Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع في الميدان الأوكراني للدفاع عن كوبيانسك من "بلطجية بوتين"

تشكل هذه المدينة الشمالية الشرقية هدفاً رئيساً لروسيا في محاولتها للرد على الهجوم الذي تشنه أوكرانيا عليها منذ مطلع الصيف

قوات أوكرانية في المنطقة المحيطة بكوبيانسك (القوات المسلحة الأوكرانية)

ملخص

تتعرض مدينة كوبيانسك إلى قصف متواصل، وفي الخلفية لقاءات مع السكان والجنود الذين يتصدون للاعتداءات يومياً.

تقول أنتونيا سامويلسكا وهي تسير بخطوات متثاقلة في شارع مهجور من كوبيانسك، متعكزة على عصا تساعدها في المشي: "هنا أبصرنا النور وقضينا حياتنا كاملة، وسنموت هنا. ليس لدينا منزل في أي مكان آخر، وسيتعين علينا أن نتقبل مصيرنا". 

في تلك اللحظة، قطع دوي نيران المدفعية سكون الظهيرة الحارة تحت أشعة الشمس الحارقة، وسقطت ثلاث زخات من طلقات المدفعية بسرعة الواحدة تلو الأخرى على مسافة غير بعيدة، فانتشر الغبار والركام في الهواء وارتفعت أعمدة الدخان وألسنة اللهب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسألت سامويلسكا عندها "أرأيت ذلك؟ هذا ما يحدث كل يوم الآن. يقتربون أكثر فأكثر، ماذا يحاولون أن يستهدفوا؟ ليست سوى منازل فارغة، رحل معظم السكان. يستهدف هذا المكان منذ بداية الحرب. نعمنا ببعض السلم بعدها ثم عاد القصف مجدداً". 

وتيرة الهجمات لا تهدأ. يوم الأحد، جرح 11 شخصاً، أصيب سبعة من بينهم بإصابات بالغة بعدما استهدفت نيران المدفعية كوبيانسك الواقعة شمال شرقي أوكرانيا. واستمر القصف المتقطع ساعات عدة، مشعلاً النيران في السيارات والمباني.

تغيرت سلطة الحكم في المدينة التي تفصلها أقل من ساعتين بالدبابة عن خاركيف - ثاني أكبر المدن الأوكرانية - بعد الغزو الذي شنه فلاديمير بوتين. استولى الروس عليها في بداية الحرب ولبثت ستة أشهر تحت الاحتلال. ثم أعيد تحريرها خلال الخريف الماضي إبان هجوم أوكراني خاطف اكتسح المنطقة وحقق مكاسب كبيرة.  

والآن، فيما يصب العالم تركيزه على الهجوم الأوكراني المضاد الذي شن مطلع الصيف وحظي بدعاية كبيرة، على رغم تقدمه ببطء، حشدت موسكو قوات ضخمة - وأطلقت هجومها الخاص باتجاه خاركيف. وتشكل كوبيانسك، المركز اللوجستي الرئيس، أي هدفها الأول. 

تضم القوات أكثر من 100 ألف عنصر روسي، و900 دبابة و555 نظام مدفعية و375 مدفع ذاتي الحركة وفقاً لسيرهي شيريفاتي، المتحدث باسم أوكرانيا للجبهة الشرقية. وشدد الجنرال أوليكساندر سيرسكي، رئيس القوات المسلحة، على جدية التهديد الذي يواجه خطوط الدفاع في الشمال الشرقي. ويقول إن "هدف العدو هو إحداث خرق باتجاه كوبيانسك مباشرة. ويدور قتال عنيف جداً، فيما تغيرت الجهة المسيطرة على بعض المواقع مرات عدة. نحن نقوم بكل التحضيرات الضرورية".

ومن جهتها، تقول نائب وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار إن "كوبيانسك ما تزال النقطة الأشد سخونة". ومن الواضح أن الروس "يريدون استعادة الأراضي التي خسروها في منطقة خاركيف".

وتعين نقل قوات من مهمات قتالية في الجنوب وفي محيط منطقة باخموت الشرقية إلى جبهة كوبيانسك تعزيزاً لدفاعات المدينة. ولا تبعد المدفعية الروسية أكثر من خمسة أميال من المدينة. ويدور قتال شرس في القرى النائية تستخدم فيه القوات الأوكرانية ذخائر عنقودية حصلت عليها أخيراً في معرض التصدي لهجمات العدو المتكررة.

نقل أكثر من 11 ألفاً من السكان بموجب أمر إجلاء إلزامي، أعطى الأولوية للأطفال والمسنين. عاند بعضهم، مثل أنتونيا، أمر الانتقال على رغم اختبارهم لأعمال العنف بشكل مباشر. نجا زوجها نيكولاي البالغ من العمر 75 سنة، بالكاد، عندما ذهب ليتفقد منزل ابنتهما وصهرهما في قرية بيتروبافليكا، تحسباً من كونه تضرر أو نهب.

نزل صاروخ على القرية الواقعة على الجبهة، فجرح بعض الأشخاص الذين قصدوا المكان من أجل نقل الأثاث من منزلهم. أصيب نيكولاي ببعض الجروح الطفيفة. وتقول أنتونيا "كان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ بكثير". ذهب صهرهما، سيرهي، إلى ألمانيا لإجراء جراحة في رجله بعد إصابته بشظايا إثر انفجار.

وتقول أنتونيا "يتحدثون عن إجلائنا إلى خاركيف. لكننا لا نملك المال لاستئجار أي مكان هناك، ولا نريد أن ينتهي بنا الأمر في ملجأ (للمهجرين). ثم هناك الحيوانات. نحن نعتني بحيوانات جيراننا الأليفة بعد رحيلهم. لا يمكننا التخلي عنها ببساطة. قد يسخر بعضهم لكننا نحب الحيوانات. فهي ليست عديمة الرحمة كالبشر".

تعيش سفيتلانا برفقة ابنها يفغيني البالغ من العمر 14 سنة في ناحية من كوبيانسك تتعرض لقصف عنيف. كان من المفترض أن تشمل هذه المنطقة ضمن قوانين الإجلاء الإلزامية لكن سفيتلانا تقول إنهم لم يتلقوا أي اتصال من المسؤولين. يبدأ القصف على حيهم كل يوم، في نهاية فترة بعد الظهر، وتنقطع عنهم المياه كما التيار الكهربائي طوال ساعات على إثر الضربات.  

تمتع يفغيني في السابق بشخصية مندفعة وكان يعشق الرياضة -وهو ملاكم حائز على جوائز- في المدرسة. لكنه أصبح منعزلاً ومتوتراً، وظهرت بضع شعرات رمادية في رأسه خلال الأسبوعين الماضيين. رحل معظم الطلاب في مدرسة يفغيني عن المنطقة. وفيما المدرسة مغلقة الآن خلال العطلة الصيفية، فستقدم الدروس عن بعد فقط، عندما أو في حال عادت لتفتح أبوابها. يشعر الفتى أن ذلك سيفاقم شعوره بالعزلة. ويقول، إذ يجفل من صوت قذائف الهاون التي تسقط على أطراف المقاطعة "لا يروقني البقاء هنا، علينا الرحيل. المنطقة هنا موحشة وخطرة". 

وتتحدث سفيتلانا عن مخاطر أخرى تختلف عن القذائف والصواريخ. فهم يعزلون عن العالم ويتعذر عليهم الاتصال بأشخاص آخرين في حال وقع أي طارئ، عندما يؤدي انقطاع التيار الكهربائي إلى قطع الإنترنت. وتضيف "نحن وحدنا هنا ونقلق من اللصوص وغيرهم من المجرمين".

وتقول أولينا، وهي سيدة تسكن في المنطقة مع شقيقتها "بدأت بعض مجموعات الرجال تأتي إلى هنا. لا شك في أنهم لصوص لكن في هذا المكان بعض الأشخاص الذين يحبون الروس، ويريدون عودتهم. والجنود منهمكون بالقتال، بينما لا نرى عناصر الشرطة أبداً بعد هبوط الليل. يعودون لمنازلهم في خاركيف". 

ويقر أفراد الشرطة الأوكرانية في السر أن سبب مغادرتهم كوبيانسك هو خوفهم من وجود عملاء يختبئون داخل المدينة وينوون استهدافهم.  

نفذت عمليات متكررة ضد أشخاص يشتبه بأنهم مخبرين. منذ بضعة أيام، اعتقل جهاز المخابرات، إس بي يو، رجلاً يشتبه بأنه أرسل معلومات إلى العدو عن مسارات طيران المروحيات العسكرية الأوكرانية وتحركات الأرتال العسكرية وصوراً لمواقع عسكرية في الميدان. 

شهدت هذه المناطق تاريخياً انقساماً في الولاءات. كانت القوات الأوكرانية انسحبت من كوبيانسك التي تبعد 25 ميلاً عن الحدود الروسية، عندما تقدم الروس باتجاه المنطقة في فبراير (شباط) 2022. سلم رئيس بلدية المدينة، هينادي ماتسيغورا، مفاتيح المدينة للغزاة وناشد المواطنين عدم المقاومة. وجهت إليه الحكومة في كييف تهمة الخيانة. لكنه اختفى - ويعتقد بأنه عبر الحدود. 

علقت ملصقات كتب عليها "نحن وروسيا شعب واحد" و"توحدنا من جديد بعد طول انتظار" مع دخول القوات الروسية المدينة. ما تزال بعض تلك الملصقات الممزقة جزئياً معلقة على الجدران. وما تزال آثار ألوان العلم الروسي الباهتة، الأحمر والأبيض والأزرق، موجودة على أجزاء من قضبان الجسر المدمر فوق نهر أوسكيل، الذي كان يربط جزئين من المدينة.   

استقرت قوات الاحتلال. شعر بعض عناصرها بأنهم سيعيشون مستقبلاً لا يعكر صفوه شيء في المدينة، ووصلت بهم الثقة إلى درجة شراء عقارات فيها. وتقول مجموعات المتطوعين إنها أجلت بعض النساء المحليات الحوامل من شركائهن الروس. وبالنسبة إلى الشركاء، فإما ألقي القبض عليهم أو قتلوا أو فروا. وانضم إلى الجنود الذين رحلوا إلى روسيا 140 عنصراً من شرطة المدينة التي تضم 170 عنصراً.

تعد منظمة "نجوت" (I am Saved) من أنشط المنظمات في عمليات الإجلاء. وتواصل معها أشخاص يشتبه بأنهم عملاء، يستميتون من أجل الخروج من المدينة.

ويقول دميتري لوجينكو، أحد أعلى المسؤولين عن الفرق "إن النقطة التي ميزتهم عن غيرهم هي أنهم عرضوا علينا كثيراً من المال لكي نخرجهم. أرادوا بشدة أن يتفادوا عملية التدقيق التي تجريها السلطات الأوكرانية في كل من يغادر الأراضي المحتلة سابقاً. يرجح أنهم لم يتمكنوا من بلوغ روسيا وحاولوا الهرب قبل أن يقبض عليهم".  

تنفذ المنظمة الآن عمليات إجلاء. لكن أعداد الأشخاص الذين تخرجهم من المدينة انخفضت بحدة نظراً إلى انخفاض عدد سكان المدينة التي كانت تضم 25 ألف نسمة قبل الحرب. يعتقد دميتري بأن بعض الذين يبقون في المدينة ينتمون إلى الطابور الخامس. ويقول "أعرف بعض عناصر الشرطة، وهم لا يبقون داخل كوبيانسك ليلاً بالطبع. فلا شيء يردع أي شخص عن رمي قنبلة داخل المكان الذي ينامون فيه. من سيلاحظ دوي انفجار آخر بين كل هذه الانفجارات؟".

زرت كوبيانسك بعدما استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها خلال الخريف الماضي. وعدد كبير من الأشخاص الذين تحدثت إليهم تعرضوا للاعتقال والتعذيب على يد الروس، وحملوا المخبرين مسؤولية ما حدث لهم.

اقتيد سيرهي بيومينكو إلى مركز الشرطة الرئيس حيث تعرض لضرب مبرح. وقال "اتهموني بالتجسس لصالح الجيش الأوكراني. فتشوا منزلي وقالوا إنهم عثروا على جهاز اتصال سري. كان كلامهم محض هراء، إذ ما وجدوه هو جهاز راديو قديم. أنا فني كهرباء وهذه الأشياء موجودة عندي بطبيعة الحال".

"فقدت أربعة أسنان وأصبت بكسور في ضلعين وملأت الكدمات جسمي. أنا غاضب جداً مما حدث لي. لا شك في أن بعض الناس موالون لروسيا. دفع الروس معاشات لبعضهم، أظنها بلغت حوالى 12 ألف روبل (175 جنيه استرليني) وفرح هؤلاء. ربما اعتقدوا بأنه عليهم أن يشوا بأحدهم في المقابل - وقام أحدهم بتلفيق أمور عني".

سرعان ما بدأ القصف الروسي على كوبيانسك بعد ذلك: عدت في فبراير لأجد معظم أجزاء المدينة مدمرة، فيما غطى ثلج الشتاء وجليده المباني المحطمة.

سادت الجبهة حال من الجمود الدموي، تخللته اشتباكات متواصلة. استهدفتنا النيران مرات عدة أثناء مواكبتنا دورية استطلاع. وقال النقيب أرتيم فلاسينكو من الكتيبة الـ92 "ما نواجهه هنا هو عدو قوي ومصمم. لا نحارب جنوداً جندوا منذ وقت قريب ولا مجرمي فاغنر، بل نرى الآن قوات سبيتسناز (القوات الخاصة) هنا. وهم عناصر أشداء ويحاولون الالتفاف وراء خطوطنا. نفقد رجالاً متمرسين في القتال. ونستمر بالاشتباك معهم لصدهم لكن قوات سبيتسناز تعود المرة تلو الأخرى".

تقدم الروس الذين عززوا قواتهم وجددوا أسلحتهم منذ ذلك الوقت. ويقول أحد الضباط في الكتيبة 138 في منطقة كوبيانسك إنه واجه وقواته هجمات شرسة من الروس.

ويضيف "يبدو بأنهم تعلموا من أخطائهم. عندما ندفعهم إلى التراجع، ونتقدم، ينتظرون ريثما نصل إلى المكان في مجموعات قبل أن يضربوننا بنيران قوية جداً. أصبحت رؤيتهم جيدة بفضل الطائرات المسيرة الآن".

"رأيت انتقاداً من بعض الأشخاص في الـ"ناتو" (تقرير من القوات الألمانية المسلحة) للجيش الأوكراني لأنه ينقسم إلى مجموعات صغيرة خلال العمليات. هذا أحد الأسباب التي تجعلنا نفعل ذلك. علينا تكييف تكتيكاتنا. والمشكلة الحقيقية التي نواجهها مجدداً هي الذخيرة، إذ تستمر بالنفاد لدينا بينما يبدو أن الروس يملكون كميات أكبر بكثير منا، مثل قبل".

ويقول الضابط إنه ورفاقه على علم بوجود عدو داخلي، عندما يواجهون الجبهة. ويشرح أن "القصف الروسي على مواقعنا دقيق إلى درجة تفاجئك أحياناً، وهو ما يدفعك للتفكير بأنهم يحصلون على معلومات عن مواقع من مصدر قريب منا. لدينا إجراءاتنا الأمنية لكن من المستحيل أن نعمل بسرية تامة". 

"نحن نلجأ إلى بعض المنازل المهجورة لكننا نحاول عدم البقاء في (منزل) واحد لفترة طويلة. للصراحة، كثير من الشباب يفضلون البقاء في خنادق خارج المدينة كي يشعروا بأمان أكثر قليلاً. انظر، أعلم بأن معظم الأشخاص الذين بقوا في المدينة وطنيون ويدعموننا. إنما علينا القبول بأن بعضاً منهم لا يحبوننا ببساطة، ويحبون الروس".

لن تغادر أنتونيا ميتانييفا، 63 سنة، كوبيانسك في الوقت الحالي. ولد زوجها يفغيني الذي اقترنت به منذ 41 سنة، في روسيا.

وتقول، وهي تضع عقداً صنعته لها ابنة الجيران ذات الـ14 ربيعاً بألوان العلم الأوكراني "لا يمكنه أن يصدق ما فعله الروس. إنه غاضب وحزين في الوقت نفسه. لقد قطعنا كل صلة لنا بعائلته في روسيا لأنهم يصدقون كل البروباغاندا التي يلقنونهم إياها".  

"رحلت أسرة الفتاة عن المنطقة، فهذا المكان غير مناسب لصغار السن. نشعر بأن تقدمنا في السن يحول دون انتقالنا - لكن إن بدا لنا بأن الروس يستولون على المنطقة من جديد، فسنذهب ونقصد الأراضي الأوكرانية، أنا والروسي خاصتي. لا يجمعنا أي قاسم مشترك مع بلطجية بوتين".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات