدل العسكرية في حل الأزمات.
واكتملت الصورة بتصريحات الرئيس عبدالمجيد تبون بأنه لا حل في النيجر من دون الجزائر، ثم حديث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن أن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لحل أزمة هذا البلد الأفريقي، وتبعها انتقال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، إلى واشنطن في زيارة مفاجئة بدعوة من نظيره الأميركي، لتؤكد أن هناك "تقارباً" جزائرياً - أميركياً حول سبل حل أزمة النيجر.
واعترفت المبعوثة الأميركية نولاند، بأن لقاءها مع أعضاء من المجلس العسكري كان صعباً بسبب المباحثات التي دامت نحو ساعتين، وأيضاً رفض مقابلة الرئيس النيجري المحتجز محمد بازوم، علاوة على رفض مقترحات تقدمت بها واشنطن، ما جعلها تقول إن "اللقاء كان صريحاً للغاية وفي بعض الأحيان صعباً للغاية"، لكنه قلص احتمالات الحل العسكري.
شارة الوسيط
النشاط الدبلوماسي الجزائري - الأميركي باتجاه تجاوز الحل العسكري والدخول في رحلة بحث عن سبل سلمية لإعادة الوضع إلى الشرعية، يكشف عن "مكانة" الجزائر في المنطقة وتأكد كل ذلك خلال تواجد المبعوثة الأميركية في نيامي.
ومع حديث بلينكن وعطاف أمام الصحافيين في واشنطن عقب مباحثات جمعتهما، كان التأكيد على تفاهمات الجانبين حول الوضع في الساحل، وهو ما يوحي إلى اتفاق على منح الجزائر شارة الوسيط في أزمة النيجر، وفق ما ذكر مصدر مسؤول في نيامي طلب عدم الكشف عن هويته.
وأضاف المصدر أن واشنطن تسعى إلى قطع الطريق أمام روسيا وفرنسا، وتحافظ على مصالحها بعيداً من أي تهديد، مشيراً إلى أن باريس تحرك كل خيوطها من أجل استعادة نفوذها في المنطقة، فبعد دفع "إيكواس" إلى التلويح بالعمل العسكري، ها هو الوزير النيجري السابق غيسا أغ بولا يعلن عن جبهة المقاومة من أجل الجمهورية والتي تستهدف إعادة الرئيس بازوم إلى السلطة، وتدعو الجيش إلى التمرد واعتقال قائد الانقلاب الجنرال عبدالرحمن تياني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إن من وراء هذه الخطوة الدفع إلى حرب أهلية في النيجر وإثارة الفوضى في منطقة الساحل، خصوصاً أن الوزير السابق غيسا أغ بولا من الطوارق، أي البحث عن إقحام الفكر الانفصالي في المنطقة الهشة.
وتابع أن الملف النيجري بيد أميركا والجزائر، وأن وجود وزير خارجية الجزائر في واشنطن يندرج في سياق تبادل وجهات النظر حول الأزمة، وبحث برنامج وخطة عمل الوساطة "الممنوحة" إليها.
ومن أجل تأكيد وساطة الجزائر، تواصلت "اندبندنت عربية" مع عضو المجلس العسكري في النيجر، العقيد أحمد سيدان، الذي لم ينف الخبر واكتفى بقوله "لا أدري".
أميركا والتفاوض
وفي سياق ما تم تداوله خلال لقائها مع أعضاء من المجلس العسكري، قالت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، إن قادة الانقلاب حازمون تماماً في رؤيتهم للطريقة التي يريدون المضي قدماً بها والتي لا تتماشى مع دستور النيجر.
وذكرت أنها كانت صريحة في شأن ما هو معرض للخطر إذا لم يعكسوا المسار، وأنها أوضحت بوضوح شديد المسؤوليات القانونية للولايات المتحدة إذا تم إعلان استيلاء الجيش رسمياً على أنه انقلاب، فسيكون مطلوباً من واشنطن قطع المساعدات الخارجية والعسكرية للحكومة في هذه الحالة.
وتابعت "ليست رغبتنا في الذهاب إلى هناك، لكنهم قد يدفعوننا إلى هذه النقطة"، مضيفة "طلبنا منهم أن يكونوا حذرين في هذا الصدد، وأن يستمعوا إلى عرضنا لمحاولة العمل معهم لحل هذه المشكلة دبلوماسياً والعودة إلى النظام الدستوري".
وأوضحت أنه "إذا كانت هناك رغبة لدى المسؤولين عن ذلك للعودة إلى النظام الدستوري، فنحن على استعداد للمساعدة، ومعالجة المخاوف من جميع الجوانب".
سلوك باريس سلبي
وفي حين تلتزم فرنسا بعض الصمت المتقطع على غير العادة، حيال ما يجري في النيجر، تحدث مدير كلية البحوث في مركز "كوفي أنان" الدولي للتدريب على حفظ السلام، كويسي أنينغ، عن أن فرص التدخل العسكري بعد زيارة المسؤولة الأميركية أصبحت ضعيفة جداً، بغض النظر عن موقف باريس.
واعتبر أنينغ في تصريحات إعلامية، أن سلوك باريس في شأن الأزمة سلبي ولا يساعد أي طرف من أطرافها، فهو لا يأخذ في الاعتبار متطلبات المجتمع النيجري وحاجاته، وهذا لا يعني في المقابل دعم واشنطن للانقلاب، لكنها تستخدم أسلوباً أكثر نضجاً عبر فتح قنوات الحوار مع الجميع.
وقال إن فرنسا تنطلق في مواقفها في شأن المنطقة من رؤيتها بأنه ليس من حق مستعمراتها السابقة اتخاذ قرارات مستقلة، موضحاً أن قرار حكم النيجر هو مسؤولية شعبها، وما على الأطراف الأخرى إلا المساعدة بالقدر المتاح والمناسب.