ملخص
أقرت موسكو إجراءات على غرار غلق وسائل إعلام تابعة لـ"فاغنر" مما أعطى انطباعاً بأنها تسعى لإنتاج نسخة جديدة من المجموعة
أثار مقتل زعيم مجموعة "فاغنر" الروسية يفغيني بريغوجين جدلاً بالنظر إلى الأنشطة التي كان يرعاها في أكثر من منطقة في العالم، ما يطرح تساؤلات عن مستقبل المجموعة لا سيما في ظل الخطوات التي يقودها الكرملين لإعادة هيكلتها منذ التمرد الذي قاده الرجل في 23 يونيو (حزيران) الماضي، وبعد الدور الحاسم الذي لعبته في معركة باخموت، فإن التساؤلات تطرح اليوم أيضاً حول الوضع في أوكرانيا، التي تتعرض لهجوم روسي منذ أكثر من سنة ونصف السنة، في ضوء مقتل بريغوجين الذي قضى في تحطم طائرة خاصة لدى تنقله من موسكو إلى سان بطرسبورغ في حادثة لم يتضح بعد ما إذا كانت تقف خلفها جهة محددة أم إنها بسبب عطل تقني أو غير ذلك من الأسباب.
"فاغنر" جديدة موالية للكرملين
ومنذ الـ23 من يونيو، أقرت الحكومة الروسية سلسلة من الإجراءات على غرار غلق وسائل إعلام تابعة لـ"فاغنر" ما أعطى الانطباع بأن القيادة في موسكو تسعى إلى إنتاج نسخة جديدة من هذه المجموعة في خطوة كانت مدفوعة بسيطرة الأخيرة على مدينة روستوف ومحاصرتها العاصمة.
وقالت أستاذة العلوم السياسية في "الجامعة الفرنسية" فيرا غرانتسافا، إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عمل منذ مدة على تقسيم عناصر "فاغنر" في خطوة أولى، لأنه يدرك أن نجاحهم كان بسبب ولائهم إلى شخص بريغوجين، في وقت واصلت موسكو الاعتماد على هؤلاء المرتزقة من أجل تعزيز نفوذها في الخارج". وتابعت غرانتسافا أن "الحكومة ستحاول إصلاح نظام فاغنر القذر من خلال العثور على قادة جدد وضمان أنهم موالون للكرملين بنسبة 100 في المئة حتى لا يكرروا التمرد نفسه الذي قام به بريغوجين الذي كان لديه كثير من الموارد"، وشددت المحللة السياسية الفرنسية على أن "الكرملين يدرك أن كثيراً من الموارد سمحت لبريغوجين بتطوير طموحاته السياسية، لقد كان لديه التمويل ووسائل الإعلام وجيش خاص، لذلك سيعمل الكرملين الآن على أن تكون الشركة تابعة له تماماً، ولو أن بوتين نفسه اعترف بأن فاغنر تلقت أموالاً في السابق من الدولة، وهو إقرار يعكس بأن المجموعة، في السابق أيضاً، كانت تابعة للكرملين".
ومثل التمرد الذي قاده بريغوجين، في يونيو، صفعة قوية بوجه بوتين، وجعله في الوقت نفسه منافساً قوياً له وأخرج الخلافات الداخلية مع الجيش إلى العلن بعد أحداث مدينة باخموت الأوكرانية، عندما احتج قائد "فاغنر" بشدة على عدم منحهم الذخيرة لمواجهة الجيش الأوكراني متهماً الجيش الروسي بالتواطؤ.
ماذا عن أوكرانيا؟
وبمقتل بريغوجين يكون بوتين قد طوى أحد الملفات التي كانت تؤرقه على رغم البرود الكبير الذي قابل به التمرد الفاشل الذي قاده الأول إذ لم يتحرك ضده، طيلة شهرين، والتقاه في الكرملين في خطوات أثارت استغراب كثيرين لكنها انتهت بمقتله في ظروف يحيط بها كثير من الغموض.
وبريغوجين البالغ من العمر 62 عاماً، قاد معارك ضارية في أوكرانيا في وقت كان يتعثر فيه الهجوم الروسي، لذلك فإن السؤال الذي يطرحه كثيرون هو أي تداعيات لمقتل بريغوجين على سير المعارك في أوكرانيا خصوصاً أن الأخيرة بدأت هجوماً مضاداً متعثراً بشكل كبير؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجيب غرانتسافا أن "عناصر فاغنر انسحبوا من الجبهة منذ 23 يونيو الماضي، لذلك لا أرى أنه سيكون هناك تأثير مباشر على الجبهة أو على الوضع عموماً في أوكرانيا، لكن هناك أموراً مهمة يجب الإشارة إليها من بينها أن سلطة بوتين تضررت بشكل كبير، لأن بريغوجين أظهر للروس والنخب الروسية والعالم أجمع أن نظام بوتين هش وهو لا يسيطر على شيء بعكس الصورة المرسومة عن بوتين لدى النخب أو المجتمع الروسي". ولفتت إلى أن "نظام بوتين قد يضعف فجأة وقد يلجأ بسبب ذلك إلى مزيد من القمع داخل الجيش، لأنه ربما لا يزال هناك مؤيدون لبريغوجين داخله، وكل هذه العوامل يمكن أن يكون لها تأثير في أداء الجيش الروسي على الجبهة في أوكرانيا".
لا تأثير في أوكرانيا
ويشاطر كثيرون غرانتسافا في قراءتها للتداعيات المترتبة عن مقتل بريغوجين في أوكرانيا، وخلال المعارك التي دارت لانتزاع السيطرة على باخموت، خرج الخلاف بين بريغوجين ووزير الدفاع سيرغي شويغو إلى العلن، بسبب الذخائر، وهو ما دفع الأول إلى نشر مقاطع فيديو لم يكن ليتجرأ عليها غيره شتم فيها القادة العسكريين الروس وكال لهم التهم، لكن في نهاية المطاف نجح بريغوجين في تحقيق مكاسب عجز الجيش الروسي عن تحقيقها من خلال السيطرة على مدينة باخموت في إنجاز ميداني نادر لموسكو خلال "العملية العسكرية الخاصة" التي تقودها ضد أوكرانيا منذ أكثر من عام ونصف العام.
واعتبر الخبير في الشؤون الدولية نزار مقني أن "القوات الروسية في أوكرانيا لم ولن تتأثر مباشرة لأن هناك كثيرين من عناصر فاغنر ممن رفضوا الانسحاب من الجبهة عند الاتفاق بين الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو وبريغوجين، هؤلاء ما زالوا موجودين ويحاربون في إطار قوات روسية خاصة". ورأى مقني أن "هذه القوات بصدد تحقيق تقدم خصوصاً على الجبهة الشرقية حيث إقليم دونباس، لذلك فإن قوات "فاغنر" ما زالت تشكل جزءاً من القوات التي تضيف إلى الجيش الروسي الكثير من الزخم لا سيما في العمليات الهجومية وصد الهجوم الأوكراني المضاد"، وأبرز أن "مستقبل فاغنر الآن يبدو واضحاً بعض الشيء، فهذه القوات لا يمكن أن تستمر بعيدة عن الكرملين وجناح بوتين، وسوف يتم اختيار قيادة من القيادات الحالية لهذه المجموعة العملاقة حتى تكون موجودة وتخدم المصالح الروسية الخارجية خصوصاً في القارة الأفريقية كما خطط لها منذ تأسيسها، إذ قدمت كثيراً للسياسة الخارجية الروسية، قوات فاغنر ستكون مثلما كانت مع فرق أن دورها سيسطره هذه المرة الكرملين وليس بريغوجين".
وأكد مقني أنه "مع مقتل قيادات بارزة من الصف الأول مع بريغوجين، فإن القيادة التالية لفاغنر ستكون ملتصقة تماماً مع الكرملين لأن هذه الضربة يبدو استخباراتية وهي عقاب من بوتين تجاه بريغوجين بسبب تمرده، كانت قطعاً لرأس الأفعى كما قال بعض الروس إذ كان يمثل تهديداً للاستقرار سواء السياسي أو العسكري".
ومع عدم الإعلان الفوري عن تعيين قائد جديد لـ"فاغنر"، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت ستحافظ على المهام المناطة بها سابقاً خصوصاً أنها نجحت بشكل كبير في استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي من خلال ترسيخ موطئ قدم لها في مناطق عدة سواء في سوريا أو ليبيا أو أوكرانيا.