قطعت قنوات التلفزيون الروسية برامجها بشكل غامض مدة ساعة تقريباً ليلة وقوع انفجار نووي قاتل لتبثّ رسالة تحذيرية حول عاصفة لم تصل قطّ.
وظهرت الرسالة على قنوات التلفزيون في موسكو يوم الخميس بعد مرور ساعات على مقتل خمسة مهندسين نووييّن روس جرّاء انفجار دوّى أثناء اختبارهم محركاً صاروخياً جديداً في مدينة أرخانغلسك على بعد 600 ميل شمال العاصمة.
ونقلت صحيفة "آر بي كا" المحلية أن المشاهدين اضطروا إلى تحمّل استبدال بث البرامج طوال 53 دقيقة برسالة من وزارة الطوارئ تحذرهم من هبوب رياح عاتية وأمطار غزيرة في الليلة التالية.
وقالت الرسالة التي ظهرت مكتوبة على خلفية زرقاء ومسجّلة بصوت نسائي "يتوقع هبوب رياح عاتية. احتموا في مبنى منيع. لا تلجأوا أو تركنوا سياراتكم تحت الأشجار والمباني المتداعية. توخّوا الحذر واتصلوا بالنجدة على الرقمين 01 و101".
غير أن العاصفة المتوقعة لم تهبّ قط وبررّت قناة حكومية في ما بعد ظهور الرسالة على أنه نتيجة خطأ في نظام إنذار العواصف لديها بحسب ما أفادت صحيفة نيويورك تايمز.
وجاءت الرسالة في أعقاب حادث ما زالت ملابساته سرية لكن الوكالة الاتحادية للطاقة الذرية الروسية، "روساتوم"، أفادت بأن هذا الحادث وقع أثناء اختبار المهندسين "مصدر طاقة نظائري نووي" لمحرك صاروخي. وتسببت هذه المأساة بتزايد المخاوف من حصول تلوّث إشعاعي كما أثارت التساؤلات حول وجود برنامج سري لتطوير الأسلحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما طلبت السلطات يوم الثلاثاء من سكان قرية مجاورة "إخلاء المكان".
ولم تقدّم السلطات أي تفسير رسمي بعدما أشار جهاز الأرصاد الجوية الحكومي في روسيا إلى ارتفاع مستويات الإشعاع في مدينة سيفيرودفنسك القريبة التي يبلغ عدد سكانها 183 ألف نسمة، زهاء 16 مرة بعد وقوع الانفجار.
واًصّرت وزارة الدفاع الروسية من جانبها على عدم وقوع تسرب إشعاعي على الإطلاق، وهو زعم أدى إلى مقارنة الوضع بمحاولات التستر على الكوارث أثناء الحقبة السوفياتية. وهرع السكان الخائفون لشراء اليود الذي يساعد في تخفيف أضرار التعرض للإشعاعات.
وكشفت وكالة الأنباء الروسية "تاس" يوم الثلاثاء أيضاً أنّ المسعفين الذي عالجوا ضحايا الحادث أرسلوا إلى موسكو للفحص الطبي.
ونقلت الوكالة عن مصدر طبي لم تسمّه قوله إن المسعفين الذين أرسلوا إلى موسكو وقّعوا اتفاقاً سرياً يتعهدون فيه بعدم الإفصاح عن أية معلومات خاصة بالحادث.
في هذه الأثناء، أقيمت يوم الإثنين جنازة المهندسين النوويين الخمسة الذين قضوا في الانفجار وسط حشد من آلاف المعزّين. ودفن المهندسون في مدينة ساروف التي تضم أهم مركز لأبحاث الأسلحة النووية في روسيا حيث كانوا يعملون.
ونكّست الأعلام في المدينة التي تبعد 230 ميلاً شرق العاصمة موسكو، وهي قاعدة لبرنامج الأسلحة النووية الروسي منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي. وعرضت التوابيت في الساحة الرئيسة لمدينة ساروف قبل اقتيادها إلى المدافن.
قالت وزارة الدفاع في بادئ الأمر إن الانفجار الذي وقع في ميدانٍ لاختبار الأسلحة تابعٍ للبحرية على مقربة من قرية نيونوسكا في شمال غربي منطقة أرخانغيلسك أدى إلى مصرع شخصين وإصابة ستة آخرين.
لكن وكالة "روساتوم" الحكومية عادت لتقول أثناء عطلة نهاية الأسبوع إن الانفجار قتل أيضاً خمسة من موظفيها وتسبب بجرح ثلاثة غيرهم. وليست الحصيلة النهائية واضحة بعد.
وقالت الشركة إن الضحايا كانوا على متن منصة بحرية من أجل اختبار محرك صاروخي قبل أن يقذف الانفجار بهم إلى البحر.
أثنى مدير "روساتوم"، أليكسي ليخاتشيف، على الضحايا ووصفهم بـ "الأبطال الحقيقيين" و"فخر البلاد".
وأفادت روساتوم أن ليخاتشيف قال أثناء مراسم الدفن "أفضل تكريم لهم هو استكمال عملنا على تطوير أسلحة جديدة وهذا ما سنفعله بالطبع. سوف نلبي أوامر وطننا ونحمي أمنه بالكامل".
وأغلقت السلطات الروسية في أعقاب الانفجار أيضاً بعض أجزاء خليج دفينا باي على البحر الأبيض أمام حركة الملاحة، في محاولة لمنع الغرباء من مشاهدة عملية استرداد حطام الصاروخ.
وقالت الإدارة المحلية في مدينة سيفيرودفينسك إن مستوى الإشعاع ارتفع إلى حد 2 ميكروسيفرت بالساعة لمدة ثلاثين دقيقة تقريباً يوم الخميس قبل أن يتراجع إلى المستوى الطبيعي وهو 0.1 ميكروسيفرت في الساعة. وأصدر مسؤولو الطوارئ إنذاراً إلى العاملين كافة بالبقاء في الداخل وإغلاق النوافذ.
ويعدّ مستوى الإشعاع إن وصل إلى 2 ميكروسيفرت في الساعة أعلى بقليل من مستوى إشعاع الخلفية العادي الذي يتراوح بين 0.1 و0.4 ميكروسيفرت في الساعة. وهو أدنى من مستوى الإشعاعات الكونية التي تتعرض لها طائرات المسافرين المدنية خلال الرحلات الطويلة.
ولم تعلن السلطات الإقليمية عن أية زيادة في مستوى الاشعاعات بعد ارتفاعها يوم الخميس.
وناشدت المجموعات الروسية البيئية من جانبها الحكومة الإعلان عن تفاصيل التسريب الإشعاعي لكن المسؤولين لم يقدموا معلومات إضافية.
ولم تحدد وزارة الدفاع أو وكالة "روساتوم" نوع الصاروخ الذي انفجر خلال الاختبار، واكتفتا بالقول إنه كان يعمل بالوقود السائل.
لكن "روساتوم" أتت على ذكر "مصدر طاقة نووي نظائري" ما دفع ببعض وسائل الإعلام الروسية إلى الاستنتاج بأن الصاروخ المعني هو بوريفيستنيك (بيتريل) وهو صاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية كان أول من كشف عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مارس (آذار) 2018 خلال خطاب للأمة تحدث فيه عن مجموعة من الأسلحة الفتاكة.
وأدلى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، برأيه حول الانفجار يوم الاثنين فغرّد قائلاً "ترِد الولايات المتحدة الأميركية الكثير من المعلومات حول الانفجار الصاروخي في روسيا. لدينا تكنولوجيا مماثلة إنما أكثر تطوراً. انفجار صاروخ "سكاي فول" الروسي أثار قلق الناس بشأن الهواء المحيط بالمنشأة والبعيد منها. هذا ليس جيداً!"
وبحث كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي صناعة الصواريخ العاملة بالطاقة النووية في ستينيات القرن الماضي لكنهما تخلّتا عن هذه المشاريع لكونها غير مستقرة وخطيرة.
وأثناء تقديمه الصاروخ الجديد، زعم بوتين إن مجاله غير محدود مما يسمح له بالدوران حول الأرض من دون أن يلاحظه أحد ويتخطى دفاعات العدو الصاروخية ليقصف من غير أن تكشفه. وادّعى الرئيس أن الصاروخ نجح في الاختبارات الأولى، ولكن المراقبين شككوا في هذا الزعم معتبرين أنّ التعامل مع سلاح من هذا النوع صعب ومضرّ بالبيئة.
وأشارت تقارير إلى إجراء اختبارات سابقة على الصاروخ في أرخبيل نوفايا زيمليا القطبي القاحل وفي ميدان اختبار الأسلحة "كابوستين يار" جنوب روسيا قبل نقلها إلى نيونوكسا. ربّما يعكس نقل الاختبارات من مناطق غير مأهولة بالسكان إلى ميدان اختبار مجاور لمدينة كبيرة تعاظم ثقة القوات العسكرية بالسلاح الجديد.
وقال مدير مركز ساروف النووي، فالنتين كوستيوكوف، إن الضحايا حاولوا الحؤول دون الانفجار وفشلوا. وتابع شارحاً "رأينا أنهم حاولوا استعادة السيطرة على الوضع".
أكّد سيرغي كيريينكو، نائب رئيس إدارة شؤون الرئاسة، الذي ترأس في السابق وكالة "روساتوم"، من جانبه، خلال المأتم أنّ الضحايا كانوا يدركون المخاطر ولكنهم "جازفوا بحياتهم وهم يعون أن لا أحد غيرهم يستطيع أن يؤدي هذا العمل بطريقة أفضل منهم". وأضاف أنهم سيُقلدون أعلى الميداليات بعد وفاتهم.
تغطية إضافية من الوكالات
© The Independent