Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جنوب دارفور يحترق بين كماشة نيران الحرب والاقتتال القبلي

المعارك والاقتتال القبلي يضعان الإقليم على شفا حرب أهلية

هاربون من جحيم الحرب السودانية في دارفور لدى عبورهم الحدود باتجاه تشاد (رويترز)

ملخص

هل تجدد معارك نيالا بجنوب دارفور مأساة مدينة الجنينة؟

وسط مخاوف متصاعدة من تكرار مأساة مدينة الجنينة وانزلاق الإقليم نحو حرب أهلية، تجددت المعارك العنيفة بجنوب دارفور، في وقت تشهد فيه الولاية اقتتالاً قبلياً بين قبيلتي "السلامات" والـ"بني هلبة" في جنوب غربي المدينة. وبدا مواطنو نيالا، عاصمة الولاية، محاصرين تحت نيران القصف المتبادل بمختلف الأسلحة الثقيلة والخفيفة بين الجيش السوداني في غرب المدينة وقوات "الدعم السريع" في شرقها، لليوم الرابع على التوالي.

ضحايا وحرائق

وتسببت المعارك وفق مصادر من داخل الولاية في مقتل أكثر من 12 مدنياً وإصابة أكثر من 88 شخصاً كحصيلة مبدئية مرشحة للزيادة مع استمرار المعارك. وأحرقت عشرات المنازل مع فرار ونزوح أكثر من ثلث سكان المدينة الواقعة بين كماشة الاقتتال القبلي والحرب المستعرة في السودان التي دخلت شهرها الخامس وهي تتمدد زماناً ومكاناً.
وأدى النزاع القبلي الدموي بين قبيلتي "السلامات" والـ"بني هلبة" المترافق مع معارك نيالا في منطقة كبم بمحلية أم لباسة، الواقعة على بعد 100 كيلومتر في جنوب غربي المدينة، إلى مقتل أكثر من 121 شخصاً وجرح العشرات من الجانبين، فضلاً عن تدمير وحرق مرافق حيوية عدة.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش و"الدعم السريع" في 15 أبريل (نيسان) الماضي، بلغ عدد القتلى في مدينة نيالا نحو 200 شخص وإصابة ما يزيد على ألف شخص، ونزوح أكثر من 60 ألف أسرة معظمهم من سكان أحياء وسط وشرق وغرب المدينة، في وقت دمرت فيه البنية التحتية للعمل الإنساني وتوقفت كافة المنظمات العاملة في هذا المجال.

انفجار المعارك

وبعد هدوء نسبي حذر عاشته المدينة لنحو 10 أيام مضت، فوجئ المواطنون مطلع الأسبوع الحالي، وبينما كانوا يمارسون حياتهم اليومية ويتحركون نحو مواقع عملهم في الأسواق الطرفية بعد إغلاق السوق الكبيرة في الاشتباكات السابقة، بحسب شهود، بتجدد القصف والمعارك والانفجارات، مما أدى إلى توقف كل مظاهر الحياة وتعطل الحركة تماماً داخل مدينة نيالا.
وأوضح الشهود أن القصف العنيف المتبادل أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بينهم نساء وأطفال وشيوخ، نتيجة تساقط قذائف المدفعية الثقيلة على أحياء دريج في شرق المدينة، والوادي وكرري في الجهة الغربية للمدينة.
وأفاد شهود بأنهم شاهدوا رتلاً من عربات "الدعم السريع" المقاتلة يضم أكثر من 25 عربة مدججة بالأسلحة الثقيلة والرشاشات، تشن هجوماً على المدينة، بينما اتهم "الدعم السريع" حامية الجيش بالمدينة بقصف الأحياء السكنية بالمدفعية الثقيلة.

احتقان ومخاوف

ووفق قيادات أهلية، خلفت أعمال العنف القبلي الذي اندلع منذ نهاية الأسبوع الماضي بين قبيلتي الـ"بني هلبة" و"السلامات"، وكلتاهما من القبائل العربية بالولاية، أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد نتيجة نزوح أعداد كبيرة من الأهالي في ظروف صعبة، إلى جانب خسائر مادية كبيرة، إثر إحراق عدد من المنازل وبشكل جزئي سوق منطقة كبم، كما تم تدمير وحرق المحطة الرئيسة للوقود بالمحلية.
وحذرت القيادات الأهلية من أن استمرار وتنامي بوادر الاحتقان القبلي وتمدده، مصحوباً بمظاهر للاستنفار والتحشيد العسكري من شأنه أن يؤدي إلى توسيع نطاق ومدى النزاع والمواجهات القبلية العنيفة، في ظل غاب رسمي تام أو وجود عسكري لأي قوات نظامية للفصل بين الطرفين.
وعزت القيادات أسباب الاقتتال بين القبيلتين إلى تحفظات وضغوط تواجهها بعض القبائل في ما يخص تحديد وجه ولائها تجاه الحرب بين الجيش و"الدعم السريع" وإلى اتهامات قديمة متبادلة بين القبيلتين بخصوص سرقة المواشي.

موجات نزوح

في السياق، كشف المفوض الإنساني بولاية جنوب دارفور صالح عبدالرحمن سليمان عن أن "تجدد الاشتباكات أجبر أكثر ثلث سكان مدينة نيالا على مغادرة  منازلهم"، مشيراً إلى أن "آخر الإحصاءات قبل تجدد الاشتباكات الأخيرة، كانت تشير إلى نزوح نحو 60 ألف أسرة من المدينة فارين من الحرب. كما أن هناك كثيراً من الأسر التي نزحت لم تتمكن فرق المتطوعين من الوصول إليها حتى الآن.
ووصف صالح في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" الوضع الإنساني بالولاية بالحرج وفي غاية الصعوبة والتعقيد، "بخاصة بعد أن توقفت معظم المنظمات التي كانت تقدم خدماتها للمتضررين، كما أن البنية التحتية للعمل الإنساني دمرت تماماً، بعد أن تعرضت مقارها للنهب، أما بعض المنظمات التي لا تزال تعمل حتى الآن، ففي مناطق خارج مدينة نيالا ببعض المعسكرات الطرفية، لكن بدرجة أقل لا تمكنها من تقديم الخدمة المناسبة كما كانت في أوقات سابقة".
وشكا المفوض من "عدم وصول أية معونات من الحكومة المركزية أو أي جهة أخرى للمتضررين من الحرب بالولاية، بل إنه حتى الخدمات التي كانت تتوفر للنازحين بالمعسكرات انقطعت تماماً بسبب تصاعد المعارك وصعوبة الحركة".
وأعرب صالح عن عدم رضاه على توزيع المعونات الإغاثية التي وصلت إلى البلاد وعدم تخصيص أية مواد غذائية لإقليم دارفور، باستثناء 150 طناً إعانات طبية لولايات الإقليم الخمس لا تشمل أية مواد غذائية أو إيوائية، مما دفعهم إلى اتخاذ قرار السفر إلى مدينة بورتسودان، مقر اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية، " لنكون قريباً منها حتى نضمن وصول وانسياب المواد الإغاثة المختلفة إلى ولاياتنا".
ونفى المفوض وجود أية مؤشرات أو مظاهر على حدوث عمليات قتل أو استهداف على أساس عرقي أو بسبب الانتماء لقبيلة معينة أو خلافه، كما لم ترصد أو تكتشف أية مقابر جماعية بالمدينة أياً كانت.

اقرأ المزيد


تحت القصف

وكشف المفوض الإنساني عن أن "معظم السكان النازحين كانوا من الأحياء الجنوبية والوسط والمحليات الجنوبية والغربية والشرقية المجاورة، القذائف الثقيلة تتساقط على منازل وأحياء دريج والمزاد وكرري والسد العالي، مما تسبب في موجة فرار ونزوح من أحياء وسط المدينة الواقعة في مرمى نيران الطرفين، حيث تتمركز (الدعم السريع) في الجهة الشرقية والجيش في الجهة الغربية".
أما عن الأوضاع داخل المدينة، فأوضح أن "هناك بعض المناطق المستقرة في غرب المدينة مثل أحياء النهضة والسلام والجير، لكن الأحياء الأكثر تأثراً وتضرراً هي التي تقع وسط المدينة، إذ باتت في مرمى نيران الطرفين، حيث تتمركز قوات (الدعم السريع) في الجهة الشرقية وتوجد قيادة الجيش في الجزء الغربي من المدينة، مما يضع الأحياء الوسط في مرمى القصف ومعظم الأهالي نزحوا".
إلى ذلك، نشرت قوات "الدعم السريع" قراراً حمل توقيع قائدها الفريق محمد حمدان دقلو، قضى بإنشاء "الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية"، استجابة للأوضاع الإنسانية المأسوية والكوارث الناتجة من الحرب، والحاجة الماسة إلى تيسير العمليات الإنسانية في المناطق التي تدور فيها العمليات العسكرية أو تقع تحت سيطرة قوات "الدعم السريع". وأشار القرار إلى أن إنشاء الوكالة يأتي التزاماً من قيادة "الدعم السريع" بتمكين المدنيين من الحصول على المساعدات الإنسانية دون أية إعاقة أو عرقلة، والمساهمة في حمايتهم والالتزام بالقانون الإنساني الدولي.

البحث عن الإغاثة

ووفق القرار تعمل الوكالة في المناطق التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع" لتوفير وتسهيل وصول الإغاثة وتيسير وتنسيق العمليات الإنسانية، وتوفير الإغاثة الإنسانية في المناطق المتضررة من الحرب، بخاصة الخرطوم ودارفور وكردفان ومناطق النازحين وضمان وصول المساعدات إلى جميع المجتمعات المنكوبة وتوزيعها على نحو عادل وشامل، وإصدار التصاريح اللازمة للمنظمات الإنسانية الوطنية والدولية الراغبة في العمل في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات "الدعم السريع".
وكانت اللجنة العليا لإدارة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور قد قررت مطلع هذا الأسبوع إرسال وفود إلى مدن بورتسودان وكوستي ومدني لمتابعة حصص الإقليم من المساعدات الإنسانية بغرض توصيلها إلى دارفور.
وقال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي إن القرار جاء بعد مناقشة اللجنة العليا للقضايا الإنسانية في دارفور في ظل التطورات التي يشهدها السودان والإقليم، مشيراً إلى أن "الحرب في السودان خلفت أكثر من خمسة ملايين نازح ولاجئ هم في أمس الحاجة لمساعدات عاجلة، الأمر الذي لم يكن يجد استجابة واضحة من المركز".
وكان والي شمال دارفور نمر محمد عبدالرحمن قد حذر في وقت سابق من تدهور الوضع الإنساني، متوقعاً حدوث مجاعة وشيكة نتيجة لنفاد المخزون الاستراتيجي من الغذاء وعدم الاستجابة في تقديم المساعدات الإنسانية للمتأثرين.

مطالبات دولية

على نحو متصل، دعت مجموعة دول الترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج) طرفي الصراع في البلاد إلى وقف القتال وإيجاد مخرج تفاوضي، لإنهاء ما سمته الفظائع المرتكبة في دارفور، مطالبة بالوقف الفوري لجميع الهجمات ومنع توسع وانتشار النزاع العسكرية وضرورة محاسبة المسؤولين عن أية جرائم مرتكبة ضد المدنيين والعاملين في الإغاثة الإنسانية والرعاية الطبية.
وأوضحت المجموعة في بيان مشترك أن تصعيد الصراع في دارفور أدى إلى معاناة إنسانية كبيرة، مطالبة بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الإقليم وجميع أنحاء السودان.
وتعد ولاية جنوب دارفور من الولايات التي تأثرت بالقتال العنيف بين الجيش و"الدعم السريع" الذي بدأ في العاصمة الخرطوم، لكنه سرعان ما تمدد ليشمل معظم ولايات دارفور، شهدت على أثره مدينة نيالا ومناطق أخرى في أوقات سابقة معارك شرسة بين الطرفين، بخاصة مناطق من محلياتها في كاس وميرشنج وأم دافوق خلفت أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين.
وتسببت الحرب التي اندلعت بالخرطوم في منتصف أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في مقتل أكثر من 3 آلاف شخص ونزوح أكثر من أربعة ملايين شخص منذ بدء القتال قبل أكثر من أربعة أشهر، منهم ما يزيد على مليون من العاصمة الخرطوم وحدها، وفق الأمم المتحدة، كما تسببت في أزمة إنسانية طاحنة تتجلى ملامحها في عديد من مناطق وأحياء العاصمة السودانية التي لم تهدأ فيها المعارك، بينما الحرب تدخل شهرها الخامس.
ودفع انتقال الحرب إلى إقليم دارفور أكثر من مليون شخص إلى الفرار، كما اتخذ في بعض المناطق نمط من القتل الإثني والعرقي وسط مخاوف من انزلاق الإقليم المحتقن بالمشكلات القبلية نحو حرب أهلية وإثنية وجر البلاد كلها إلى أتون حرب أهلية شاملة وطويلة الأمد.

المزيد من متابعات