في ظل حال التدافع الحاصلة بين "فرقاء الحكومة اليمنية"، المجلس الانتقالي جنوباً والشرعية اليمنية شرقاً، واصلت الأخيرة طريق تثبيت حضورها على الأرض، وهذه المرة من محافظة المهرة بوابة البلاد الشرقية المحاذية لسلطنة عمان.
وبدأ رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الأربعاء زيارة إلى محافظة المهرة مع وفد حكومي للمرة الأولى منذ تسلمه السلطة في السابع من أبريل (نيسان) 2022، وذلك عقب أسابيع من زيارة مماثلة قام بها إلى محافظة حضرموت (شرق البلاد).
وتاتي زيارة العليمي عقب أيام من توتر العلاقة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وبحسب وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" تأتي الزيارة لهدف الاطلاع على أوضاع المحافظة ومستوى الخدمات الإنمائية المقدمة للمواطنين، وتعبيراً عن المكانة التي تحظى بها المحافظة أشاد العليمي بالدور المشرف لأبنائها في معركتي استعادة مؤسسات الدولة ومسار التنمية في البلاد، في إشارة إلى الحال الجيدة من استتباب عمل مؤسسات الدولة الخدمية والاقتصادية مقارنة بمثيلاتها من المحافظات الأخرى.
صراع الإزاحة
وتأتي الزيارة بعد أيام من الدعوة التي أطلقتها الرئاسة لمسؤولي الشرعية بالعودة لممارسة العمل من داخل البلاد، وهو الإجراء الذي مهد له رئيس الحكومة معين عبدالملك، بعودته مطلع الأسبوع الجاري إلى عدن، قبل أن يشهد "قصر المعاشيق" الرئاسي توترات عقب محاصرته من مسلحين موالين للمجلس الانتقالي الأحد الماضي، وثمة أحاديث عن محاصرة سكن رئيس الوزراء.
وتشهد المحافظة بين حين وآخر توترات في حين توجه أصابع الاتهام عادة إلى دول وجهات موالية لميليشيا الحوثي.
ومن المتوقع تدشين جملة من المشاريع ووضع حجر الأساس لأخرى في مدينة الغيظة التابعة للمهرة وبقية مناطقها الاستراتيجية، وهي التي تكتسب أهمية بالغة مع تنامي المطالب المجتمعية فيها بتحسين الخدمات فيها.
وتتميز الغيضة بمساحة شاسعة ومكانة اقتصادية جعلتها رافداً رئيساً للاقتصاد الوطني من خلال منفذيها الحدوديين مع سلطنة عمان "صرفيت وشحن"، ويمتد ساحلها الطويل لمسافة 560 كيلومتراً، فصلاً عن تنوعها البيئي الذي يجمع الساحل بالصحاري والجبال والوديان الخضراء، وموانئها الطبيعية وأهمها ميناء نشطون.
كما تشكل الحدود الشرقية مع سلطنة عمان، وثاني أكبر المحافظات اليمنية من حيث المساحة، وأقل محافظة بعدد السكان.
إدارة شؤونكم
بالنظر إلى مسار الأحداث تقف الزيارة أمام جملة من التحديات وسباق النفوذ في إطار الصراع الداخلي لعل أبرزها مساعي الشرعية اليمنية المتنامية أخيراً لتثبيت أقدامها على الأرض عقب سنوات من صراع الإزاحة مع الانتقالي الجنوبي في عدن والمحافظات المجاورة لها من ناحية، وميليشيا الحوثي شمالاً، من الناحية الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى ضوء ذلك سعت الشرعية خلال الأسابيع الماضية لتسريع وتيرة خطواتها في الإقليم الشرقي، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الانتقالي ومناصريه، في حين اعتبرها مراقبون خطوة نحو تكوين كتلة جغرافية تفرض من خلالها نفوذها شرق البلاد بخاصة محافظتا حضرموت والمهرة، وكذلك لخلق مدن إضافية في حال استمرت التوترات في عدن، وبالتالي سد الطرق أمام مساعي الانتقالي الذي يتبنى خيار مشروع استعادة الدولة وفك الارتباط مع الشرعية.
بالعودة للزيارة السابقة التي أجراها العليمي لحضرموت أواخر يونيو (حزيران) الماضي يعتقد مراقبون أنها تمكنت من ترتيب بيت الشرعية في المحافظة النفطية الكبرى ومنح أبنائها امتيازات غير مسبوقة في ما يتعلق بإدارة محافظتهم، وفقاً للوعد الذي أطلقه العليمي من المكلا حينها وبالتالي قطع الطرق أمام أي مشاريع أخرى.
وأكد حينها "التزام المجلس والحكومة بجعل المهرة في صدارة الأولويات، وتمكين أبنائها من إدارة شؤونهم الإدارية والمالية، وتشجيع الاستثمارات الوطنية في المجالات كافة"، وفي الوقت ذاته دعا "أبناء المهرة نساء ورجالاً إلى اليقظة في مواجهة خطر الاختراق من المنظمات والجماعات الارهابية، وتخادمها الصريح مع الميليشيات الحوثية المدعومة من نظام ولاية الفقيه في إيران"، في إشارة إلى بعض القوى المتهمة بموالاة الحوثيين وتنفيذ أجندة مشتركة، مؤكداً أن "محافظة المهرة اليوم لم تعد معزولة كما كانت في الماضي، بل أصبحت في قلب المعركة ضد الميليشيات الحوثية، وفي قلب المعركة من أجل التنمية". وأشاد على هذا الصعيد بجهود السعودية "الشقيقة ومواقفها الأخوية"، بقيادة ملكها وولي عهده، وقال "كان لها دور حاسم في تخفيف المعاناة عن الشعب اليمني، ومنع انزلاق البلاد إلى دائرة الانهيار الاقتصادي الشامل".
وحيا رئيس مجلس القيادة قيادة السلطة المحلية والقوات المسلحة والامن في "تعزيز هيبة الدولة، وجعل المحافظة واحة للتعايش والسلام والاستقرار"، كما أشار إلى "المكانة العظيمة التي تمثلها المهرة في التاريخ اليمني العريق، بما في ذلك لغتها الحية على مر العصور"، ووجه "باعتماد اللغة المهرية لغة أساسية ينبغي الحفاظ عليها كواحدة من أهم حلقات التراث الإنساني العالمي".