ملخص
"العام الدراسي على الأبواب" عبارة كفيلة بإثارة الرعب في نفوس الأهالي بعد تضاعف أسعار متطلبات العملية التعليمية في مصر بسبب أزمة الدولار.
يتأنق التلاميذ ليستقبلوا عامهم الدراسي الجديد بحماسة، فرحين بملابسهم وأدواتهم الجديدة، بينما يقف آباؤهم حيارى يفكرون في كيفية تدبير مصاريف العام وودوا لو تأجلت الدراسة مراراً وتكراراً، بخاصة أن المعاناة تبدأ بالنسبة إليهم مبكراً وتظل طوال الموسم وحتى ظهور النتيجة ثم سرعان ما تدور الدائرة مجدداً، وتتضاعف الأزمة حينما يكون لدى الأسرة أكثر من طفل في مراحل التعليم ما قبل الجامعي.
عبارة "المدارس على الأبواب" كفيلة بإثارة رعب المصريين الذين لا يزالون يعيشون مرحلة التعافي مما حدث السنة الماضية، في ظل أزمات مادية وديون لا تتبدد حتى بعد انتهاء العام الدراسي، وهي المشكلة التي تفاقمت العام الماضي نظراً إلى انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار الأميركي، مما انسحب بشكل مباشر على أسعار متطلبات العملية التعليمية بجميع مناحيها وبينها مصاريف المدارس والأدوات ووسائل الانتقال وغيرها.
عام دراسي مواز
مصاريف العام الدراسي تشكل طوال الوقت عاملاً مؤرقاً للأهالي في مصر، بخاصة في ظل منظومة تعليمية تعتمد بشكل شبه كامل على الدروس الخصوصية، وفي حين توصف المدارس الحكومية بأنها مجانية، إلا أن كثافة الفصول بغالبيتها تصل إلى 100 طالب في الفصل، مما يجعل الملتحقين بها مضطرين إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية في الشرح والتحصيل.
لذلك فإن غالبية المصريين يعتبرون أن عبارة "مجانية التعليم" ما هي إلا خدعة، فإذا كانت المصروفات الدراسية في المرحلة الإعدادية على سبيل المثال لا تكلف رسمياً أكثر من 300 جنيه مصري (عشرة دولارات أميركية)، إلا أن الواقع العملي يقول إن أولياء الأمور يدفعون شهرياً لمادة واحدة فقط ما يعادل العشرة دولارات، أي إن العام الدراسي "الموازي" يكلف الأسرة للطالب الواحد نحو 30 ألف جنيه (ألف دولار).
وعلى رغم خطط تطوير المناهج التي دخلت حيز التنفيذ والحرب المعلنة على الدروس الخصوصية، إلا أن معظم الطلاب يعتمدون عليها بشكل شبه كامل، إما لكثافة الفصول أو لقلق الأسرة من عدم قدرة ابنهم على مجابهة أقرانه المنتظمين في تلك الدروس حتى من قبل بدء العام الدراسي بشهر أو أكثر.
خدعة مجانية التعليم
الأمر يصبح أكثر قتامة حينما تأتي المرحلة الثانوية التي لا تتجاوز مصاريف السنة الدراسية خلالها ما يعادل 70 دولاراً، لكنها تصل إلى ألفي دولار في الأقل بعد إضافة كلف الدروس ومتطلباتها من انتقالات وأدوات مكتبية وكتب خارجية، والأخيرة أصبحت بنداً صعباً مع أزمة الدولار وارتفاع أسعار الورق.
تقول ميادة علاء وهي طالبة في الصف الثالث الثانوي قسم العلوم الرياضية، إنها تضطر منذ الصف الأول الثانوي إلى شراء الكتب الخارجية بسبب اعتماد وزارة التربية والتعليم "التابلت" وإلغاء الكتب، وتحاول التوفير بعض الشيء عن طريق الاستعانة بكتب قديمة من زملاء أكبر منها عمراً، لكن هذا لا يحدث في كل المواد، مشيرة إلى أنها إذا استطاعت التوفير من بند الكتب فإن ذلك لا يحدث مع الدروس الخصوصية، إذ اعتاد معظم طلاب الثانوية العامة في المدارس الحكومية المصرية على عدم الذهاب إلى المدرسة بانتظام توفيراً للوقت والمذاكرة منزلياً بمساعدة المدرسين الخصوصيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول خالد عبد الله، وهو أب لابنين، أحدهما في السنة الثانية بإحدى الجامعات الخاصة والثاني في الصف الثالث الثانوي، إنه تمكن أخيراً من سداد ديون العام الدراسي الماضي، إذ وجد نفسه مطالباً بدفع حوالى 250 ألف جنيه (8 آلاف دولار أميركي) سنوياً ليتمكن من تغطية نفقات الابنين، على رغم أنه اختار لهما منذ البداية الالتحاق بمدرسة حكومية، لكن الابن الأكبر لم يتمكن من الالتحاق بجامعة حكومية لدراسة الهندسة، فاضطر إلى تسجيله بنظيرتها الخاصة التي تتكلف سنوياً نحو 150 ألف جنيه (5 آلاف دولار).
الأب الخمسيني الذي يعمل في إحدى شركات المقاولات ويعتبر أن حياته ميسورة تغيرت به الحال في العام الأخير بعد ارتفاع نسبة التضخم، فوجد أن راتبه لم يصمد كثيراً، بالتالي احترف تنظيم "الجمعيات"، وهي وسيلة معروفة للتمكن من الحصول على مبلغ كبير دفعة واحدة ويشترك بها أشخاص عدة يدفع كل منهم مبلغاً متساوياً والإجمالي يحصل عليه أحدهم كل شهر، وذلك ليصبح قادراً على تسديد نفقات الدراسة وفوق كل هذا لجأ إلى الدين أكثر من مرة.
يقول، "لم نجد بديلاً عن الدروس الخصوصية حتى في حال الاكتفاء بأخذ الدرس أونلاين فإن ثمن الحصة لا يختلف كثيراً فإذا كانت الحصة تكلف 120 جنيهاً (أربعة دولارات) فإن نظيرتها الأون لاين تكون بـ100 أو 110 جنيهات، بالتالي نضطر إلى القبول بالدروس المباشرة، إذ إن عدد الطلبة يختلف في كل مادة، فهناك مجموعات يكون بها 20 طالباً وأخرى 100 طالب وهنا يشرح المدرس لهم في المركز أو ’السنتر‘ عبر تقنية الفيديو كونفرنس، ويحتاج الطالب إلى نحو ثماني حصص للمادة في الشهر، ويتراوح سعر المادة من 60 جنيهاً (دولاران) إلى 150 جنيهاً (خمسة دولارات)، في حين يحتاج الطالب إلى شرح سبع مواد في العام لمدة ثمانية أشهر في الأقل، إضافة إلى ثمن حجز مقعد طوال العام في السنتر، حيث يتم دفع ثمن الكرسي لكل مادة على حدة".
وبحسب متطلبات العملية التعليمية من مواد مكتبية وملابس ومصاريف انتقال وكتب ودفاتر، فالأسرة هنا تدفع نحو 100 ألف جنيه (ما يزيد على 3 آلاف دولار) للطالب الواحد في المرحلة الثانوية الحكومية "المجانية"، بينما يصل إجمالي اقتصاد الدروس الخصوصية في البلاد إلى 136 مليار جنيه سنوياً وفقاً لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تبرعات إجبارية
وفي حين تتراوح المصاريف الرسمية للمدارس التجريبية، وهي مدارس حكومية ذات كثافة عددية أقل في الفصول، من 1500 جنيه (50 دولاراً) لمرحلة رياض الأطفال إلى 3 آلاف جنيه (100 دولار) للمرحلة الثانوية، فإن هناك متطلبات أخرى طوال العام تثقل كاهل الأسر، لكن البند الأكثر غرابة واستمرارية والمتعلق ببعض تلك المدارس هو بند التبرع الإجباري الذي يخص من يتقدمون للالتحاق للمرة الأولى، إذ يُطلب من أولياء الأمور التبرع بشراء بعض الحاجات مثل المراوح الكهربائية أو بعض الأدوات.
تقول السيدة نهلة عادل والدة طالبة في الصف الثاني الابتدائي إنها كانت تعتقد بأن من يتحدثون عن التبرع الإجباري للمدارس يبالغون، لكنها فوجئت بما طلب منها حينما كانت تتقدم بأوراق ابنتها للالتحاق بالمدرسة التجريبية الأقرب لمحيط منزلها، لافتة إلى أنها حاولت الاعتراض في البداية لكنها فهمت في ما بعد أنه لا مفر وأنه شرط لقبول ابنتها.
لكن بند التبرع الغامض يصل إلى مستويات أخرى في المدارس الخاصة التي تتمتع بإقبال كبير، وهي مدارس كثافتها العددية أقل من التجريبية، بحيث يكون لزاماً على ولي أمر الطالب المتقدم حديثاً أن يدفع تبرعاً للمدرسة يعادل عادة قيمة المصاريف الدراسية في العام، فإذا كانت المصاريف تبلغ 25 ألف جنيه مصري (نحو 800 دولار) فإن قيمة التبرع ستكون موازية لها، وهو شرط أساسي لقبول الطالب وإدراجه في قوائم المدرسة.
وفي ما يتعلق بالمدارس الدولية بأنواعها، فمن الصعب للغاية الاقتراب بشكل دقيق من متوسط الكلفة، بخاصة أن فئاتها متعددة، إذ تبدأ من ألف و500 دولار مصاريف أساسية وتصل إلى ألفي دولار بعد شراء المستلزمات الإجبارية، ثم تصل إلى 2500 دولار بعد الاشتراك في "باص المدرسة"، وتصل قيمة الاشتراك في بعض الخطوط التي تبتعد جغرافياً عن مناطق المدارس إلى ألف دولار.