Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 الدعم أنواع فما تأثيره في الأطفال والنساء والرجال؟

كانت "الخيمة الحمراء" في العصور القديمة دائرة نسائية داعمة

يلعب الأهل دوراً مزدوجاً كعنصر أمان لأولادهم ثم لأحفادهم (بكسلز)

ملخص

"جهاز الدعم" يبدأ من الطفولة إلى مراحل العمر كلها، ويساعد في التوازن والصحة النفسية

يستخدم أجدادنا بخاصة في الجبال والقرى في تعبير عن التحبب عبارة "يا سندي"، وعادة ما يقولها كبار السن للأصغر سناً من أفراد العائلة، وكأن هذه العبارة تغرس في الوعي واللاوعي أن هذا الشخص له صفة السند أو الدعم.

ينشأ الطفل في مجال مشحون بالعاطفة في كثير من الأحيان، ويقوم الأهل بجعل حياته أقل تعباً من حياتهم، فيحيطونه بما تيسر من اهتمام ورعاية وانتباه ودلال وحنان وحب ولا ينتهي الأمر هنا، فعندما يكبر وينشئ أسرته الخاصة غالباً ما يحتاج إلى تكرار التجربة، فيقف الأهل سنداً مرة أخرى، كأنه مكتوب عليهم أن يكونوا جهاز دعم حتى شيخوختهم، حين تبدأ الدائرة بالدوران بالعكس ليصبح الأبناء عكاز أهاليهم المعنوية والمادية في أكثر الحالات.

يعد نظام الدعم داخل الأسرة شبكة محبوكة من الحب والرعاية والتفاهم والتضحية، مهمتها مساعدة أفراد الأسرة على تجاوز تقلبات الحياة، بخاصة في عالم سريع مليء بالفوضى، وعدم معرفة ما هو الآتي، فيصبح وجود نظام دعم قوي داخل الأسرة بمثابة واحة تؤمن الشعور بالأمان والانتماء.

وللدعم العاطفي الأولوية في نظام الدعم في الأسرة، إذ يحتاج أفرادها لإعطاء أذن صاغية، وتشجيع، وتوفير الراحة في الأوقات الصعبة، سواء كان الأمر متعلقاً بالعمل أو بأمور شخصية أو اجتماعية أو صحية، فإن معرفة أن هناك من يهتمون حقاً ويرغبون في البقاء معك في السراء والضراء يمكن أن يكون مريحاً للغاية ويعزز الصحة النفسية.

ويعد الدعم المالي هو الجانب الآخر من أنظمة الدعم، إذ تساند العائلات والأصدقاء بعضهم بعضاً من خلال تقديم المساعدة المالية عند الحاجة. سواء في ما يتعلق بتكاليف التعليم، أو خلال فترة مالية صعبة، وأثناء حالات الطوارئ، فتعمل العائلات والمحيط الداعم كشبكة أمان مالي يتيح للأفراد متابعة أعمالهم وأحلامهم والتعافي من النكسات وتحقيق أهدافهم.

ويعد الدعم العملي جزءاً لا يتجزأ من نظام الدعم في الأسر بخاصة من مشاركة المسؤوليات المنزلية إلى توفير رعاية الأطفال وكبار السن، فيقدم أفراد الأسرة يد المساعدة في الواجبات والأنشطة اليومية، إذ يخلق هذا التعاون بيئة داعمة يشعر فيها كل فرد بالتقدير والاهتمام.

 

تعد العائلات مصدراً مهماً وموثوقاً للإرشاد والحكمة، حين ينقل الآباء والأجداد والأشقاء والأقارب الأكبر سناً معرفتهم وخبرتهم الحياتية إلى أفراد الأسرة الأصغر.

أظهر عديد من الدراسات أن الأفراد الذين لديهم أنظمة دعم قوية يميلون إلى التمتع بصحة عقلية أفضل، وانخفاض مستويات التوتر، وزيادة احترام الذات، فوجود نظام دعم قوي داخل الأسرة يعزز المرونة، ويساعد الأفراد على مواجهة التحديات بشكل أكثر فعالية، ويعد التواصل المنتظم وقضاء الوقت وإظهار التقدير بين أفراد الأسرة عنصراً حيوياً في بناء أساس قوي، وخلق بيئة تشجع المحادثات المفتوحة والجريئة والصادقة، مع احترام الاختلاف في وجهات النظر والخيارات، ويشعر كل شخص بالتقدير والاستماع.

 وأكثر ما يعزز الاهتمام في رعاية هذه العلاقات الشعور بالحب والانتماء والأمان، فيوفر نظام الدعم القوي ملاذاً آمناً في عالم دائم التغير، مما يمنح الأفراد القوة والثقة للمواجهة في حياتهم.

كلنا نحتاج جهاز دعم

تقول المعالجة بالطاقة "ميراي حمال" لـ"اندبندنت عربية" إن من المهم أن يكون لنا جميعاً جهاز دعم سواء للأطفال أو المراهقين أو البالغين أو كبار السن، لأننا بطبيعتنا البشرية نتكل على التواصل الاجتماعي، ولا نستطيع العيش وحدنا، باستثناء من يختار التواصل مع روحانياته والخالق. ومثلنا مثل الثدييات الأخرى كالحيتان التي تتواصل من خلال أصوات قد تكون عابرة للمحيطات، يتنادون ليكونوا ضمن مجموعة لجمع الطعام، ويدافعون عن بعضهم بعضاً، ويحمون أفراد المجموعة، ونحن مثلهم ومثل بقية الثدييات بتركيبتنا نتواصل ونعيش في مجموعة.

وتضيف، أحياناً لا تكون العائلة جهاز دعم، بخاصة عندما يكون الاختلاف معها كبيراً على صعيد الأفكار والخيارات والتصرفات، أو بسبب مهنة أو زواج لا تقبله العائلة، ما يجعل بعض الأفراد مضطرين لخلق قبيلتهم الخاصة إن صح التعبير ليس بالضرورة أن تكون بسبب صلة الدم وصلة الرحم.

العائلة جهاز الدعم الأول

تقول ميراي إن الكل بحاجة لمجموعة تدعمه في الحياة، فعندما يولد الطفل يكون الأهل جهاز دعمه بطبيعة الحال، ومصدر الأمان والإرشاد والمتابعة والحب غير المشروط، وأحياناً تحدث ظروف كأن يتوفى الأب أو الأم، ما يؤدي إلى ضرورة اهتمام أحد أفراد الأسرة كالجد والجدة، والعم والعمة، والخال والخالة، ويحتاج الأمر حينها للحب والوعي والصبر ليتحملوا هذه المسؤولية للاهتمام بالطفل ليشعر بالأمان وأن يكون لديه من يعود له.

أما الأطفال الذين يعيشون في ميتم فيحتاجون لدعم ممزوج بين المهنية والحب والوعي، وألا يتعرضوا للإساءة والعنف.

وفي مرحلة المراهقة من المهم جداً تواجد الأهل باستمرار مع الصبيان والبنات من أجل توازن طاقات الذكورة والأنوثة فهم بحاجة للأم والأب، وليس صحيحاً أن الصبي بحاجة للأب، والبنت بحاجة للأم فقط، بل يحتاجان للأب والأم معاً للتربية، وليأخذا منهما الأمان والدفء والحنان، والسلطة غير المسيطرة القمعية، إنما المبنية على الإرشاد والحكمة لتمكين الأطفال من الاختيار الصائب، كما يأخذ الأولاد من العلاقة المتوازنة بين الأم والأب القيم، ويتعلمون من الديناميكية في علاقتهما، وعندما يكبرون يصبح لديهم جهاز دعم آخر يبنونه من أصحابهم، فيخرجون قليلاً من حضن العائلة، ويتشاركون مع أصدقاء محددين أسرارهم وتفاصيل حياتهم. قد يكون صديق العمر، أو صديق الطفولة أو ابن الجيران، وهذا لا يغني عن دور الأهل الذين يعطون الثقة، فيعود الشخص لهم دائماً كمرجع موثوق.

الأصدقاء والزملاء

في الجامعة والعمل، تقول ميراي، يبني الناس صداقات ومعارف جديدة تقدم الدعم النفسي، ومكان آمن للحوار والمزح، وليس بمعنى جهاز دعم فقط في الأوقات التي نتألم فيها، بل في كل جوانب الحياة، فيكون لدينا أصدقاء يفرحون ويحتفلون ويصفقون لنا، ويدعموننا ويكونون سنداً لنا.

وعن أهمية جهاز الدعم تقول إنه من المهم أن يكون لدينا الإدراك أننا عندما نمر بظروف صعبة، فإن لدينا من نخبره ونشاركه من دون أي شعور بأننا قد نتعرض للشماتة أو الفضيحة، بل من يساند يقوم بذلك من دون إطلاق الأحكام ورمي الظنون والأفكار السلبية، لأننا كبشر معرضون للمرور بالتجارب، لذا دور جهاز الدعم أن يكون حقيقياً وصادقاً.

وتشير إلى أن جهاز الدعم يتغير في كل فترة من حياتنا، ويحتاج الثنائي بعد إنجاب طفل، بخاصة الأم خلال مرحلة الحمل والولادة إلى دعم من دون تنظير وإطلاق أحكام ونصائح تكاد لا تنتهي، بخاصة في ما يتعلق بالطفل، وتكون الأم في مرحلة صعبة بسبب التغير الهرموني، وبحاجة للمساعدة ربما في ترتيب أمور المنزل، وقد تكون الأم أو الأخت أو أحد الأنسباء أو الأصدقاء هم المساعدون، أو قد تكون دائرة صديقات، كما درجت الأمور في الماضي، بما كان يعرف بـ"الخيمة الحمراء" في الحضارات القديمة، التي كانت النساء يمكثن فيها خلال فترات الدورة الشهرية والولادة كون المشاعر في فترة الدورة الشهرية تطفو كثيرة لدى النساء، ويحتجن إلى التواصل والدعم لإخراج الأوجاع، والأفكار النفسية، والعاطفية والجسدية، وكذلك في فترة الولادة حين يكون الدعم الجسدي والمعنوي كالتنفس سوياً بين النساء، وتدليك المولدة بالزيت ومواكبتها ومساعدتها في عملية الولادة. هذا كان من شأنه تنمية علاقات وطيدة وجهاز دعم قوي بين السيدات، وكانت النساء يجلسن مع بعضهن بعضاً على ضفة النهر لغسل الثياب وإعداد المؤنة والخبز، وما زال هذا التقليد قائماً في اجتماع السيدات في إعداد الحلويات والطعام في فترة الأعياد والتحضير للمؤنة، وهذا الوقت ليس فقط للمساعدة، بل للفضفضة، ما كان يشكل لهن راحة نفسية.

وتقول ميراي إنه مع تطور العصور واستقلال المرأة ظهرت العداوة أكثر بسبب المنافسة بينهن، لذا نجد أن أكثرية النساء لسن سعيدات، ولا يتحدثن إلا بحال كان لديهن معالجات نفسيات، أو ضمن العائلات التي لا زالت فيها الألفة والحوار، وتضيف، إننا فقدنا التواصل الصحي الذي ينعكس على حياة المرأة وعائلتها، لأننا كنساء بحاجة للتعبير والتصريف.

عودة دوائر الفضفضة

الآن يعيد البعض دوائر التحدث بين الأشخاص والفضفضة. وكانت ميراي قبل انتشار فيروس "كوفيد- 19" تقيم هذه الدوائر، وعادت إليها منذ مدة، "لأنني أعتبرها مهمة جداً لنتحدث، ونكون مسموعين من دون أحكام لأن الأحكام تجعل الناس ينطوون على أنفسهم".

دوائر للآباء والرجال

وكما تحتاج الأم لجهاز دعم، فإن الأب أيضاً يحتاجه، لأنه يمر بمشاعر جديدة، ويجب أن يكون حوله رجال يدعمونه، ويحق للرجال التحدث والتعبير بخاصة أنهم يتربون في بيئة لا تتيح لهم التحدث، فإنهم بالتالي يعانون في عمر أكبر فلا يفتحون قلوبهم بسهولة، وفي حال الوفاة يصعب عليهم البكاء، وإذا بكوا يشعرون بالضعف ويخشون على صورتهم، ومن المهم إيجاد دوائر يتحدث فيه الرجال ويتنفسون ويصرخون ويبكون ويخرجون مكنوناتهم لتوازن أكبر.

وتختم بأن جهاز الدعم قد يرافقنا من الطفولة إلى الكهولة، وقد يتغير في كل مرحلة زمنية، المهم دائماً أن يكون لدينا القدرة على طلب المساعدة والدعم، حتى لا نتألم وحدنا ولا نرمي غضبنا على من حولنا من أولادنا إلى شركائنا إلى زملائنا أو الناس على الطريق بسبب الحاجة للتصريف. وإذا كان صعباً اختيار أصدقاء لنفضفض لهم عن مكنوناتنا، ممكن حينها اللجوء إلى معالج نفسي ليكون بمثابة جهاز دعم لنا.

المزيد من تقارير