نصف سكان نواكشوط بلا ماء والأزمة قد تطول

مشهد عربات الحمير التي تحمل صهاريج المياه المجلوبة من مسافات بعيدة بات مألوفاً بحي الفلوجة في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

فمشكلة المياه بدأت قبل أسابيع حين توقف تزويد شبكات التوزيع من محطات الإنتاج على مشارف العاصمة، واستفحلت الأزمة قبل أيام حين تراجعت نسبة توزيع المياه على المشتركين لأكثر من النصف، وهو ما انعكس على حياة أكثر من مليون موريتاني يعيشون في نواكشوط.

خرج مئات المواطنين إلى وسط العاصمة نواكشوط حاملين مواعين فارغة تعبيراً عن العطش (اندبندنت عربية)

احتجاج في الشارع

دفع انقطاع المياه عن نصف سكان العاصمة إلى المطالبة بالتحرك، وشهدت صفحات رواد "فيسبوك" دعوات لتنظيم وقفات احتجاجية أمام شركة المياه في نواكشوط.

وبالفعل خرج مئات المواطنين إلى ساحة الحرية وسط العاصمة حاملين مواعين فارغة تعبيراً عن أزمة العطش التي تدخل أسبوعها الثالث في بعض مناطق العاصمة.

وطالب النائب السابق في الجمعية الموريتانية محمد محمد مبارك وزارة المياه والصرف الصحي بتوضيح أسباب الانقطاع وتوفير الماء للمواطنين.

وطالب مواطنون غاضبون وزارة المياه بالتحرك السريع لحل هذه "المعضلة الخانقة"، في حين سخر مدونون موريتانيون من خبر إعلان شركة المياه إطلاق تطبيق سمته "سقاية".

وعلق أحد المدونين "لا نحتاج إلى تطبيقات الآن، سكان العاصمة عطشى وينتظرون من يسقيهم".

اعتذار الحكومة

وسارعت الحكومة الموريتانية عبر وزير المياه والصرف الصحي إلى عقد مؤتمر صحافي تشرح فيه أسباب الأزمة التي شغلت الرأي العام الوطني.

وقال وزير المياه الموريتاني إسماعيل عبدالفتاح إن "أزمة العطش التي تضرب العاصمة نواكشوط ستنتهي في أقل من أسبوع، مشيراً إلى أن السلطات اتخذت إجراءات لتخفيف الأزمة خلال أيام قليلة".

وأضاف أن "الإنتاج في آفطوط الساحلي تراجع من 130 ألف متر مكعب إلى 70 ألف متر مكعب يومياً".

وعن أسباب الأزمة، قال مدير الشركة الوطنية للماء محمد محمود ولد جعفر، إن "الانقطاعات المتكررة للمياه في نواكشوط تعود إلى ظاهرة موسمية معروفة، إذ أثر ارتفاع معدلات الطمي على محطات المعالجة في كرمسين، مما عرقل عملية الإنتاج"، مؤكداً أن "منشآت آفطوط الساحل لا تعاني أي مشكلات فنية".

وفي رده على ما يتم تداوله من أخبار حول "التلاعب بحصص الموريتانيين من المياه"، قال أحمد باب صالح مدير التوزيع بالشركة الوطنية للماء فى تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "تستغرب الشركة توجيه اتهامات لها بالتواطؤ أو التقصير في هذا الملف"، مؤكداً "أن حالة العجز المسجلة أخيراً إثر ارتفاع منسوب الجفاف في مياه النهر وانعكاسه على حجم الكميات المنتجة من مجمع آفطوط الساحلي، دفعت بالشركة للمبادرة في إعادة تنظيم توزيع الكميات المنتجة بشكل منصف بين الأحياء المتضررة، إلى جانب تعبئة أسطول من الصهاريج لتزويد الأحياء التى تأثرت بهذه الوضعية بالتنسيق مع السلطات الإدارية والبلدية المعنية".

وأضاف صالح أن "الشركة استعادت إنتاجها المعهود خلال موسم الأمطار حيث سيتم خلال الساعات المقبلة تزويد جميع الأحياء المغطاة بشبكة التوزيع بشكل منتظم".

ويرى المتخصص في قضايا المياه في الوسط الحضري خالد الشيباني "أن مشكلة توزيع الماء في العاصمة نواكشوط لها أسباب عدة، منها ما يتعلق بالضغط على مصادر الإنتاج، حيث تعتمد العاصمة على إنتاج مشروع آفطوط الساحلي من مياه نهر السنغال، بينما كان من الأجدى التفكير بتحلية المياه من المحيط وتوسعة مياه أديني شرق العاصمة لتلافي التوقف أو النقص الذي يحصل كل موسم إفطار".

حلول بديلة

وتؤثر الظروف المناخية على انسيابية عمل مشروع آفطوط الساحلي الذي يزود العاصمة بالمياه، ويؤمن المشروع تدفق ملايين الأمتار المكعبة المعالجة من نهر السنغال جنوب موريتانيا، إذ تمتد أنابيبه العملاقة قرابة 200 كيلومتر توزع عبر شبكة توصيلات المياه إلى المشتركين في العاصمة.

ومع كل موسم أمطار ترتفع نسبة الطمي (رواسب الحصى مع طين) مما يؤثر في انسيابية تدفق المياه من المنبع إلى محطات المعالجة على طول الخط من النهر إلى العاصمة.

وتبحث الحكومة الموريتانية حلولاً بديلة لهذه المشكلة. وقال وزير المياه الموريتاني إن بلاده "خصصت موارد مالية إضافية لتوسعة منشآت الإنتاج الحالية، وإنجاز محطة لتحلية مياه البحر، مما سيمكن من تنويع مصادر الإنتاج، وتقوية وتأمين حاجات المدينة من مياه الشرب في الأفق المتوسط".

وشهدت العاصمة منذ بدء الأزمة مضاربات في سوق صهاريج المياه، حيث وصل سعر طن الماء 30 دولاراً، وهو ما أثقل كاهل الأسر الموريتانية، بحسب محمد سعيد الذي طالب سلطات بلاده بضبط المبالغ "العشوائية".

ولتفادي حالات العطش الخطرة في المرافق الحكومية الحساسة كالمستشفيات ومراكز الإطفاء، جهزت شركة الماء طواقم من الصهاريج جاهزة لتلبية طلبات هذه المرافق، ريثما يعود الوضع إلى طبيعته.

وبحسب خالد فإن أمد أزمة العطش التي تضرب العاصمة نواكشوط قد يطول إلى حين إيجاد حلول مستدامة.