ملخص
"العرض" يقضي باستقالة الرئيس المحتجز محمد بازوم في مقابل تقليص مدة الفترة الانتقالية بين 12 شهراً إلى عامين تسيرها حكومة مدنية تكنوقراطية يتم خلالها تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة
يبدو أن الأزمة في النيجر تتجه نحو "الهدوء" بعد نجاح أطراف من بينها الجزائر في وضع خطة للخروج من الوضع الذي تعيشه البلاد منذ انقلاب الـ26 من يوليو (تموز)، وقد تكون التحركات الدبلوماسية الجزائرية التي انطلقت من واشنطن ثم نيجيريا وبنين وغانا حققت بعض الإجماع حول طريقة منع التدخل العسكري الذي "تهدد" به مجموعة "إيكواس".
خطة تهدئة ومصالحة
وقالت مصادر مطلعة في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن الأزمة بين المجلس العسكري في النيجر والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا هدأت "موقتاً"، وبدأت غيوم التوتر في الانقشاع بعد التوصل إلى خطة للعودة للشرعية، وأوضحت أنه من المرتقب أن يعلن الرئيس المحتجز محمد بازوم استقالته من منصبه، مشيرة إلى أن تدخل واشنطن من خلال الجزائر الوسيط، سمح بالتوصل إلى تفاهمات بين طرفي النزاع تمنع اللجوء إلى القوة والعنف.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن تنقل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى نيجيريا وبنين وغانا سمح بحلحلة التوتر لدى مجموعة "إيكواس" التي تهدد بالتدخل العسكري في النيجر لـ"طرد" الانقلابيين وإعادة الرئيس بازوم للسلطة من خلال طرح خطة سلام لاقت قبولاً من أعضاء "إيكواس"، مبرزاً أن العرض الذي كان بمشاركة واشنطن وباريس يقضي باستقالة الرئيس المحتجز محمد بازوم، في مقابل تقليص مدة الفترة الانتقالية بين 12 شهراً إلى عامين تسيرها حكومة مدنية تكنوقراطية، يتم خلالها تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة تتبعها أخرى برلمانية. وشدد على أن الخطوة تتم بالتوازي مع مغادرة السفير الفرنسي للعاصمة نيامي إلى حين، وفق ما اشترط المجلس العسكري، في حين تبقى واشنطن تراقب العملية التي لاقت ترحيب "إيكواس". وختم أنه باستقالة الرئيس بازوم يسقط تبرير التدخل العسكري من جهة، كما لا حجة لاستمرار العسكر بقيادة البلاد من جهة أخرى.
تحرك جزائري لافت
وتميزت جولة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى كل من نيجيريا وبنين وغانا، وهي دول تنتمي إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بتطابق وجهات النظر حول ضرورة تحقيق العودة للنظام الدستوري في النيجر من خلال حل سياسي يفك خيوط الأزمة القائمة، بما يحفظ أمن واستقرار هذا البلد والمنطقة برمتها، وفق ما صرح به مسؤولو الدول المعنية خلال اللقاءات المتعددة التي جمعتهم بممثلي الجزائر.
وأكد الوزير الجزائري أن الأزمة في النيجر هي ناتجة من تغيير غير دستوري، وأنها إذا كانت محور انشغالات "إيكواس" فهي تصب في انشغالات الجزائر أيضاً، وقال "نسير سواء ضمن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أو في الجزائر على خطة العمل نفسها، والمتمثلة في تنسيق جهودنا قدر الإمكان لبلوغ هدف مشترك، وهو تحقيق العودة للنظام الدستوري في النيجر"، وهي التصريحات التي وصفتها جهات متابعة عدة بـ"المحشوة" التي حملت في طياتها رسائل وإشارات إيجابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحرير الرئيس بازوم
وفي السياق يعتقد البرلماني النيجري إساكا مانزو أنه في حال فرض الوضع في بلاده على الرئيس المحتجز محمد بازوم الاستقالة فإن الخطوة ستحصل، مبرزاً أن زيارة الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية لوناس مقرمان إلى النيجر الخميس الماضي كانت جد إيجابية، إذ جدد تمسك بلاده بضرورة تجنب اللجوء إلى القوة، والتفاوض بصدقية وجدية من أجل إيجاد مخرج سلمي سياسي دبلوماسي يعيد الوضع للإطار الديمقراطي.
ويتابع مانزو، الشخصية المقربة من رئيس البلاد الأسبق مهمان عثمان، الذي شغل أيضاً منصب رئيس برلمان "إيكواس"، أن الجزائر بإمكانها إنقاذ الوضع في النيجر والرئيس بازوم، وقال إنه من خلال الحوار كل شيء ممكن بما فيه تحرير الرئيس بازوم، لكن ليس عودته للسلطة بعد شهر من إسقاطه، وختم أن في حال استقالة بازوم سيقود المجلس العسكري المرحلة الانتقالية التي ستؤدي إلى انتخابات جديدة في البلاد.
تنازل عن الشرعية
من جانبه يرى عضو المكتب السياسي لحزب "التجديد الديمقراطي والجمهوري" النيجري عمر الأنصاري، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "إيكواس المندفعة من الغرب تزعم أنها تسعى إلى استعادة شرعية الرئيس المحتجز، وبالتالي فإذا تمت استقالة بازوم فإنه لم يعد في يدهم أي مبرر للتدخل في شؤون النيجر، إذ إن الخطوة تعتبر تنازلاً عن الشرعية وتفويضاً للمجلس العسكري لقيادة المرحلة الانتقالية"، مشدداً على أن استقالة بازوم ممكنة بضمانات دولية، وهي تندرج ضمن بنود المصالحة مع المجلس العسكري.
ويواصل الأنصاري أن بنود المصالحة وضعتها الدول التي تسعى إلى حلول دبلوماسية وسلمية مثل الولايات المتحدة الأميركية والجزائر، مشيراً إلى أنه في حال قدم الرئيس المحتجز استقالته فإن المجلس العسكري سيطالب بسلامة أعضائه وطاقم حكومته، كما سيستجيب لطلب خفض مدة المرحلة الانتقالية. وختم أن المقاربة الجزائرية تسعى في الغالب إلى إعادة النيجر للنظام الدستوري بأي وجه كان، و"لا تشترط شخص بازوم بحسب ما يظهر لي".
انتهاء العهدة قانوناً... وخيارات
إلى ذلك يعتقد أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية مبروك كاهي أن "زمام المبادرة عاد للانقلابيين وأن الجميع بدا يركن لسلطة الأمر الواقع، وما استقالة الرئيس بازوم إلا حصيلة لهذا الوضع، وإدراك الجميع بوجود سلطة جديدة يجب احترامها والتعامل معها، وبالتالي فإنه في حال استقالة بازوم تنتهي عهدته قانونياً، وتصبح البلاد في مرحلة انتقالية حقيقية يشرف عليها مجلس حماية الوطن أو ما كان يطلق عليهم الانقلابيين قبل استقالة بازوم". وأشار إلى أن "هذه السلطة لها خيارات عدة في إدارة المرحلة، إما أن تكون كهيئة جماعية ممثلة في مجلس حماية الوطن أو تتقاسم السلطة مع هيئة مدنية ممثلة في حكومة، أو يعين المجلس أحد قيادييه لرئاسة موقتة للبلاد كما الحال في مالي، وهو الخيار الأرجح بتزعم الجنرال عمر تياني"، وشدد على أن "الخطوة ممكنة باعتبارها الأقل كلفة بالمراعاة مع وضع النيجر".
ويرى كاهي أن بازوم هي ورقة الانقلابيين وطوق نجاتهم وكبح "إيكواس" من أي تدخل عسكري، مشدداً على أنه من دون ضمان السلامة الجسدية للرئيس بازوم يبقى التدخل العسكري فاشلاً يدخل البلاد إلى وضع أكثر تعقيداً وهو الاحتلال، وقال إن المجلس العسكري في حال استقال بازوم سيسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم قبل الـ26 من يوليو إلى غاية العودة للنظام الدستوري، وهو ما يعني المحافظة على مصالح الغرب، ثم التعهد بتنظيم انتخابات في أقرب وقت ممكن.
مبررات التدخل العسكري ستظل قائمة؟
في المقابل استبعد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبدالقادر عبدالعالي أن تحل استقالة الرئيس بازوم الأزمة، وقال إن مبررات التدخل العسكري ستظل قائمة من أغلبية دول "إيكواس" وأمام إصرار قادة نيجيريا على ذلك، معتبراً أن القادة العسكريين يحاولون الضغط على الرئيس للاستقالة، ووردت أنباء مستعجلة بخصوص ذلك، إذ يهدف قادة الانقلاب من وراء ذلك إلى تجنب التدخل العسكري وإضعاف مبرراته. وأبرز أن تدخل "إيكواس" هدفه تحرير الرئيس المعتقل، "ولا شرعية لأية استقالة تصدر عن سجين أو معتقل".
هناك أوضاع مشابهة وسوابق لكيفية تعامل الانقلابيين مع الضغوط الدولية والإقليمية في أفريقيا، كما حدث في مالي وبوركينا فاسو وغيرها، إذ يسعى العسكر إلى تكريس الوضع القائم والتفاوض بشأن مرحلة ما بعد الرئيس، والحيلولة دون عودته للرئاسة، وأحد مساراتها الأساسية هي الاستقالة، يضيف عبدالعالي، الذي أبرز أن قادة النيجر سيتعهدون بالعودة للشرعية الانتخابية والحياة المدنية بتحول قائد الانقلاب إلى رئيس مدني جديد.