ملخص
نواب وجمعيات طالبوا بضم ملف اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية إلى نطاق اختصاص المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا التابعة للأمم المتحدة
على رغم انسحاب جيش النظام السوري من لبنان عام 2005، لم يرشح شيء عن مصير اللبنانيين المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا، وتبدو الصورة شبه غامضة إلى درجة مقلقة لذويهم الحائرين في التعامل مع هذا الوضع، في ظل إنكار السلطات السورية وجود أي مواطن لبناني في سجونها.
إلا أن القضية لم تطوَ على مستوى الحراك الشعبي والقانوني، عبر محاول استغلال أي بصيص أمل يوصل إلى كشف مصيرهم، ومتابعة لهذه القضية وقع 46 نائباً لبنانياً و41 جمعية وعائلة على عريضة تطالب الأمم المتحدة بالتدخل، لحل ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، وضمها إلى نطاق اختصاص المؤسسة المستقلة حول المفقودين في سوريا التابعة للأمم المتحدة، حيث يوجد مئات المفقودين ومجهولي المصير منذ سنوات من دون توافر أي معلومات عنهم.
وقع على العريضة نواب من "اللقاء الديمقراطي" و"الكتائب اللبنانية" و"كتلة تجدد" ونواب مستقلون، إلى مكتب الأمم المتحدة في بيروت، وذلك بعد نحو شهرين من امتناع لبنان عن التصويت في الأمم المتحدة على مشروع إنشاء المؤسسة المستقلة، حيث تشير مصادر في "القوات اللبنانية" إلى أن العمل جاء سريعاً على إنجاز الملف، كون المهلة التي أعطتها الجمعية العامة للأمين العام لإبداء ملاحظاته على الصيغة المقترحة هي 80 يوماً، لافتة إلى أن نواباً آخرين مستعدون للانضمام أيضاً ولكن الوقت لم يسمح بمناقشة العريضة مع جميع النواب.
وطالبت العريضة الأمم المتحدة بالكشف عن مصير 627 مفقوداً لبنانياً، وأي مفقود أو معتقل لبناني آخر يتم التحقق من وجوده حياً أو من وجود رفاته على الأراضي السورية، استناداً لقرار مجلس الأمن لتبيان مصيرهم.
وثائق وإثباتات
وفي السياق يوضح المتخصص في الشأن القانوني والدستوري سعيد مالك، أن "هذه العريضة المقدمة مرفوعة إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريش، وموضوعها طلب ضم اللبنانيين المفقودين في سوريا إلى اختصاص المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين"، مؤكداً أن "هذه المؤسسة أنشأت في هذا التاريخ في تاريخ 29 يونيو (حزيران) 2023 بموجب قرار صدر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لافتاً إلى أن هذه العريضة تطالب الأمين العام بموجب هذه العريضة إلى ضم اللبنانيين المفقودين في سوريا إلى اختصاص هذه المؤسسة".
وأوضح أن العريضة المؤلفة من أربع صفحات توثق بالمعلومات وجود المفقودين ودلائل على عملية اختفائهم في سوريا، مشدداً على أن العدد هو أكبر ولكن تضمنت اللائحة الأشخاص الثابت وجودهم في السجون السورية سواء عبر دلائل أو إفادات شهود عيان أو أوراق وأذونات لزيارتهم في وقت سابق داخل السجون.
توافق واسع
وأكد رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب "القوات اللبنانية" ريشار قيومجيان، أن الهدف من العريضة هو مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بضم هذه القضية إلى المؤسسة المستقلة، معتبراً أنه على رغم من الاختلافات السياسية بين القوى السياسية، فإن القضايا الوطنية المحقة والعادلة، لا بد من أن تجمع.
بدوره لفت رئيس "جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية" علي أبو دهن، إلى أن إنشاء المؤسسة يسهم بتحديد مصير المفقودين في سوريا، وتعطي آملاً بإمكان الإفراج عن المعتقلين الأحياء، والبحث عن المفقودين وتشريح جثث الضحايا، وتفعيل الجهود مع كل المنظمات غير الحكومية لمساعدة الهيئة التي ستعنى بهذه القضية وتبيان الحقيقة".
بدوره رأى النائب جورج عقيص "هناك حق دولي اسمه حق معرفة مصير المعتقل أو المخفي، وهذا حق طبيعي من حقوق الإنسان، وأن 46 نائباً من مختلف الأحزاب والقوى السياسية قد وقعوا على هذه العريضة، وهم تجاوبوا فوراً معنا، ومن خلال هذا العدد تكون نقطة الانطلاق لكشف مصير المعتقلين في السجون السورية".
ومن جهته اعتبر النائب نديم الجميل أن "هذه العريضة خطوة نحو بلسمة جروح الماضي، لأن هذه القضية لا بد من أن تنتهي بعيداً من التصفيات أو الحسابات أو الاختلافات السياسية، ومن هنا ينبغي على الدولة اللبنانية التي بادرت على مر السنوات المتتالية إلى متابعة هذه الملف، أن ترفع الصوت في هذا الشأن".
كما اعتبر النائب أشرف ريفي "أن قضية المعتقلين السوريين هي قضية أساسية متهماً وزير خارجية عبدالله بو حبيب بأنه بات "وزير خارجية حزب الله" وليس الدولة اللبنانية، إذ رفض التصويت لإقرار هذه المؤسسة، ويعمل حالياً في نيويورك على تجويف القرار الدولي 1701".
وفي السياق تمنت النائبة بولا يعقوبيان، على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي "أن يتعاطيا مع هذا الملف بجدية، لأن الحكومة اللبنانية لا تولي أهمية لأي قضية مرتبطة بالنظام السوري"، كما أشارت إلى "أهمية إعطاء اللبنانيين المعتقلين سابقاً في سوريا كامل حقوقهم وحريتهم وحمايتهم لمساندتهم لأن قضيتهم حية".
بدوره، أكد النائب مارك الضو أنه "من واجب الدولة اللبنانية بمؤسساتها ووزاراتها وأحزابها السياسية كافة متابعة ملف اللبنانيين المخفيين قسراً في سوريا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تنصل "عوني"
وانتقدت مصادر في المعارضة، رفض توقيع نواب التيار الوطني الحر على هذه العريضة، على رغم من وجود معتقلين ومخفيين قسراً مقربين من الرئيس السابق ميشال عون لا سيما أن بعض الضباط في الجيش اللبناني اختطفوا حينها في معركة 13 أكتوبر (تشرين الثاني) 1990 ضد الجيش السوري.
وبرأي تلك المصادر، فإن عون أصلاً لم يبادر بفتح هذا الملف طيلة ولايته الرئاسية، وأنه ضحى بهذا الملف مقابل تحسين علاقته مع الرئيس السوري بشار الأسد.
في المقابل ترفض مصادر التيار الوطني الحر تلك الادعاءات، وتعتبر أن هذه العريضة لا تقدم حلاً للقضية، متهمة القوى الموقعة أنها تستغل هذا الملف في إطار "الشعبوية" السياسية وتوتير العلاقات مع سوريا.
إصرار سوري
في المقابل نقلت صحيفة مقربة من "حزب الله" نقلاً عن مسؤول سوري قوله، إنه "للمرة الألف نؤكد أنه لا معتقل سياسياً لبنانياً واحداً لدينا، وكل ما نسمعه من أطراف لبنانية في هذا الخصوص لا يعدو كونه افتراءات الغاية منها معروفة وواضحة وهي الإفادة من طنينها لاعتبارات ومصالح شخصية".
وفي الإطار نفسه أكد المحلل السياسي المقرب من الحزب الحاكم في سوريا نضال السبع، عدم وجود سجناء لبنانيين في سوريا، موضحاً أنه في نهاية عام 2000، تسلمت السلطات اللبنانية من السلطات السورية آخر دفعة من المعتقلين السياسيين اللبنانيين الموجودين لديها وعددهم 54، كما تسلمت لائحة بأسماء الموقوفين بجرائم جنائية الذين لا يتجاوز عددهم الـ100 مع ملف كل منهم.
ويرى أن بعض القوى اللبنانية رفضت الاعتراف بأن هذا الملف قد أقفل، وأرادت أن تتركه مفتوحاً لاستغلاله في الانتقام السياسي من السلطات السورية، ولذلك برأيه وحين أعلن رئيس النظام السوري بشار الأسد أنه سينهي هذا الملف ويطلق جميع السجناء السياسيين، سارعت بعض الجهات لتضخيم الرقم وبدأت بنشر لوائح تتضمن أسماء سجناء ومفقودين يراوح عددهم بين 250 و270 شخصاً.
100 ألف مفقود
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنت قراراً ينص على إنشاء مؤسسة مستقلة تحت رعاية المنظمة الدولية للتعامل مع قضية المفقودين والمخفيين قسرياً في سوريا، وحظي مشروع القرار الذي صاغته لوكسمبورغ بدعم 83 دولة، في حين اعترضت عليه 11 دولة، وامتنعت 62 دولة عن التصويت من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يزيد عدد المفقودين في سوريا منذ عام 2011 على 100 ألف شخص، إضافة إلى وجود مفقودين منذ ما قبل هذا التاريخ، وستنحصر مهمة هذه المؤسسة في توضيح مصير الأشخاص المفقودين وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم.
وسيتم تمويل المؤسسة من خلال الميزانية العادية للأمم المتحدة لضمان استمرارها، حيث يتوقع أن تصل كلفتها إلى ثلاثة ملايين دولار في عام 2024، وأكثر من 10 إلى 12 مليون دولار في عام 2025.