ملخص
هل دفعت مخاوف "الإطار التنسيقي" من بروز زعامة جديدة رئيس الوزراء العراقي إلى عدم دخول الانتخابات المحلية المقبلة؟
يثير عدم دخول "تيار الفراتين" الذي يترأسه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الانتخابات المحلية المقبلة في العراق عديداً من التساؤلات، خصوصاً ما يتعلق بإمكانية أن تكون تلك الخطوة نتيجة مخاوف قادة "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" من إمكانية بروز زعامة جديدة ضمن الأجواء السياسية الشيعية، وهو الأمر الذي ربما يؤدي إلى أن يجذب السوداني كثيراً من ناخبي تلك القوى، ما يعطيه مساحة أكبر للتمرد على قوى "الإطار التنسيقي".
ولطالما مثل منصب رئيس الوزراء صانعاً رئيساً للزعامة السياسية في العراق بعد عام 2003، ولذلك بات الصراع على هذا المنصب تحديداً محموماً بشكل كبير خلال السنوات الماضية، الذي وصل إلى حدود تلويح الجماعات المسلحة الموالية لإيران بـ "حرب شيعية-شيعية" أواخر عام 2022، مع اقتراب التيار الصدري من الوصول إلى المنصب.
وفي التاسع من أغسطس (آب) الجاري، أعلن "تيار الفراتين" الذي يترأسه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عدم مشاركته في الانتخابات المحلية المقبلة المزمع إجراؤها في 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وقال التيار في بيان، إن قراره جاء "إيماناً بترسيخ الديمقراطية، وتعزيزاً لمبدأ التداول السلمي للسلطة، واستدامة منجز الاستقرار السياسي"، متابعاً أن عدم خوض الانتخابات يمثل "الخيار الأصوب، من أجل تعضيد جهود الحكومة في إنجاح الانتخابات"، مبيناً أن عدم دخول التنافس الانتخابي يعني "عدم المشاركة في قائمة ظل، والامتناع عن دعم أي حزب أو مسمى سياسي آخر".
قرار سياسي
تشير أطراف مطلعة إلى أن القرار جاء على إثر ضغوط من زعماء "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران، في حين يرى آخرون أن قرار السوداني يأتي في محاولة منه لجمع رصيد جماهيري أكبر قبل اختبار شعبية تياره في الانتخابات.
وقال القيادي في ميليشيات "عصائب أهل الحق"، علي الفتلاوي في تصريح صحافي، إن "القرار السياسي للإطار التنسيقي حال دون اشتراك تيار الفراتين، على عكس كل رؤساء الحكومات الماضية الذين أسسوا اتجاهاً سياسياً خاصاً بعد استلام السلطة".
وأشار الفتلاوي إلى أن أسباب منع حزب رئيس الحكومة من الترشح يعود إلى محاولة "إبعاده من التنافس في المحافظات، وضمان عدم هدر موارد الدولة في الدعاية الانتخابية"، فضلاً عن "التوجه إلى عرف جديد يمنع استئثار رؤساء الحكومات بالمناصب".
وعلى رغم ذلك يلفت الفتلاوي إلى أن الاتفاق لا يشمل "الانتخابات البرلمانية المقبلة".
مخاوف زعامات
ولعل أهمية منصب رئيس الوزراء في خلق زعامات جديدة، دفع الكتل الشيعية في أكثر من مناسبة إلى فرض عدم دخول رئيس الوزراء في سياق الصراع الانتخابي، وهو الأمر الذي حدث أول مرة مع مصطفى الكاظمي، ويعتقد أن يعاد السيناريو نفسه مع السوداني.
وتتباين الآراء بشأن إمكانية أن يتمرد رئيس الوزراء على مواقف قادة "الإطار التنسيقي"، ففي حين يرى البعض أنه لن يكون قادراً على تجاوز قرار القوى الموالية لإيران، يعتقد آخرون أن السوداني ربما ينتظر الفرصة المناسبة قبل الشروع نحو إطلاق مشروع سياسي خاص به.
ويرى رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "غالوب الدولية" منقذ داغر، أن طول مدة بقاء الإطار التنسيقي في السلطة وتضاؤل التهديدات الخارجية ستدفع بالضرورة إلى "زيادة الانشقاقات داخل كتله"، مضيفاً أن "السوداني لن يخرج عن عباءة الإطار التنسيقي كما هي الحال مع بقية رؤساء الوزراء الذين جيء بهم من خارج الفائزين في الانتخابات كالكاظمي".
وأكد داغر أن قيادات "الإطار التنسيقي" لن تسمح بـ "صناعة زعامة جديدة داخل الأجواء السياسية الشيعية"، مبيناً أن هذا الأمر ربما مثل الدافع الرئيس في "عدم دخول حزب رئيس الوزراء الانتخابات المحلية".
وحدة نفوذ
ويعتقد مراقبون أن الدافع الرئيس في فرض عدم دخول السوداني الانتخابات المحلية، يتعلق بالمخاوف من حصوله على نفوذ أوسع في المحافظات العراقية يمكنه من حصد عدد كبير من المؤيدين في حال دخوله الانتخابات البرلمانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس مركز "كلواذا" للدراسات، باسل حسين، إن مخاوف قادة "الإطار التنسيقي" في ما يتعلق بـصناعة زعامات جديدة في الأجواء السياسية العراقية تبدو واضحة، مبيناً أن "العلاقة بين الحرس القديم من الطبقة السياسية الشيعية والقيادات الجديدة التي تحاول أن تشق طريقها للتنافس مع الزعامات التقليدية يحكمها عدد من الهواجس".
وتبدو "حدة الصراع داخل الأجواء الشيعية تصاعدت خلال السنوات الماضية"، بحسب حسين الذي أشار إلى أن "صعود قيادات الجماعات المسلحة زاد من تعقيد المشهد داخل الأجواء الشيعية، خصوصاً أنها لم تعد تقبل البقاء على هامش القرار السياسي الشيعي وتحاول شق طريقها نحو الزعامة".
وأشار حسين إلى عوامل عدة "دفعت قادة الإطار التنسيقي فرض قرار عدم الترشح على السوداني"، لعل أبرزها هو أن دخوله الانتخابات "سيخلق قوة منافسة ربما تنسف وحدة (الإطار التنسيقي) ذي القاعدة الهشة من الأساس".
أما العامل الآخر، فيرتبط، وفق رأي حسين، بـ"احتمالات أن يعجل دخول حزب رئيس الوزراء للانتخابات المحلية الصراع حول الانتخابات البرلمانية المقبلة، خصوصاً أن حصول السوداني على نفوذ في مجالس المحافظات سيضع في يده قوة ساندة تمكنه من الدخول بقوة للانتخابات التشريعية".
ولفت رئيس مركز "كلواذا" إلى أن عدم مشاركة السوداني في الانتخابات المقبلة "سيجعل منه قائداً من دون قواعد سياسية صلدة وفي حاجة مستمرة لدعم قوى الإطار التنسيقي"، في حين أن مخاوفهم تأتي من "عدم وجود أرضية سياسية مشتركة تستند إليها القوى المختلفة داخله"، مبيناً أن التحالف الأكبر الموالي لإيران ليس سوى "تجمع لرؤوس مؤتلفة ومصالح مختلفة جمعهم تحدي التيار الصدري والخشية من أن يقود فشل تجربتهم إلى عودة قوية للتيار".
قلق سياسي
ولا تعد تلك المرة الأولى التي يفرض فيها على رئيس الوزراء عدم الدخول في الانتخابات، إذ منع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي من تشكيل قائمة سياسية خلال الانتخابات البرلمانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
وعلى رغم وصول السوداني إلى السلطة من خلال "الإطار التنسيقي" إلا أن الرغبة السياسية ذاتها تتكرر مرة أخرى، وهو ما يراه مراقبون تخوفاً واضحاً من احتمالية أن يزاحم النفوذ السياسي لتلك القوى.
ويعتقد رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري، أن هناك تخوفاً وقلقاً كبيرين من قبل الزعامات التقليدية لـ"الإطار التنسيقي" من إمكانية صعود الجيل الثاني والثالث من القيادات الشيعية، مبيناً أن مخاوف تلك الزعامات التقليدية دفعتهم على رغم اختلافاتهم إلى "وحدة الموقف إزاء عدم صعود القيادات الثانوية وكبح جماح أي صعود لشخصية ثانوية في الأجواء السياسية الشيعية".
ويبدو أن "القلق من صعود قيادات جديدة" يدفع بشكل مباشر إلى "انعدام الثقة بين مستويات القيادة في الإطار التنسيقي"، بحسب الشمري الذي يلفت إلى أن "أي تمرد من قبل الشخصيات الثانوية على قرارات الزعامات التقليدية في الإطار سيواجه بإقصاء كبير من العمل السياسي".
ويؤكد الشمري أن قرار السوداني عدم خوض الانتخابات المحلية المقبلة "جاء نتيجة فرض قادة الإطار التنسيقي ذلك"، مردفاً أن جزءاً من الاتفاق السياسي مع رئيس الوزراء هو "ألا يمضي باتجاه تشكيل قائمة انتخابية ولا يعمل على تفعيل تياره السياسي".
وختم القول، إن "الزعامات الشيعية قادرة على كبح جماح السوداني، لكن في حال مضي الأخير بتيار سياسي لا يعتمد المكون ويتحرر من القيد السياسي المفروض عليه، لن تتمكن قوى الإطار من السيطرة عليه"، مبيناً أن "بوادر ذهاب السوداني بعيداً من أجواء الإطار التنسيقي ما تزال غير متحققة، خصوصاً مع قبوله عدم دخول الانتخابات المحلية".