ملخص
مشكلات ثاني أكبر اقتصاد في العالم تتعمق ليس فقط ببطء النمو بل بأزمة في القطاع العقاري والمالي
لم يفلح القرار المفاجئ من بنك الشعب (المركزي الصيني) بتخفيض سعر الفائدة، الثلاثاء الماضي، للمرة الثانية خلال 3 أشهر في تحسين مناخ الأسواق التي واصلت التراجع على خلفية ضعف النمو الاقتصادي وعدم كفاية الدعم الحكومي وتصاعد الأزمات في القطاع العقاري والمالي واحتمال دخول ثاني أكبر اقتصاد في العالم في مرحلة "انكماش سعري".
وذكرت وكالة "بلومبيرغ"، أمس الأربعاء، أن السلطات الصينية حذرت صناديق الاستثمار العاملة في الأسهم بتفادي عمليات بيع السهم بقوة هذا الأسبوع مع انهيار مؤشرات السوق الصينية. وأصدرت سلطات تنظيم البورصات وسوق الأوراق المالية الصينية توجيهاً لعدد من صناديق الاستثمار الكبرى تطالبهم بعدم بيع كميات من الأسهم الصينية أكثر من مشترياتهم، وذلك إجراء يتخذ غالباً مع هبوط قيمة الأسهم المحلية في ظل التراجع الاقتصادي العام.
وواصلت صناديق الاستثمار العالمية العاملة في مجال الأسهم بيع السهم الصينية بكثافة منذ مطلع هذا الأسبوع، بحسب ما ذكر بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي الذي يوفر خدمات التعامل في الأسهم لعملائه حول العالم من خلال وحدة السمسرة في البنك. وقال البنك، إن عمليات الكثيفة شهدت كل أنواع الأسهم، إلا أسهم A، أي تلك المسجلة في البورصات المحلية الصينية كانت الأكثر بيعاً مشكلة نسبة 60 في المئة من عمليات البيع.
ضعف الحافز
مع تصاعد مشكلات القطاع العقاري الصيني وبدء انتقال الأزمة لصناديق الاستثمار والتمويل الخاصة، قرر البنك المركزي فجأة خفض سعر الفائدة بمقدار 15 نقطة أساس إلى نسبة 2.5 في المئة في محاولة لتسهيل فرص وصول الشركات المتعثرة للتمويل.
وكانت المجموعة العقارية الكبرى "كانتري غاردن" أعلنت تعثرها عن سداد التزامات متعلقة بسندات دين محلية مما أثار موجة من بيع أسهم الشركات العقارية هوت بمؤشرها في البورصة الصينية. وسارع المستثمرون أيضاً بالتخلص من أسهم شركات تمويل وصناديق منكشفة على القطاع العقاري الذي يشهد أزمة متصاعدة منذ عام 2021 عند انهيار مجموعة "إفرغراند" تحت وطأة ديون بلغت 300 مليار دولار.
والثلاثاء، تخلفت شركة التمويل الصينية "زونغرونغ إنترناشيونال ترست كو" عن سداد التزامات مستحقة على بعض سنداتها، ما زاد المخاوف من انتقال عدوى أزمة القطاع العقاري وإفلاس شركاته إلى القطاع المالي وبخاصة صناديق الاستثمار والتمويل. بخاصة أن "زونغرونغ إنترناشيونال ترست كو" منكشفة بكثافة على ديون القطاع العقاري.
كانت الحكومة الصينية أعلنت الشهر الماضي أنها ستقدم مجموعة من الحوافز لتنشيط السوق وتوفر الدعم للقطاع العقاري. وانتظرت الأسواق أن تكون هناك خطوات قوية من جانب السلطات بهدف توفير السيولة وتحسين شروط الائتمان بتعديل بعض القواعد المشددة المتعلقة برأس المال لدى الشركات وشروط الاقتراض من القطاع المصرفي الرسمي. إضافة إلى خفض سعر الفائدة الذي جاء متأخراً هذا الأسبوع وبقدر ضئيل.
ونتيجة تلك القيود، لا يتوفر التمويل السهل ولا الائتمان قليل الكلفة لشركات العقار المتعثرة نتيجة تراكم الديون عليها مع ضعف الطلب على المساكن. وتلجأ تلك المجموعات إلى ما يسمى قطاع "صيرفة الظل" – أي شركات التمويل الخاصة والصناديق. ويبلغ حجم ذلك القطاع في الصين ما يصل إلى 3 تريليونات دولار، ما يعني أن أزمة فيه يمكن أن تؤدي إلى مزيد من تباطؤ نمو الاقتصاد، هذا فضلاً عن أن القطاع العقاري يمثل ما يصل إلى 30 في المئة من الاقتصاد الصيني.
قنبلة موقوتة
وأقرت السلطات الصينية بأن تعافي الاقتصاد في مرحلة ما بعد وباء كورونا سيكون صعباً، لكنها دحضت الانتقادات الغربية بعد سلسلة من المؤشرات الإحصائية المخيبة للآمال، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الصحافة الفرنسية.
كانت البيانات الرسمية الصادرة من بكين في الأسابيع الماضية تضمنت أرقاماً إحصائية أظهرت معاناة اقتصادها للتعافي من حقبة وباء كورونا، ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن للتحذير من أن هذه المشكلات تجعل من الصين "قنبلة موقوتة".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، إنه "في أعقاب الانتقال السلس من الوقاية والسيطرة على الوباء، تعافي الصين الاقتصادي هو تطور أشبه بتماوج وعملية متعرجة ستواجه بلا شك صعوبات ومشكلات". وأشار إلى أن "عدداً من السياسيين ووسائل الإعلام في الغرب يضخمون المشكلات الدورية في عملية التعافي الاقتصادي للصين ما بعد الجائحة"، مضيفا: "لكن في نهاية المطاف، سيثبت حتماً أنهم على خطأ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جاءت تلك التصريحات غداة إعلان بكين وقف نشر نسب البطالة المتزايدة في أوساط الشباب، في ظل سلسلة من المؤشرات المخيبة للآمال التي تثير القلق في شأن ثاني اقتصاد في العالم. وسجلت البطالة لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً نسبة قياسية بلغت 21.3 في المئة في يونيو (حزيران) الماضي، بينما ارتفعت نسبة البطالة الإجمالية بشكل طفيف من 5.2 في المئة في ذلك الشهر إلى 5.3 في يوليو (تموز)، وفق المكتب الوطني للإحصاءات في بكين.
وشهدت مبيعات التجزئة، المؤشر الرئيس لاستهلاك الأسر، في يوليو نمواً سنوياً بنسبة 2.5 في المئة، وفق مكتب الإحصاءات، أي بانخفاض عن نسبة 3.1 في المئة في المئة التي حققتها في الشهر السابق. وحقق الإنتاج الصناعي نمواً سنوياً نسبته 3.7 في المئة في يوليو، بتراجع عن نسبة 4.4 التي حققها في الشهر الذي سبقه.
إجراءات غير كافية
سعى القادة الصينيون إلى تحفيز الاستهلاك المحلي خلال الأسابيع الماضية. وأصدر مجلس الدولة الشهر الماضي خطة من 20 بنداً لتشجيع السكان على زيادة الإنفاق في قطاعات اقتصادية عدة مثل السيارات والسياحة والأدوات المنزلية. وحذر المكتب السياسي للحزب الشيوعي في اجتماع عقده أواخر يوليو برئاسة شي جينبينغ، من أن اقتصاد البلاد "يواجه صعوبات وتحديات جديدة". وقال المتحدث وانغ ونبين الأربعاء: "لا نهرب من المشكلات على الإطلاق، لقد اتخذنا إجراءات نشطة لحل المشكلات، والنتائج بدأت بالظهور أو ستظهر".
وكان بايدن قال خلال مناسبة لجمع التبرعات في ولاية يوتا، الأسبوع الماضي، إن "الصين قنبلة موقوتة في عديد من الحالات"، مشيراً إلى ارتفاع معدلات البطالة وشيخوخة القوى العاملة. وأضاف الرئيس الأميركي أن "الصين في ورطة"، محذراً من أنه "عندما يواجه السيئون مشكلات، فإنهم يقومون بأفعال سيئة".
يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الصينية حتى الآن لم تقنع الأسواق بأنها كافية لاستعادة الثقة في الاستثمار في الصين، هذا فضلاً عن القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على استثمار الشركات والصناديق الأميركية في الصين في قطاعات معينة. وبغض النظر عن تصريحات بايدن، فإن العلم كله على الصين ليس قلقاً على وضعها فحسب وإنما لأن الاقتصاد الصيني، فضلاً عن كونه ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فهو متشابك تقريباً مع كل الاقتصادات الكبرى، بالتالي فأي هزة كبيرة فيه سيتردد صداها في كل أسواق العالم وقد تؤدي إلى أزمة عالمية. بخاصة أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من تباطؤ النمو احتمالات الركود في ظل ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم.