ملخص
في نهاية شهر أغسطس، تبدأ عملية التنقيب عن النفط والغاز في البلوك 9 المحاذي لحقل "كاريش" الإسرائيلي وتعويل لبناني كبير على عائدات ضخمة.
في عام 1947 شهد لبنان أول محاولة للتنقيب عن النفط، وبعد مرور ثمانية عقود انتعش الحلم من جديد بأن تتحول البلاد إلى "دولة نفطية" مع وصول باخرة التنقيب "ترانس أوشن بارنتس" إلى "حقل قانا" المشهور بالبلوك رقم 9.
ومن المتوقع أن تبدأ باخرة التنقيب التابعة لشركة "توتال إنرجيز" عملها رسمياً في نهاية شهر أغسطس (آب) الجاري، على أن تبدأ التباشير بالظهور في مدة أقصاها ثلاثة أشهر ضمن تعاون ثلاثي بين "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية وشركة "قطر" للطاقة.
كل ذلك يأتي في أعقاب اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية، الذي حصل برعاية أميركية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022.
الباخرة وصلت
نهار الأربعاء 16 أغسطس، أعلن كل من وزير الأشغال العامة اللبناني علي حمية، وشركة "توتال إنرجيز" الفرنسية عن وصول باخرة التنقيب إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان.
جاء إعلان حمية من خلال تغريدة على موقع "إكس"، حيث كتب "وصلت باخرة التنقيب عن النفط والغاز في البلوك 9 إلى نقطة الحفر المحددة لها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الشركة الفرنسية فقد عبرت عن تفاؤلها بوجود ثروات في حقل "قانا"، مشيرة إلى وصول الباخرة "ترانس أوشن بارنتس" إلى الرقعة المستهدفة في البلوك 9 على بعد 120 كيلومتراً من بيروت في المياه اللبنانية، إلى جانب مروحية للدعم بمطار بيروت ستتولى نقل فريق العمل إلى منصة الحفر.
تنظر المتخصصة في مجال الطاقة ديانا القيسي بإيجابية إلى بدء عمليات التنقيب، وتؤكد أن "كلفة التنقيب تساوي 100 مليون دولار، ومجرد بدء الشركات الأجنبية باستثمار مبلغ كهذا في لبنان هو مؤشر جيد إلى وجود بيئة ملائمة ومناخ استثماري سمح للشركات الدولية باستكمال التزاماتها حيال لبنان".
تشير القيسي إلى "احتمال الوصول إلى البئر بنسبة 20 في المئة"، مستدركة "لكن مجرد بدء العملية يشكل مؤشراً إلى إيمان الشركات بأن هناك إمكانية لوضع لبنان على المسار الصحيح، وأن يتحول إلى بلد نفطي".
من جهته يشرح المنسق العام للتحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة مارون الخولي، المسار الذي ستسلكه عملية التنقيب بالقول إن وصول منصة الحفر "ترانس أوشن بارنتس" إلى البلوك رقم 9 في جنوب لبنان يندرج في إطار التزام شركة "توتال إنرجيز" باتفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل، بحيث ارتكز هذا الاتفاق على أساس البدء بالتنقيب فور التوقيع عليه، معتبراً أن "هذا الالتزام كان المكسب الرئيس للبنان من هذا الاتفاق الذي أعطى لشركات التنقيب الضمانة الدولية لاستخراج النفط من منطقته الاقتصادية، وخصوصاً البلوكات الجنوبية 8 و9 و10".
ويتطرق الخولي إلى "الاستراتيجية الفرنسية التي ارتكزت على ثلاثة مستويات: الأول سياسي وفقاً لاتفاق الترسيم، والثاني اقتصادي ربحي، والثالث استراتيجي يتعلق في حاجة القارة الأوروبية إلى تأمين حاجاتها من النفط والغاز بديلاً عن المصدر الروسي خصوصاً بعد الحرب على أوكرانيا".
كما يتحدث الخولي عن المسار التقني للتنقيب، فـ"بعد أن تتجهز الباخرة لوجيستياً تبدأ العملية التي تتطلب من 70 إلى 80 يوماً بعد البدء بعملية الحفر والاستكشاف للوصول إلى العمق الأقصى المحدد بنحو 4350 متراً، ومن الممكن أن يأخذ الحفر فترة أطول في حال التوصل إلى اكتشاف، على أن تصدر النتائج بعد هذه المدة. وعليه فإن من المتوقع أن تظهر نتائجه خلال شهرين ونصف الشهر".
لماذا البلوك 9؟
يشير الخولي إلى أنه "تم اختيار البلوك رقم 9 دون غيره من البلوكات الـ10، لأن له علاقة في الأساس بعقد الاستخراج والاستكشاف للبلوكين4 و9 الموقع بين لبنان وتحالف (توتال) و(إيني) و(نوفوتاك) التي حلت مكانها شركة (قطر) للطاقة، بالتالي فإن التحالف محكوم وفق العقد بالتنقيب في هذين البلوكين دون غيرهما"، مذكراً بما حصل في البلوك رقم 4 الذي بدأت فيه عملية الاستكشاف عام 2020، لكنه لم يحمل كميات واعدة تجارياً من النفط والغاز. ومن هنا فإن عملية التنقيب في البلوك رقم 9 تأتي في إطارها الطبيعي.
يلفت الخولي إلى أن هذا البلوك، وبعد اتفاقية ترسيم الحدود، دخل في ترتيب مختلف لما تم التوقيع عليه في العقد الأصلي الموقع بين التحالف ولبنان، إذ إن موقع الحفر الأنسب هو أقرب إلى جهة حقل "كاريش"، منوهاً بأن حقل "قانا" يمتد على طول 25-30 كيلومتراً داخل المياه اللبنانية.
وينبه الخولي إلى عامل آخر مؤثر هو أن "حصة إسرائيل من الأرباح في حال تجاوز حقل (قانا) الخط 23 هي 17 في المئة تتكفل (توتال إنرجيز) دفعها من أرباحها للجانب الإسرائيلي".
ويصف مارون الخولي البلوك رقم 9 بـ"الاستراتيجي والسيادي للبنان"، مضيفاً أنه "واعد نظراً إلى تطابق الطبقات الجيولوجية والجيوفيزيائية مع حقل (كاريش) الذي تبلغ احتياطات الغاز فيه 1.75 تريليون قدم مكعب، ناهيك بالتصريح الصادر عن الشركة الفرنسية التي عبرت عن تفاؤلها بوجود ثروات في حقل (قانا)، وهذه التصاريح في العادة لا تصدر عن شركات التنقيب إلا في حالات نادرة، ومع وجود معطيات إيجابية".
الغطاء الدولي
تتحدث ديانا القيسي عن المسوح الزلزالية التي شملت كامل البحر اللبناني بمساحة 22 ألف كيلومتر مربع، وقد لعبت دوراً في العثور على الطاقة في البلوك 9 القريب من حقل "كاريش" الذي بدأت إسرائيل باستثماره.
وتضيف أن "المرحلة الاستكشافية هي خطوة أولى، وفي نهايتها سنكون أمام احتمال من اثنين، إما أن تعلن الشركة عدم إصابة المكمن، أو تعلن اكتشاف غاز في (قانا). وعندها يجب دراسة الكمية وهل هي تجارية أم لا؟ ومن ثم يتضح مدى كفايتها لتأمين نفقات استخراجها التي تصل إلى 100 مليون دولار".
وتأمل القيسي في أن "يكون الحقل بالكامل داخل المنطقة اللبنانية الخالصة شمال الخط 23 لعدم الدخول في تعقيدات، لأنه في هذه الحال ستكون كل العائدات لصالح لبنان والشركة المستثمرة حصراً، لكن في حال وجود تداخل، أي وقوع الحقل جزئياً إلى الجنوب من الخط 23، ستطبق اتفاقية الإطار الموقعة بين (توتال) وإسرائيل من أجل منحها جزءاً من الأرباح".
وتعود القيسي إلى "التداخل الذي يمكن أن يحدث ويضع لبنان أمام مسار طويل"، مذكرة بتجربة استكشاف حقل "أفروديت" في 2011 ووقوعه نسبياً بين إسرائيل وقبرص، وموضحة "حتى اليوم لم يستثمر هذا الحقل بسبب عدم الاتفاق على كيفية ترجمة الواحد في المئة المتداخلة".
تعتقد ديانا أن "عدم وجود لبنان على الطاولة وتسليم أمر التفاوض إلى شركة من شأنه أن يضع علامات استفهام حول عوائد لبنان"، مضيفة "في حال وصول الشركة وإسرائيل إلى مرحلة التفاوض يجب التركيز على تعهدات الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين بعدم إطالة المفاوضات، لكن هناك تساؤلات عن مصير الضمانات في حال تغيرت الإدارة الأميركية، أو حتى ظهور مزيد من التشدد في أوساط الحكومة الإسرائيلية".
وحول المسار الذي يعقب العثور على الثروة الغازية والنفطية، والسوق التي ستضخ فيها هذه الثروة داخلياً أو إقليمياً، تنوه القيسي بـ"حاجة لبنان إلى بنى تحتية محلية ومنشآت، وتحديد المسؤول عن تنفيذها، وآلية اقتطاعها من العائدات، وصولاً إلى الإنتاج الذي سيستغرق ما لا يقل عن ست سنوات تلي الإعلان عن اكتشاف الثروة".
وشددت على "وجوب تسوية الوضع القانوني لهيئة إدارة البترول، وتعيين الأشخاص الذين يشكلون أعضاء مجلس الإدارة إذ يوجد حالياً ثلاثة أعضاء فقط، مع رصد موازنة كافية للقيام بعملها كهيئة ناظمة للمفاوضة ومراقبة عمل الشركات، وعدم الاعتماد على المساعدات الدولية، وتكريس الشفافية لأن الممارسة حتى الآن لا تشي بذلك، فعلى سبيل المثال رفض وزير الطاقة وليد فياض منح النائبين فادي كرم وجورج عقيص المعلومات حول البلوك رقم 4 بحجة المساس بالأمن القومي".
مدخل النهضة
تبلغ حصة لبنان من التنقيب عن الغاز 62 في المئة مقابل 38 في المئة للشركات المتعاقدة على الاستخراج في البلوكين 4 و9. ويعتقد الخولي أن "معايير تلك الأرباح ارتكزت في الأساس على جذب الاستثمارات الأجنبية في بيئة غير مستقرة سياسياً وأمنياً. وهذا الأمر يجعل من عملية توزيع الأرباح غير متكافئة لمصلحة لبنان، لكنها عادلة وفقاً للظروف الجيوسياسية المعروفة".
ويعتقد المنسق العام للتحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة أن "استخراج الغاز الطبيعي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في الاقتصاد الوطني في لبنان لكنه ليس كافياً وحده لتحقيق نهضة اقتصادية. من هنا فإن هناك جملة شروط تتعلق بالحوكمة لا بد من تكريسها في الممارسة".
ويضيف "من أجل تحقيق فوائد قصوى لقطاع الطاقة يجب تنويع الاقتصاد الوطني بحيث لا يعتمد بشكل كامل على قطاع الطاقة لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام، واستثمار جزء من عائدات استخراج الغاز في تطوير البنية التحتية لتعزيز البنية التحتية المتهالكة في لبنان، وتوفير فرص عمل، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين".
كما يتطلب الأمر بحسب الخولي "إبعاد هذا القطاع عن المشكلات المحتملة مثل الفساد، وتأمين مساءلة شفافة تساعد في منعه وضمان استغلال موارد الطاقة بكفاءة وفاعلية".
ويعتقد أن "لبنان قطع تشريعياً شوطاً كبيراً من خلال تشريعه عديداً من القوانين الخاصة بتعزيز الشفافية في قطاع النفط، من قانون حق الوصول إلى المعلومات، إلى قانون تعزيز الشفافية، وقانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والسجل البترولي، إضافة إلى إعلان لبنان الانضمام عام 2017 إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية EITI، وهي مبادرة دولية تعمل على تحسين الخبرات، وتعزيز شفافية الصناعات الاستخراجية، والحكم الرشيد".