ملخص
هل تستعد بكين لغزو تايوان من خلال شل قدرات البنى التحتية الإلكترونية للولايات المتحدة العسكرية والمدنية؟
في رائعته الخالدة "فن الحرب" يوصي المفكر الاستراتيجي الصيني صن تزو من يود الانتصار في المعارك بقوله "من يعرف عدوه ويعرف نفسه يقود 100 معركة من دون خطر، ومن لا يعرف عدوه ولكنه يعرف نفسه فقد يحرز نصراً ويلقى هزيمة، ومن لا يعرف عدوه ولا يعرف نفسه يكون في دائرة الخطر في كل معركة".
كانت على الدوام أعلى درجات البراعة العسكرية عند صن تزو تتمثل في إعاقة خطط العدو بالهجوم المضاد، يليها منع قوات العدو من الالتحام بعضها ببعض، من طريق عزلها وقطع خطوط الاتصال في الميدان.
ولعل خلاصة قراءات معمقة واسعة لفن الحرب تخلص إلى ضرورة معرفة العدو وشل حركته على أرضه، ومن قبل أن يبادر ويباغتك، فمعرفتك بعدوك ونفسك تمكنك من خوض 100 معركة، وتكفل لك انتصارات لا رجعة فيها.
هل لا تزال الصين على عهدها بمخططات صن تزو على رغم تغير الأوضاع العسكرية وتبدل الأحوال الجيوسياسية؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، وبخاصة في ضوء ما راج أخيراً في الداخل الأميركي، في شأن مخططات صينية للتعاطي مع الولايات المتحدة، والتي لا تزال حتى الساعة القوة العسكرية الأكبر والأخطر حول الكرة الأرضية بشكل مؤكد... ما الذي يدفعنا في سياق هذا الحديث؟
فيروس لاختراق البنى التحتية الأميركية
في أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي كانت صحيفة "نيويورك تايمز" تكشف عن اعتقاد جازم عند إدارة الرئيس بايدن مفاده أن الصين زرعت فيروسات في شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات بالقواعد العسكرية الأميركية، الأمر الذي يعد بمثابة "قنبلة موقوتة"، قابلة للانفجار في أي لحظة تشاؤها القيادة العسكرية الصينية، مما يزخمها بقدرات تمكنها من إبطاء الانتشار العسكري الأميركي، وصولاً إلى شل كامل قدرات بعض تلك القواعد إن لم يكن كلها.
ما الذي جرى على وجه الدقة؟
المؤكد أن التفاصيل الكاملة ترتبط بالأسرار العسكرية الأميركية، ولهذا فإن القليل فقط هو الذي يسمح بالكشف عنه، فيما الكثير يظل كجبل الثلج قابعاً في قاع المحيط.
بعض من معلومات ما حدث تناولتها مجلة "فوربس" الأميركية. وأشارت فيها إلى أن وزارة الدفاع "البنتاغون" تحقق في اختراق داخلي خطر للاتصالات، طال نحو 17 منشأة تابعة للقوات الجوية الأميركية، وسط أدلة على حدوث خرق محتمل لاتصالات مكتب التحقيقات الفيدرالية من قبل موظف عمل في قاعدة جوية.
بحسب المجلة الشهيرة، فقد تلقت الحكومة الأميركية بلاغاً من متعاقد في قاعدة "أرنولد" الجوية بأن مهندساً سرق أجهزة اتصالات حكومية، وأن المفتشين وجدوا لدى المشتبه فيه كلمات مرور إدارية ومفاتيح نظام إلكتروني لشبكة راديو قاعدة أرنولد الجوية.
ولعل مزيداً من القراءات عن المشهد تفيدنا بأن الشكوك الأميركية بدأت منذ شهر مايو (أيار) الماضي، وذلك حين اكتشفت شبكة "مايكروسوفت" رمزاً غامضاً للحاسوب بأنظمة الاتصالات العسكرية واللاسلكية في جزيرة غوام، والتي تعد تقليدياً أكبر حاملة طائرات أميركية على الأرض وليس في البحر، وتلعب دوراً متقدماً حال المواجهة عسكرياً مع الصين في مياه المحيط الهادئ.
ولعل التساؤل المثير والمخيف الدائر في الداخل الأميركي: هل ما تسعى بكين فيروسياً في سياقه يستهدف المعالم والملامح العسكرية للولايات المتحدة فحسب، أم أن هناك استهدافاً أوسع للحياة المدنية أيضاً؟
يبدو أن الجدل لم يحسم حتى الساعة، ذلك أن هناك أصواتاً تقطع بوجود هدف صيني أبعد يتمثل في التجسس على بقية مناحي الحياة المدنية الأميركية، مما يسمح بتوجيه أكبر قدر من الإصابات للأميركيين وإن لم تكن بالضرورة عبر النار والدمار والبارود، وبقية أشكال المواجهات العسكرية التقليدية، وإن ظل التساؤل: ما الذي يدفع الصين في هذا الدرب؟
حرب تايوان وبدائل الصين للمواجهة
مؤكد أن الصينيين يدركون تمام الإدراك أن المعركة من جراء وضع تايوان قادمة لا محالة، وبخاصة في ظل تصريحات الرئيس الصيني شي جينبينغ عن حتمية إنهاء بقائها بعيدة عن التراب الوطني الصيني، فهل يتهيأون بالفعل للدخول في معركة عسكرية مع الجانب الأميركي، والذي لا يألو جهداً في التعبير عن رغبته في الدفاع عن تايوان؟
قد يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا السبب يسعون في طريق تقليل خسائر المعركة بشكل كبير، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تضييق نطاق ساحة ومساحة العمل العسكري الممكن، والالتفاف حول التضاريس الأميركية، من خلال الاختراقات السيبرانية عسكرياً ومدنياً.
بحسب ما أوردته "نيويورك تايمز" فإن مثل تلك البرمجيات الخبيثة التي قد تكون الصين زرعتها قادرة على منح الجيش الصيني فسحة من الوقت لإصابة الاستراتيجيات العسكرية الأميركية بخلل واضح، إذ يمكنها قطع الكهرباء والاتصالات عن القواعد العسكرية والمدنية، مما يجعل من هذه وتلك جزراً منعزلة حول العالم، ومن غير رؤية موحدة أو قيادة قادرة على التوجيه.
يدرك الأميركيون خطورة الهجمات الصينية المحتملة، والأهداف الاستراتيجية التي يتطلعون إلى تخريبها وشل قدراتها، وتعرف دوماً باسم أهداف بنى تحتية حرجة في أوقات الصراع، وهذه يمكنها أن تشل بشدة الداخل الأميركي برمته وعبر نحو 50 ولاية، لا سيما أنها أهداف تمثل أنظمة التحكم وموارد الطاقة والتمويل والاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل ومرافق المياه.
هل لدى الجانب الصيني رؤية بالفعل في هذا السياق، مما يسمح للعالم بتصديق ما كشفت عنه إدارة بايدن؟
الشاهد أن جيش الشعب الصيني طور خلال العقدين الماضيين استراتيجية تسمى "الحرب الإلكترونية المتكاملة للشبكات"، والتي توجه عمليات شبكة الكمبيوتر وأدوات الحرب الإلكترونية.
تساعد هذه الاستراتيجية في ربط أدوات الحرب الشبكية بأسلحة الحرب الإلكترونية ضد أنظمة معلومات الخصم أثناء الصراع.
يؤمن الصينيون بأن الأساسات لتحقيق النجاح تتعلق بالتحكم في تدفق معلومات الخصم وإنشاء هيمنة المعلومات.
وبالعودة إلى فلسفة فن الحرب مرة ثانية نجد كلاً من "علم الحرب" و"علم الحملات" يعرفان شبكات الأنظمة اللوجيستية للعدو كأولوية قصوى للهجمات السيبرانية، كما يذكر بأن الحرب الإلكترونية يجب أن تكون علامة البدء إذا كانت الحملة المستخدمة بشكل صحيح تمكن من النجاح التشغيلي الشامل، مع التركيز على مهاجمة البنية التحتية للخصم لتعطيل عمليات نقل المعلومات.
وباختصار غير مخل تبدو واحدة من أهم مهام الجيش الصيني هي الهيمنة على الخصم عبر الشبكة العنكبوتية، مع الحصول على أكبر قدر من المعلومات عبر الآذان المتنصتة... ماذا عن هذا الطرح الأخير؟
الصين وكوبا ومنشأة تنصت إلكتروني
أوائل شهر يوليو (تموز) الماضي تحدث مسؤول كبير في إدارة الرئيس جو بايدن عن قيام الصين بإدارة منشأة تجسس في كوبا منذ 2019، معتبراً أن بكين تتحرك لزيادة جهود التجسس من داخل أراضي كوبا.
المسؤول الأميركي وفي تصريحات أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية قال إن الاستخبارات الصينية موجودة بالفعل في الجزيرة. أضاف "هذا موثق جيداً في سجل الاستخبارات".
المسؤول عينه وفي تصريحات لشبكة "فوكس نيوز" أكد أن بكين أجرت تحديثات لمنشآت جمع المعلومات الاستخباراتية في كوبا خلال 2019، مشيراً إلى أن الأمر "يمثل قضية مستمرة" بالنسبة إلى واشنطن وليست تطوراً جديداً.
هل توصلت بكين وهافانا إلى "اتفاق سري" لإنشاء محطة تنصت إلكتروني صينية في الجزيرة الكوبية والتي لا تبعد أكثر من 90 ميلاً من ساحل فلوريدا الأميركي الشهير؟
هذا ما أوردته بالفعل صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي أفادت بأن الاتفاق يسمح لأجهزة الاستخبارات الصينية بجمع الاتصالات الإلكترونية في جميع أنحاء جنوب شرقي الولايات المتحدة، حيث توجد عديد من القواعد العسكرية، فضلاً عن مراقبة حركة السفن الأميركية.
لم تتوقف التصريحات عند هذا النحو، إذ أكد المسؤول الأميركي ذاته أن واشنطن اطلعت منذ يناير (كانون الثاني) 2021 على "عدد من الجهود الحساسة لجمهورية الصين الشعبية في جميع أنحاء العالم لتوسيع البنية التحتية للوجيستيات والقواعد وجمع المعلومات في الخارج، للسماح لجيش الصين بإبراز القوة العسكرية والحفاظ عليها في مسافات أكبر".
عطفاً على ذلك فإن مصادر استخباراتية أميركية تشير إلى أن الصين نظرت في عدد من المواقع الممتدة عبر الأطلسي وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا والمحيطين الهندي والهادئ.
على أن الأمر قد شابه بعض الغموض تالياً، فقد رفض المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، التعليق على معلومات "وول ستريت جورنال" و"فوكس نيوز" معاً، وأوضح أنه لا يستطيع التحدث عن هذا الموضوع بشكل محدد، مضيفاً "نحن ندرك جيداً (وقد تحدثنا عدة مرات إلى بكين) جهود جمهورية الصين الشعبية للاستثمار في البنية التحتية حول العالم التي قد يكون لها أغراض عسكرية، بما في ذلك النصف الغربي من الكرة الأرضية".
بدت تصريحات كيربي مؤكدة لما أشيع عن مشروعات التجسس والتنصت الصينية، لا سيما أنه قطع بأن واشنطن "تراقب تلك الأنشطة والجهود الصينية من كثب، وتتخذ خطوات لمواجهتها".
غير أن المثير في هذه القصة أن المتحدث باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر، وصف تلك الأنباء بأنها "غير دقيقة"، وإن لم ينكر وجود علاقة ما بين الصين وكوبا، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً في كل الأحوال للحديث عن تنسيق صيني – كوبي، على مرمى حجر من الولايات المتحدة، ويصب في خانة تأجيج مشاعر الأميركيين ضد الصينيين، لا سيما في ظل دلائل سابقة عن عمليات اختراق سيبراني صيني وتجسس على المنشآت الأميركية المسلحة، جرت بها المقادير في أماكن وأوقات سابقة... ماذا عن ذلك؟
قرصنة صينية لمنشآت وأسرار أميركية
لا يبدو تاريخ التجسس والتنصت الصيني على الولايات المتحدة أمراً مستجداً، ذلك أن هناك قصصاً وروايات عديدة ترجع لعقود سابقة، وربما كان أخطرها ما جرى من اختراق لمعامل "لوس آلاموس" الأميركية النووية، في ولاية نيومكسيكو، من قبل عالم أميركي الجنسية صيني الأصل.
والثابت أن الحديث عما تقوم به شبكات الاستخبارات الصينية أمر في حاجة إلى قراءات مستقلة، وبخاصة في ضوء فلسفة التجسس الصيني والتي تعتمد على زرع عملاء نائمين لسنوات وربما عقود، قبل أن يتم تكليفهم أو تشغيلهم.
على سبيل المثال وليس الحصر، في مايو (أيار) 2013 نجح قراصنة صينيون في اختراق أنظمة تخزن فيها خطط لإنتاج أسلحة أميركية، والعهدة على البنتاغون.
وبحسب هيئة "ديفنس ساينس بورد" الاستشارية التي تضم خبراء من المجتمع المدني والإدارة الأميركية، فإن الأنظمة التي تعرضت للقرصنة كانت تتضمن خططاً لعشرات أنظمة التسليح الأساسية في الجيش الأميركي.
أما صحيفة "واشنطن بوست" المقربة من دوائر البيت الأبيض فتشير إلى نجاح القراصنة أيضاً في سرقة خطط نظام صواريخ "باتريوت" ونظام الرادار "إيجس" المتطور، ومقاتلة "أف 18" ومروحية "بلاك هوك".
دفعت هذه المعلومات الاختصاصي في الأمن المعلوماتي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن جيمس لويس إلى القول "إنه في حال تبينت صحة هذه المعلومات فهذا يعني أن الجيش الأميركي أقل فعالية وأن الجيش الصيني أكثر فاعلية".
بعد ذلك بنحو خمس سنوات وفي يونيو (حزيران) 2018 فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بالتعاون مع البحرية الأميركية تحقيقاً حول سرقة الصين معلومات عسكرية خطرة بينها خطط سرية لتطوير مشروع صاروخ أسرع من الصوت يمكن إطلاقه من غواصة تحت الماء.
في الوقت نفسه كانت شبكة "سي بي أس" تؤكد وقوع عملية القرصنة وسرقة البيانات من متعاقد مع البحرية الأميركية، واستهدف القراصنة متعاقداً مرتبطاً بمنظمة عسكرية أميركية تقوم بأبحاث تطوير للغواصات والأسلحة التي تعمل تحت الماء.
كان من بين المواد المسروقة بيانات مشروع يسمى "سي دراغون"، إضافة إلى معلومات عن وحدة تطوير الغواصات الأميركية، من دون الكشف عن تفاصيل هذه المشروعات.
امتد الأمر إلى بدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، بعد أن وجهت السلطات الأميركية في فبراير (شباط) من عام 2020 تهم القرصنة لأربعة ضباط بالجيش الصيني بعد هجوم إلكتروني على شركة "إكويافكس"، وبحسب لائحة الاتهام فإن الأربعة ينتمون إلى مركز بحث تابع للجيش الصيني، واخترقوا أنظمة الشركة لمدة أسابيع واستولوا على بيانات فيها.
لم يعرف الأميركيون على وجه التحديد أين يوجد المتهمون، كما بدا واضحاً أنه من المستبعد أن يمثلوا أمام المحكمة في الداخل الأميركي، وهو ما تجلى في قول نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي وقتها ديفيد بوديتش "لا يمكننا اعتقالهم ولا إحالتهم على المحاكمة".
أسفرت التحقيقات عن استعمال المتهمين الصينيين، بحسب الرواية الأميركية، خوادم في نحو 20 دولة بهدف التمويه عن مكان وجودهم، والأخطر في الأمر أن الشركة المستهدفة كانت تخزن بيانات 820 مليوناً من زبائنها الأفراد حول العالم.
هل يقر الصينيون بالاتهامات الأميركية في المجال السيبراني، أم ينكرونها ويعتبرونها أداة من أدوات التضليل الأميركي، ونوعاً من أنواع الدعاية المغرضة ضمن سياق الحرب القطبية القائمة بينهما؟
الصين تتهم أميركا بقرصنة العالم
لم تكن الصين لتقبل الاتهامات الأميركية، قديمها وحديثها، بل عمدت إلى تغيير الوضع عبر توجيه اتهامات مضادة للولايات المتحدة، وتحميلها مسؤولية حالة الاضطراب التي تصيب العالم السيبراني.
في مايو الماضي أصدر المركز الوطني الصيني للاستجابة لطوارئ فيروسات الكمبيوتر، وشركة "360" لأمن الإنترنت تقريراً مشتركاً تحت عنوان "إمبراطورية القرصنة: وكالة الاستخبارات المركزية"، أشار إلى وقوف الوكالة الأميركية بشكل سري وراء عدد كبير من الهجمات السيبرانية والثورات الملونة في مختلف أنحاء العالم، علاوة على تنفيذ أنشطة التجسس وسرقة المعلومات.
يحبذ الصينيون تجميع المعلومات، لا سيما أن غالبية أنشطتهم التجارية تلعب في الوقت عينه دوراً متقدماً في هذا السياق، ولهذا تحدثت الخارجية الصينية عن عمليات أميركية سيبرانية استهدفت قطاعاتها المختلفة، لا سيما العسكرية منها.
نهار صدور التقرير المتقدم كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ يطالب واشنطن بأن تضع في اعتبارها مخاوف المجتمع الدولي إزاء استخدامها القرصنة الإلكترونية للتجسس والهجوم على الدول الأخرى، وكذا التوقف عن استخدام الأسلحة الإلكترونية لتنفيذ هجمات تجسس وهجمات إلكترونية في جميع أنحاء العالم.
تقطع بكين بأن واشنطن تستهدفها صباح مساء كل يوم بهجمات سيبرانية.
تقول بكين إنها أجرت تحقيقاً ونشرت نتائجه في سبتمبر (أيلول) من عام 2022، خلصت فيه إلى أن واشنطن قامت بتنفيذ عشرات الآلاف من عمليات القرصنة الإلكترونية ضد أهداف صينية، وسيطرت على أعداد كبيرة من أجهزة الشبكات، كما سرقت ما يزيد على 140 غيغابايت من البيانات والمعلومات التقنية.
وإلى أبعد من ذلك، ورداً على الاتهامات الأميركية الأخيرة الخاصة بزرع فيروسات في البنى التحتية الأميركية، سارعت بكين برد هذه الاتهامات وذلك على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية ماو نينغ، الذي وصف ما يجري داخل إدارة بايدن بأنه "حملة تضليل جماعية" من دول تحالف "العيون الخمسة" الاستخباراتي (أميركا، بريطانيا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا)، ومؤكداً أن واشنطن تقوم بتفعيل حملات جيوسياسية، تهدف من ورائها إلى توسيع قنوات جديدة لنشر المعلومات، لكن أي تغيير في التكتيكات لا يمكنه تغيير حقيقة أن الولايات المتحدة إمبراطورية قراصنة الإنترنت، بحسب الوصف الصيني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل القرصنة الصينية تهدد أميركا؟
ويبقى هذا التساؤل المهم بالنسبة إلى الجانب الأميركي، ويدور حول ما تتعرض له أميركا وبناها التحتية من عسكرية ومدنية، وهل بالفعل تقبع تحت خطر القرصنة من الجانب الصيني، أم أن واشنطن قد استعدت مبكراً لمثل هذه الهجمات، وتبادر بين الفينة والأخرى إلى القيام بهجمات مماثلة غرضها الأصلي هو الدفاع عن منعطفات الأمن القومي الأميركي؟
يحاجج عدد كبير من خبراء العالم السيبراني بأن واشنطن تكاد تكون شبه آمنة من أي هجمات سيبرانية، ومرد ذلك أنها هي من يصدر للعالم هذه الشبكة المعلوماتية الإنترنتية بشكل رئيس، ولهذا فهي تظل صاحبة اليد العليا في المنع والمنح.
والثابت أن الولايات المتحدة هي من ابتدعت مجال الأمن المعلوماتي، نظراً إلى تحكمها في تمديد كابلات الإنترنت حول العالم، هذا التحكم استغلته واشنطن في أمور استخباراتية، جعلت العالم من أمامها كتاباً مفتوحاً، واستطاعت من خلالها إحاطة شركاتها ومؤسساتها، ومن نافلة القول شبكاتها التحتية، بأنظمة أمن معقدة للغاية لحمايتها من القرصنة، تستلزم إجراء خطوات عدة لإثبات شخصية مستخدم شبكاتها.
لكن وعلى رغم هذا التفوق تظل المخاوف قائمة وقادمة، لا سيما إذا قررت حكومة الصين غزو تايوان، ومحاولة تهميش الدور العسكري الأميركي.
عند النائب الأميركي مايك غالاغر، رئيس مجلس النواب للشؤون الصينية أنه "إذا بدأ تحرك شي جينبينغ إلى تايوان فيجب أن نفترض أنه سيشن هجمات إلكترونية ضد الولايات المتحدة كجزء من العملية، ومن المحتمل أن يشمل ذلك الهجمات على شبكاتنا الكهربائية وأنظمة المياه والبنية التحتية للاتصالات، بخاصة بالقرب من المنشآت العسكرية الرئيسة".
هل لهذا أنشأت الولايات المتحدة مركزاً خاصاً عنوانه "مركز مهام مستقبل الصين"، ليكون عيناً تتابع التطورات الصينية في الداخل، ومهدداتها في الخارج، ومحاولة بلورة رؤية أكثر وضوحاً عن المنافس الاستراتيجي الأكبر لها في الحال والاستقبال؟