Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على من تقع مسؤولية تعثر الهجوم الأوكراني المضاد؟

لم تنجح المناورة العسكرية التي حظيت بترقب واسع النطاق في إحراز مكاسب كبيرة، فكيف تنقل القتال إلى روسيا الآن؟

صبي يقف فوق دبابة روسية مدمرة معروضة خارج دير القديس ميخائيل ذي القبة الذهبية في كييف (أ ب)

ملخص

ترى ماري ديجيفسكي أنه حتى لو تمكنت أوكرانيا من إحراز الاختراق الخارق الذي أملت فيه، قد لا يضمن لها قطع الممر الروسي البري نحو القرم الانتصار بعد الآن

ما الذي حل بالهجوم الأوكراني المضاد الذي كان مرتقباً في الربيع؟ كانت الخطوة منتظرة بحماسة خلال معظم الستة أشهر الماضية سواء داخل أوكرانيا أم خارجها، باعتباره التحرك الذي سيحدد مسار الحرب ويعيد القوات الروسية إلى ديارها، كما أمل كثيرون، لكن الوضع تغير الآن. مع اقتراب نهاية الصيف وبداية الخريف، تطرح بعض التساؤلات الأساسية في شأن الهجوم المضاد. هل نفذ وانتهى، هل شن أساساً، وإن حدث ذلك، فوفق أي خطة، وهل سيحمل ربيع عام 2024 معه خطابات مشابهة؟

ليس من السهل الإجابة عن هذه التساؤلات لأسباب من أهمها نقص المعلومات الصادرة عن الجانبين. فأوكرانيا تتكتم على تحركاتها العسكرية المستقبلية وتتعامل مع حصيلة الضحايا باعتبارها سر دولة، وهو أمر مفهوم. أما التقارير الواردة من روسيا فإما محظورة في القسم الأكبر من دول الغرب أو غير موثوق بها إلى درجة كبيرة. وفي ما يخص إمكانية وصول الصحافيين إلى الخطوط الأمامية، فهي خطرة ويتحكم بها المسؤولون الإعلاميون الأوكرانيون بدرجة متزايدة أيضاً.

وربما لا يسعنا أن نستنتج سوى خلاصتين اثنتين بثقة. أولهما أنه، بالنسبة إلى شن الهجوم الأوكراني المضاد، فقد تأخر انطلاق العملية عن الوقت المتوقع، فيما تقدمت بوتيرة أبطأ من المتوقع. وهو ما نعرفه بسبب تكرار الرئيس زيلينسكي نفسه لهذه المعلومات، وقادة الحرب الوطنيين لا يقللون عادة من شأن إنجازات قواتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وثانيهما هي مجدداً، أنه في موضوع شن الهجوم المضاد إلى درجة ما، فقد رتب على أوكرانيا ثمناً باهظاً من حيث حصيلة الضحايا وخسائر المعدات. شهد مراسلون الإعلام الغربي مناظر مريعة على الجبهة واستمعوا مباشرة إلى تقارير الجنود العائدين من المعركة. هذه ليست صورة مستندة إلى البروباغندا الروسية.

وفي الوقت نفسه - وهذا سبب إضافي لانعدام اليقين - لا أحد يعلم ما قد يحصل غداً. ليس الولاء لأوكرانيا السبب الوحيد الذي جعل عديداً من المراقبين الخارجيين يترددون في إعلان فشل الهجوم المضاد. بل السبب أن هذه الحرب حملت في جعبتها مفاجآت كثيرة جداً وعدد كبير منها صنيعة شجاعة الأوكرانيين وقدرتهم على الابتكار، وهو ما يجعل التصريحات الحاسمة تحمل بعض المخاطرة.

قد نتحسر على فشل الهجوم الأوكراني المضاد ليلاً، قبل أن نستيقظ في الصباح التالي على صور القوات الأوكرانية التي اخترقت الخطوط الروسية، وقطعت جسر كيرتش وأعادت بسط سيطرتها على مواقع استراتيجية على امتداد الضفة الشرقية لنهر دنيبر. يظل هذا الأمل موجوداً حتى فيما يبدو أن الوقت ينفد لتحقيق اختراق أوكراني مهم.

كما يعتمد أي تقييم للهجوم الأوكراني المضاد على شكل مخططات الهجوم الأساسية في المقام الأول. ويظهر أن هناك درجة من عدم التطابق بين المخططات الحقيقية التي وضعها زيلينسكي وجنرالاته من جهة، والتوقعات التي أثاروها من جهة أخرى -سواء عن قصد أم غير ذلك- في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية.

وساد انطباع عام، سواء عن صواب أو خطأ -أقله خارج أوكرانيا- بأن الهجوم المضاد سيبدأ فور جفاف التربة بما يكفي بعد ذوبان الثلوج في الربيع، بشكل يسمح بتحريك المعدات الثقيلة، وأنه سيمتد على طول جزء كبير من الجبهة الأمامية الشرقية، وأن هدفه سيكون عبور نهر دنيبر، وقطع الممر البري نحو القرم الذي أنشأته روسيا بعد انتصارها بمعركة ماريوبول، واستعادة الأراضي المحتلة في جنوب شرقي أوكرانيا أو حتى استعادة القرم أيضاً.

لو كان هذا هو الهدف المرجو من العملية فهو يبدو أنه كان غير واقعي –ما لم يحالفه حظ– وأن الهجوم المضاد قد فشل، لكن ألا يشكل هذا الهدف السيناريو الأمثل فحسب؟ إلى أي درجة يحتمل أن تكون كييف قد تعمدت تضخيم حجم مخططاتها وآنية تنفيذها بغية الحفاظ على اهتمام داعميها في الغرب وتسريع إرسالهم التجهيزات العسكرية؟

مما لا شك فيه أن المسؤولين الأوكرانيين ربطوا تأخير إطلاق هجومهم المضاد ظاهرياً بالشكاوى المتعلقة ببطء تسليم المعدات العسكرية. وكانت دبابات أبرامز الأميركية وليوبارد الألمانية إحدى القضايا التي جرى التحدث عنها على نطاق واسع، فيما شكلت القوة الجوية مسألة أخرى من هذا النوع، كانت مناشدات أوكرانيا بالحصول على مقاتلات من طراز أف-16 غير واقعية، نظراً إلى الوقت المطلوب من أجل تدريب الطيارين وفرق الصيانة وعندها وعدوا بالحصول على مزيد من طيارات ميغ من الحقبة السوفياتية.

لكن أشير بشكل كبير إلى غياب الغطاء الجوي لتقدم القوات الأوكرانية باتجاه الخطوط الروسية باعتباره نقطة ضعف حدت من تقدم الأوكرانيين ورفعت حصيلة ضحاياهم في الوقت نفسه. زعمت تقارير حديثة نشرها الإعلام الأميركي أن المسؤولين العسكريين الغربيين علموا تماماً أن كييف لا تملك التدريب ولا الأسلحة المطلوبة لطرد القوات الروسية، لكنهم كانوا يعتمدون على "الشجاعة والحيلة الأوكرانية" كي تعدل كفة الميزان. هل تلوم أوكرانيا حلفاءها يوماً ما على هدر أرواح الأوكرانيين بتهور؟

هناك أيضاً البعد الروسي. حتى لو كانت خطة أوكرانيا تقضي بشن عملية هجوم مضاد على عدة جبهات وقطع الخطوط الروسية بسرعة، إلى أي مدى يعكس عجزها عن تحقيق هذا الهدف حتى الآن ضعفها الخاص وإلى أي مدى يعكس استخفافاً بالقوة الروسية؟ بعد تلقيها تحذيراً وافياً في شأن الهجوم المضاد المرتقب، أنشأت روسيا عدة خطوط دفاعية من بينها خنادق وحقول ألغام، أثبتت فعالية أكبر مما كانت أوكرانيا مستعدة له على ما يبدو.

نخطئ لو قلنا إن أوكرانيا لم تحرز أي تقدم على الإطلاق، لكن مكاسبها ضئيلة ومتفرقة نسبياً، لم تتمكن قوات كييف من النجاح بعملية عبور النهر الحيوية بغية استعادة الأراضي الواقعة على الضفة الشرقية. وردت في الأيام الأخيرة تقارير عن عبور بضعة قوارب صغيرة إلى الجانب الشرقي قرب مدينة خيرسون الواقعة تحت سيطرة الأوكرانيين، لكن الأنباء متضاربة حول إذا تمكن القوات من إنشاء رأس جسر أو - كما قال المسؤولون الروس – جرى دحرهم. في كلتا الحالتين، كان العبور أصغر من أن يسجل على أنه تقدم كبير.

وفي ظل ضآلة هذا التقدم، يبدو أن أوكرانيا حولت مقاربتها من هجومها البري الذي تباهت به كثيراً، إلى هجوم مضاد عبر وسائل أخرى، هدفه إزعاج روسيا وزعزعتها في الداخل. ويشمل هذا الهجوم تسديد ضربات لمستودعات الذخيرة ومصانع الأسلحة وغيرها من الأهداف، وضربات عبر المسيرات تطال حتى موسكو والمرافئ الروسية على البحر الأسود، وتنفيذ هجمات على جسر كيرتش الذي يصل البر الروسي بشبه جزيرة القرم.

يبدو أن أوكرانيا تقدر بأن شعور انعدام الأمن سيطغى في روسيا لدرجة تجعل موسكو تتساءل إن كانت المكاسب الميدانية تستحق هذه الخسائر، لكن هذا التحول في المقاربة تصاحبه بعض المخاطر، فقد تقرر روسيا الرد بشكل أقوى على كييف وعلى مناطق غربي أوكرانيا التي نجت حتى الآن بشكل عام، وقد تبدأ الضربات المتبادلة على الموانئ بنشر النزاع في منطقة البحر الأسود.

هناك معطيات أخرى يستحيل تقديرها. فقرار الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية مؤشر إلى نفاد مخزونات ذخائر أخرى. ومع اقتراب الخريف، يقترب الجو الماطر الذي سيعوق تقدم العمليات الأوكرانية براً. ولن يقف الإحباط عند معنويات الروس، بل قد يمتد إلى الأوكرانيين، على ضوء اتضاح حجم حصيلة الضحايا والحاجة إلى عمليات تجنيد جديدة، كما أن أوكرانيا لم تنجح في ضمان الالتزام بضمها إلى الناتو خلال اجتماع القمة المنعقد الشهر الماضي وهو ما أثار استاء زيلينسكي.

تكثر مواضع انعدام اليقين في المشهد الأكبر أيضاً. تشهد بولندا التي تصدرت الجهات الداعمة لأوكرانيا في أوروبا وفي الناتو انتخابات عامة في أكتوبر (تشرين الأول)، فيما تنطلق الحملة الرئاسية الأميركية، وما عاد الدعم البريطاني لأوكرانيا على ما يبدو، غير مشروط تماماً كما كان أثناء تولي بوريس جونسون رئاسة الوزراء. ربما لإدراكها احتمال التغيير في الرياح الدولية بدأت أوكرانيا بالبحث عن دعم دبلوماسي في أماكن أبعد بما فيها خلال اجتماع 40 دولة عقد، أخيراً، في السعودية.

في النهاية، قد توفر كل هذه التطورات مجتمعة إجابة أفضل عن التساؤلات في شأن الهجوم الأوكراني المضاد من كل ما يحدث، أو لا يحدث، في الميدان. حتى لو تمكنت أوكرانيا من إحراز الاختراق الخارق الذي أملت به، قد لا يضمن لها قطع الممر الروسي البري نحو القرم الانتصار بعد الآن. لقد فات أوان ذلك.

© The Independent

المزيد من آراء