Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

بحث إسرائيلي يرصد أسرار فشل "أسرلة فلسطينيي القدس"

استمرار الظروف الاقتصادية الاجتماعية للعرب يرفع معدلات "العمليات المسلحة" وينتهي بتقسيم المدينة

فلسطينيون يتجمعون في المسجد الأقصى والبلدة القديمة بالقدس الشرقية خلال عيد الأضحى (أ ف ب)

ملخص

باحث إسرائيلي ينصح المسؤولين في تل أبيب بسرعة إدماج فلسطينيي القدس في المجتمع الإسرائيلي تعليمياً واقتصادياً وإلا سينتهي الأمر بتقسيم المدينة المقدسة وتهديدها أكثر.

حذر بحث إسرائيلي من تداعيات سياسة تل أبيب تجاه القدس والتي حاولت على مدى عشرات السنين عزل فلسطينيي المدينة عن الضفة و"أسرلة" المنطقة وسكانها، معتبراً الاعتداءات التي يتعرض لها الحرم القدسي الشريف في مقابل مضايقات السكان وتدهور أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية كلها دوافع لتنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين وأهداف إسرائيلية.

في ملخص حديث الفلسطينيين، وفق البحث الذي أجراه معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، وضعت إسرائيل خلال السنوات الـ20 الأخيرة هدفاً مزدوجاً تجاه فلسطينيي القدس وهو فصلهم عن فلسطينيي الضفة ومحو أي شعور بالانتماء لهويتهم الوطنية، لكن هذه السياسة ليس فقط لم تنجح في تحقيق الهدف بل أدت إلى التخلف الاقتصادي وإلى العزلة الاجتماعية والسياسية ومضاعفة تحديات مستقبل هذه المدينة.

وما يشكل قلقاً حقيقياً لإسرائيل هو انعكاس الاعتداءات الإسرائيلية على الحرم القدسي الشريف، فخلال إجراء البحث بين فلسطينيي القدس في شأن الهوية الوطنية اتضح بشكل بارز توجه سكان المدينة إلى التدين والارتباط بشكل كبير بـ"الأقصى".

معد البحث ديرك ليف واجه بشكل كبير موقفاً لدى الشباب بأن "التدين المتزايد أدى إلى أن يكون مزيد من فلسطينيي القدس الشرقية مستعدين لأن يصبحوا ما يسمى بـ(الشهداء) والتضحية بأنفسهم في عمليات إرهابية ضد إسرائيل"، وفق تعبيره.

وأضاف "لقد قالوا لنا إن عامل الربط الأساسي بين التطرف الديني والإرهاب هو نشاطات إسرائيل في الحرم. وادعوا أن الحرم يمثل الأثر الأخير لكل شكل من الهوية الوطنية – التي لم تأخذها إسرائيل حتى الآن منهم. بسبب ذلك وفي محاولة للدفاع عن هذه الهوية فإن عدداً من هؤلاء العرب في القدس الشرقية مستعدون للذهاب إلى العنف والإرهاب".

فرض الواقع

في خلفية البحث يسهب معده في تناول المشاريع العديدة التي نفذتها إسرائيل وفرضت من خلالها واقعاً على الأرض وذلك منذ احتلال المدينة.

ففي عام 1968 بنت إسرائيل 13 حياً جديداً في القدس كان آخرها "جبل أبو غنيم"، وأطلق عليها "أحياء الطوق"، وهو ما فسره معد البحث بأنها "تخلق طوقاً حول القدس الغربية وتعزل الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية".

أما بالنسبة إلى جدار الفصل "العنصري" فقد خلق هذا المشروع جيوباً خارجه لكنها مشمولة في حدود بلدية القدس، وأخرى داخل حدود الجدار إلا أنها لا تخضع إلى منطقة نفوذ البلدية.

البحث تطرق أيضاً إلى الميزانيات التي تم تخصيصها للأحياء الفلسطينية وهي ميزانيات خدمت إقامة المستوطنات والمجمعات اليهودية هناك أكثر منها للفلسطينيين. وضمن هذه الميزانيات ما كان مخصصاً للتعليم، بل دار حولها أيضاً خلافات كبيرة وصراعات بعد أن قرر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تجميدها، على رغم تحذير أمنيين وسياسيين من التداعيات الخطرة لهذا القرار على مستقبل القدس من حيث تهويدها و"أسرلتها".

الأوضاع السياسية والاجتماعية

البحث حاول فهم مدى تأثير سياسة إسرائيل على فلسطينيي القدس ومستقبلهم، وما اتضح أن سياسة الدولة عملت جاهدة ضد مصالح الفلسطينيين في المدينة "حيث الظروف الاقتصادية – الاجتماعية السيئة أدت إلى زيادة عدم ثقة السكان بالحكومة".

مع ذلك وفي مقابل تشاؤم الفلسطينيين من مستقبلهم في القدس، وجد البحث تفاؤلاً إسرائيلياً "على رغم كل ما عبر عنه الفلسطينيون من معاناة ومن وضعية متدهورة في مختلف المجالات، فإن الوضع في القدس الشرقية غير سيئ تماماً"، وهنا يطمئن معد البحث متخذي القرار في إسرائيل.

وأضاف "هناك نوعان من السياسة يمكن لإسرائيل تطبيقها في القدس الشرقية من أجل تجسيد الهدف المزدوج والذي يتمثل في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للعرب هناك. ونتيجة لذلك يحتمل أيضاً تقليص الهجمات الإرهابية ضد الإسرائيليين في المدينة"، يقول ليف متفائلاً نحو نجاح السياسة الإسرائيلية.

وينصح ليف متخذي القرار بتوسيع الخطة المعروفة بـ"خطة رقم 3790"، ومن دون ذلك سترتكب إسرائيل خطأ سياسياً خطراً لأسباب عدة "فإذا كانت إسرائيل تعد، وبحق، القدس الموحدة عاصمة لها ومعنية بالحفاظ على سيادتها في المدينة فيجب عليها تحمل المسؤولية عن جميع سكان المدينة، بمعنى تخصيص موارد في كل المستويات، وليس فقط بذل الجهود التجميلية للمدينة، بل الاعتراف بأنه مطلوب هناك عمل أكثر عمقاً".

ويتمسك معد البحث بأن جانب التعليم والثقافة له دور كذلك "فالخطة 3790 شكلت تغييراً ثورياً بالنسبة إلى سكان القدس الشرقية، الأمر الذي قد يكون أكثر أهمية بحيث يمكن للطلاب المتفوقين في القدس الشرقية التعلم في الجامعات الإسرائيلية، وإلا فإن كثيراً منهم لن يتمكنوا من فعل ذلك".

وتابع البحث "الخطة ضمنت موارد لتحسين تعلم اللغة العبرية في القدس الشرقية، واستخدمت لتحسين نوعية المعلمين وطرق التعليم، والنتيجة كانت ارتفاعاً في علامات الطلاب، كما أسهمت من ناحية تطوير التعليم في تحسين مناخه وتحقيق إنجازات حقيقية".

ويستخلص البحث في هذا الجانب "النتيجة بعد كل ذلك، التي ربما هي الأكثر تأثيراً، أنه في عام 2018 سجل في الجامعة العبرية 36 طالباً عربياً فقط من القدس الشرقية فيما ارتفع العدد حتى عام 2022 إلى 710 طلاب".

"ارتفاع عدد الطلاب من القدس الشرقية، الذين يتعلمون في الجامعة العبرية بالمدينة، ليس فقط يزيد اندماجهم مع الإسرائيليين في أجواء التعليم، بل أيضاً اندماجهم بعد ذلك في المجتمع، لأنه من المرجح أن يجدوا عملاً براتب مرتفع في غربي القدس أو في منطقة أخرى في البلاد"، بهذا الوضوح يوصي البحث متخذي القرار في إسرائيل وهو جانب اعتبره الفلسطينيون "أسرلة لسكان المدينة المقدسة" ستنعكس بشكل سلبي على مستقبلها وفلسطينيتها.

وحذر البحث من أن عدم توسيع خطة القدس لا يناقض فقط السياسة الصريحة التي يرسمها قانون الأساس لعام 1980 الذي ينص على أن "القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل"، وأن "الحكومة ستعمل بجدية على تطوير وازدهار القدس وعلى رفاه سكانها"، بل إن مثل هذا القرار يمكن أيضاً أن يؤدي إلى مزيد من العمليات الإرهابية في المدينة، بسبب ظروف اقتصادية – اجتماعية سيئة وفرص أقل للفرد في مجال التعليم والاقتصاد.

الجنسية الإسرائيلية

تشكل مسألة تهويد القدس مصلحة استراتيجية وديموغرافية مهمة لإسرائيل وهذه يتم تطبيقها من خلال منح الجنسية للفلسطينيين من خلال تقديم المحفزات المختلفة لدفعهم إلى قبول الهوية، فمن خلالها تقدم إسرائيل تسهيلات في العمل والاقتصاد للفلسطينيين، تضمن حرية الحركة والتنقل سواء إلى إسرائيل والضفة أو من وإلى خارج البلاد، بما يضمن الحفاظ على القدس كمركز للحياة، كما تمنح الهوية الإسرائيلية الفلسطينيين إمكانية التصويت في انتخابات الكنيست، علماً أن الغالبية الساحقة من فلسطينيي القدس لا يشاركون في الانتخابات البرلمانية، وإن كان لديهم حق التصويت.

البحث أظهر أن أبرز دوافع الشعور باليأس لدى المقدسيين هو غياب هوية ثابتة، وبحسب ليف فإن ما استخلصه من الفلسطينيين أن اليأس الاقتصادي وغياب الهوية يسهمان في تعزيز الدين بالقدس الشرقية بالتالي تنفيذ مزيد من العمليات.

ومن أجل ضمان ارتفاع عدد المقدسيين الحاصلين على الهوية الإسرائيلية تقدم تل أبيب المغريات لكل من يقبل الحصول على الهوية وليس فقط التعليم والعمل، إنما من ناحية السكن والتأمينات الصحية ومخصصات عدة تضمن لهم حياة أفضل من دون هوية إسرائيلية.

قدس مقسمة ومهددة أكثر

توصيات عدة قدمها البحث لمتخذي القرار في كيفية التعامل مع فلسطينيي القدس لتحقيق أهداف السياسة الإسرائيلية لكن، بحسب معد البحث، يواجه تنفيذ هذه التوصيات التحديات "خصوصاً في ظل الحكومة الحالية".

على رغم تفاؤل معد البحث حول وضعية غير سيئة للقدس فإنه ينهي بحثه بتشاؤم قائلاً "في نهاية المطاف ستسهم التوصيات السياسية في تحقيق هدف إسرائيل في الحفاظ على القدس كعاصمة موحدة لها وتقليص الإرهاب في المدينة، على حد تعبيره، إذا تواجدت في إسرائيل زعامة شجاعة بما فيه الكفاية كي تواصل هذه الاستراتيجية الشاملة أمام أي رد سياسي شديد من قبل الجهات الأكثر تطرفاً في المجتمع الإسرائيلي. فإذا لم تفعل الحكومة ذلك فإن النتيجة حتماً ستكون (قدس مقسمة ومهددة أكثر)".

المزيد من تقارير