Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسم الغرق المصري بين النيل والإسكندرية والساحل

التغيرات المناخية خطر جديد يهدد المصطافين وعلامات استفهام على مستوى المنقذين

حالات الغرق متكررة وفي تزايد بشواطئ مصر المختلفة من النيل إلى البحر المتوسط (أ ف ب)

ملخص

ارتبطت أشهر موسم الصيف بازدياد توجه ملايين المصريين إلى المدن الساحلية لكن التغيرات المناخية وضعف مستوى الإنقاذ يرفع أعداد الغرقى.

لا يمر فصل الصيف في مصر من دون حوادث غرق تتجدد في كل عام متزامنة مع توجه المواطنين إلى المدن الساحلية لقضاء عطلاتهم السنوية، فقد ارتبطت فترات الأشهر الحارة ارتباطاً وثيقاً بوقوع عديد من حالات الوفاة غرقاً في مياه البحر أو حتى نهر النيل وامتداداته في القرى والنجوع.

وعلى رغم ندرة البيانات الرسمية أو شبه الرسمية التي تحدد بدقة حجم الوفيات الناتجة من حالات الغرق في مصر، فإن المتابع لوسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي يمكنه بسهولة رصد زيادة أعداد الضحايا في المدن الساحلية، التي لا ينافسها في عدد الضحايا سوى مواسم الأعياد، لتتصدر شواطئ محافظة الإسكندرية القائمة بعدما أطلق على أحد شواطئها لقب "شاطئ الموت"، تليها منطقة الساحل الشمالي التي شهدت عدداً من وقائع الغرق، أخيراً، والتي أرجعها خبراء للتغيرات المناخية التي أصابت مختلف دول العالم.

وأخيراً، توفي عبدالله (35 سنة) نجل الفنان المصري حسن يوسف والفنانة شمس البارودي غرقاً، في إحدى قرى الساحل الشمالي ونقل جثمانه إلى مستشفى العلمين.

في 25 يوليو (تموز) الماضي، وبمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الغرق (26 يوليو من كل عام)، حثت منظمة الصحة العالمية البلدان المختلفة على الاستثمار في الوقاية من الغرق لحماية الأطفال وتعليم مهارات السباحة الأساسية لهم في سن المدرسة، لافتة إلى أن هناك أكثر من 2.5 مليون حالة وفاة غرقاً في العقد الماضي، سجلت 90 في المئة منها في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من جميع الفئات العمرية.

ولفتت المنظمة العالمية التابعة للأمم المتحدة إلى أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وأربع سنوات، ومن خمس إلى تسع سنوات ضمن أعلى معدلات الغرق، مما يؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لحماية الأجيال القادمة.

"اندبندنت عربية" سألت متخصصين في عمليات الإنقاذ عن أسباب تكرار حالات الغرق في شواطئ مصر المختلفة بل وفي الترع وتفريعات نهر النيل وسبل مواجهة هذه المشكلة.

شواطئ عشوائية

يقول محمد مصطفى، صاحب شركة متخصصة في مجال الإنقاذ، إن حالة البحر تختلف من منطقة إلى أخرى، موضحاً أن حالات الغرق في الإسكندرية تختلف عن حوادث منطقة الساحل الشمالي.

وأشار إلى أن هناك حالات سحب للأمواج ثابتة مثل حالة قرية "ماربيلا" الموجودة في منطقة اللسان وحواجز الأمواج، وهو السحب نفسه الموجود في كثير من شواطئ الإسكندرية، وهناك مناطق أخرى يكون سحب الأمواج فيها متحركاً، لافتاً إلى أنه لا وجه للمقارنة بين عدد الغرقى في الساحل الشمالي والإسكندرية.

وأوضح مصطفى أن حالات الوفاة في شواطئ الإسكندرية تفوق بكثير أعداد الغارقين في قرى الساحل الشمالي، مرجعاً السبب في ذلك إلى انتشار العشوائية في إدارة مصايفها وغياب الرقابة على الشواطئ ما يسمح بنزول من لا يجيدون السباحة لمياه البحر من دون التوعية اللازمة بخطورة ذلك بعكس ما يحدث في الساحل الشمالي، حيث يلتزم الجميع تعليمات إدارة الشاطئ وتحذيراتهم، إضافة إلى ندرة الاستعانة بمنقذين ذوي خبرة للتعامل مع الحالات الطارئة وهو ما يزيد من عدد الغرقى في الإسكندرية.

ولا توجد حالة يصعب إنقاذها –بحسب مصطفى– الذي لفت الانتباه إلى أن هناك ثلاث حالات للغرق، الأولى يمكن للمنقذ الوصول للهدف قبل أن يفقد الغريق طاقته في مقاومة سحب الأمواج وهناك تكون فرص نجاته أكبر، والثانية يكون الشخص استنفد طاقته في محاولة النجاة.

أما الحالة الثالثة، فهي الصعود والهبوط داخل المياه، قائلاً "لما الغريق يقب (يرتفع فوق الماء) ويغطس تكون المرحلة الأخيرة ويبدأ المخ في إرسال إشارات للرئتين للحصول على الأوكسجين من دون جدوى تليها مرحلة تشنج عصبي بعدها يستسلم للإغماء".

شاطئ الموت

تستأثر محافظة الإسكندرية من بين سواحل مصر المختلفة بنصيب الأسد من عدد ضحايا الغرق سنوياً، فقد بلغ الأمر حد تسمية أحد الشواطئ التي تقع في منطقة السادس من أكتوبر بنطاق حي العجمي والمعروف بـ"النخيل" بأنه "شاطئ الموت"، فقد سجل أعلى نسبة في حالات الغرق بين جميع شواطئ المحافظة، ما دفع المسؤولين لوضع أعلام سوداء وحواجز حديدية وأسلاك شائكة حول الشاطئ والشوارع المؤدية إليه ولافتات تحمل تحذيراً بقرار رئيس الوزراء والنيابة العامة بإغلاق الشاطئ لمنع وصول المواطنين إلى مياه البحر في تلك المنطقة بعدما ابتلع البحر هناك عشرات الأشخاص.

وعلى رغم تلك المحاذير التي أطلقتها الدولة في 2018 فإن الشاطئ ذاته ابتلع 16 غريقاً خلال أسبوعين في عام 2020، كما شهد غرق 12 شخصاً، ثم أربعة آخرين من أسرة واحدة.

وتختلف حالات الغرق في مياه البحر عنها في نهر النيل، حيث يتسبب ثقل مياه النيل العزبة في غرق من لا يجيد السباحة خلال لحظات بسحبه للأسفل، بعكس مياه البحر المالحة، التي تدفع الجسم للطفو ولكن أمواجها تتحكم في حركة الشخص.

أخطاء قديمة

محافظ الإسكندرية محمد الشريف، قال إن سبب تكرار حوادث الغرق في شاطئ النخيل يرجع لوجود حواجز صخرية وضعت عليه من دون دراسة منذ 25 عاماً وبدأت آثارها السلبية تظهر منذ 10 أعوام بسبب الفراغات الموجودة بين الصخور، التي تؤدي إلى دوامات تتسبب في احتجاز المصطافين عند نزولهم البحر وغرقهم.

وذكر الشريف في تصريحات تلفزيونية عام 2022، أن صيانة الحواجز في شاطئ النخيل تتكلف أكثر من 70 مليون جنيه (2.3 مليون دولار أميركي) من أجل استكمال الفجوات بين الحواجز، لافتاً إلى أن 42 غريقاً في شاطئ النخيل تسللوا إليه رغم وجود حراسة وقرار بمنع الدخول.

وتلقى أمن القاهرة قبل يومين بلاغاً يفيد بغرق عدد من السيدات في نهر النيل بمنطقة المعادي، حيث تم الدفع بفرق الإنقاذ النهري وشرطة المسطحات المائية وانتشال ثلاث جثث لشقيقات غرقن أثناء استحمامهن بنهر النيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى تامر صلاح الدين، أحد النشطاء في مجال مكافحة الغرق بالإسكندرية، أن اعتماد قرى الساحل الشمالي على منقذين من محافظات غير ساحلية هو سبب رئيس في تكرار حوادث الغرق، مشيراً إلى أن أبناء المدن الساحلية ينزلون للبحر وسط الأمواج المرتفعة بعكس أبناء المحافظات الأخرى حتى من يعمل منهم في مجال الإنقاذ، فهم يرون في أمواج البحر المرتفعة "غرقاً وموتاً مؤكداً" بالتالي لا يغامرون بأنفسهم لإنقاذ الآخرين.

وتابع في حديث خاص، "نقف وراء قلبة الموجه ونركبها (دليل على مهارة ركوب الأمواج)... حتى في حالات تعرض شخص منا للسحب من الأمواج لن يصاب بالهلع بل سيترك نفسه ليسير مع التيار ثم يلقيه التيار مرة أخرى لمنطقة أمان وهي خبرة موجودة لدى أبناء المدن الساحلية بحكم تعاملهم المستمر مع البحر".

ونوه بأن محاولة الغريق مقاومة تيار الماء تتسبب في إنهاكه واستسلامه للغرق، مضيفاً "إحنا حافظين... لما المياه تسحبك ما تقاومش سيب نفسك والتيار هياخدك نص دائرة وهيرميك تاني على الشط أو في منطقة قريبة لا تتجاوز 500 متر مثلاً، والسبب الرئيس في الغرق هي مقاومة التيار.. لازم تمشي مع التيار من دون مقاومة أو هلع".

الخبرة قبل المؤهل

يقول محمد مصطفى أحد أشهر المتخصصين في الإنقاذ بمنطقة الساحل الشمالي، إن هناك جهات تشرف على تخريج من يعملون في مهنة الإنقاذ على الشواطئ، مشيراً إلى أن الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ هو الذي يراقب شركات الإنقاذ وأفرادها ويتولى تدريبهم.

وأوضح أن غالبية المنقذين هم من خريجي كليات التربية الرياضية، بجانب الدورات التدريبية التي تقدمها الشركات المتخصصة في مجال الإنقاذ تحت إشراف الاتحاد.

ورداً على ما يثار حول تميز أبناء المحافظات الساحلية في عمليات الإنقاذ عن أقرانهم من المحافظات الأخرى خريجي كليات التربية الرياضية، يرى مصطفى أن هناك قاعدة أساسية "محتاج غطاس حقيقي ولا غطاس بشهادة وكارنيه؟".

ويستكمل قائلاً "هناك غطاسون ممتازون في العمل داخل حمام السباحة، لكن في البحر تحدث لهم حالة من الرهبة والفزع من شكل الأمواج! أما من يعيشون في المدن الساحلية فلديهم تعود عليه فهو جزء من حياتهم".

يقول عبدالرحمن علي، منقذ في أحد المنتجعات السياحية بالساحل الشمالي، إنه على رغم أهمية مهنة المنقذ وحساسيتها، فإنها في مصر لا تحتاج إلى شهادات جامعية، بل كل ما تطلبه الحصول على بعض الدورات في الدفاع المدني والإسعافات الأولية والإنعاش القلبي والرئوي، وبعد ذلك يجب أن يجتاز الراغب في العمل بالإنقاذ اختبارات الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ، وفق تصريحات تلفزيونية لرئيس الاتحاد سامح الشاذلي.

وأشار إلى أن تخريج المنقذين مسؤولية جهتين هما اتحاد السباحة واتحاد الغوص والإنقاذ، موضحاً أن الأول يتعلق بتعليم أساسات السباحة، والثاني متخصص في التدريب على كيفية الإنقاذ وطرقه، إضافة إلى تقديم الشهادات المؤهلة لشغل وظيفة المنقذ. وأوضح أن الاتحاد المصري للغوص يقدم دورات في الإسعافات الأولية، ويجب على المتقدمين للحصول على شهادة الإنقاذ إتقان تلك الإسعافات لاجتياز الاختبارات.

وأضاف أن معظم العاملين في مهنة الإنقاذ من طلاب كلية التربية الرياضية، الذين يعملون موقتاً في فترة الصيف، وغالباً ما يكون ذلك باتفاق شفهي مع المسؤول عن الشاطئ، مشيراً إلى أن الاعتماد على الطلاب يوفر على الإدارات تعيين المنقذين أو التأمين عليهم اجتماعياً وصحياً.

وتعد منظمة التحالف العالمي للوقاية من الغرق، تقريراً عالمياً عن حالة الوقاية من الغرق من أجل تحسين فهم أثر الغرق وتحليل الإجراءات الحكومية في جميع أنحاء العالم. ويوفر التقرير معلومات حاسمة لواضعي السياسات ومديري البرامج لتحفيزهم على اتخاذ مزيد من الإجراءات لتنفيذ ما أوصت به المنظمة من تدخلات منخفضة الكلفة وقابلة للتوسيع وفعالة في الوقاية من الغرق، مع دعوة جميع الدول الأعضاء الـ194 إلى المشاركة، وفقاً لما أعلنه مايكل بلومبيرغ، مؤسس "بلومبيرغ أل بي" ومؤسسة "بلومبيرغ" الخيرية والسفير العالمي لمنظمة الصحة العالمية للأمراض غير السارية والإصابات.

أدوات إنقاذ

المتخصص في الإنقاذ محمد مصطفى قال، إن أبرز الأدوات المعاونة لإنقاذ الغرقى في المناطق الساحلية ونهر النيل دراجة المياه جيت سكي (Jet Ski) وأطواق النجاة المصنوعة من مادة الفايبر و"موزة السباحة" وهي عبارة عن طوق نجاة حديث، مؤكداً أن سحب التيار له بداية ونهاية، لكن يحتاج إلى خبرة من السباح.

ويشير إلى أن الشواطئ ذات الأمواج العالية هي الأكثر أماناً للمصطافين فلا توجد بها سحب، أما المياه الهادئة فهي التي بها تيار سحب للداخل، موضحاً أن المنقذ هو من يحدد خطورة السباحة في هذا المكان أو ذاك. وطالب بضرورة التشديد على القرى السياحية حالياً بتجهيز نقطة إسعاف لحالات الغرق وتوفير العدد الكافي من المنقذين على الشواطئ وأبراج مراقبة للشواطئ.

وحث مصطفى، الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ على مساعدة شركات الإنقاذ في توفير بيئة عمل جيدة من خلال إلزام كافة القرى التعاقد مع منقذين وتوفير الأدوات المطلوبة لحماية أرواح المصطافين، حيث يبحث ملاك القرى على الكلفة الأقل في بند المنقذين تحديداً، مع ضرورة توعية رواد القرى بأهمية عمل المنقذ والالتزام بتعليماته.

واعتبر رئيس الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ سامح الشاذلي، في تصريح خاص، أن أوضاع مهنة الإنقاذ في مصر متردية بسبب إصرار إدارات المنتجعات السياحية على تقليل النفقات، بدلاً من توفير أدوات مساعدة المنقذين على العمل، فضلاً عن قلة الرواتب وغياب المظلة القانونية لحماية أبناء المهنة، مشيراً إلى أن الاتحاد جهة إصدار ترخيص وتعليم وليس محاسبة أو رقابة.

وطالب بتوفير مقومات للحد من حالات الغرق، مثل إنشاء أرصفة للأمواج، وإتاحة أدوات لمساعدة المنقذين مثل الدراجة المائية التي تساعد المنقذ على التوجه للأماكن البعيدة وإنقاذ الغرقى، متمنياً تشكيل هيئة أو مظلة قانونية للمنقذين.

وعن أعداد المنقذين في مصر، كشف رئيس الاتحاد منح شهادات لما لا يقل عن 15 ألف شخص، بعد اجتياز اختبارات في الإنقاذ أو الإسعافات الأولية، مطالباً بإلزام الشواطئ والقرى السياحية بالحصول على دورات تدريبية لدى الاتحاد، وكذلك الالتزام بتعليماته في ما يخص عدد المنقذين الواجب توافرهم وفقاً للمساحة التي تجري مراقبتها.

التغيرات المناخية

وحول ارتفاع حالات الغرق في الساحل الشمالي هذا العام، ذكر المتخصص في الإنقاذ محمد مصطفى أن التغيرات المناخية عامل رئيسي في تلك الحوادث، حيث ارتفعت الأمواج بشكل غير مسبوق لمدة أربعة أيام متواصلة وكانت سبباً في وفاة عدد من المصطافين، وهو أمر لم يحدث من قبل، بعد أن تجاوز ارتفاعها أربعة أمتار وأصبحت خطراً على حياة المنقذين أنفسهم.

وتابع "أيضاً من أسباب زيادة حالات الغرق هذا العام نقص التدريب الجيد للمنقذين وفشلهم في التدخل بالشكل والوقت المناسبين لإنقاذ الغرقى، بجانب امتناع القرى السياحية عن توفير أدوات الإنقاذ المطلوبة توفيراً للميزانيات".

وأظهرت دراسة حديثة نشرتها دورية ""Nature Communications، وجود علاقة طردية بين سلوك أمواج البحار والمحيطات والتغيرات المناخية، فكلما ارتفعت درجة الحرارة، أصبحت الأمواج أكثر قوة وتدميراً، وأن الارتفاع المطرد في مستوى سطح البحر يضع المناطق الساحلية على خط المواجهة مع تأثيرات تغير المناخ، ويجعل احتمالات التعرض لمخاطر الغرق أكبر.

ويشير مدير معهد بحوث الشواطئ أيمن عبدالمنعم الجمل، في تصريحات إعلامية، إلى أن هناك علاقة طردية بين ارتفاع سطح البحر، وما يسمى موجات السحب داخل البحر والمتسببة في وقوع مزيد من الغرقى، وهو ما نتج منه زيادة أعداد الغرقى في الشواطئ المصرية خلال السنوات الأخيرة.

وبحسب مركز الدراسات الأفريقية، فقد شهدت السواحل الأفريقية ارتفاعاً مطرداً في مستويات سطح البحر على مدى أربعة عقود، ومن المتوقع أن ترتفع مستويات سطح البحر أكثر بحلول عام 2030 وهو الأمر الذي سيؤثر في نحو 117 مليون شخص في أفريقيا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات