ملخص
شركات مصرية طرحت سبائك فضية بأوزان تبدأ من 2.5 غرام وروجت لها باعتباره تحوطاً جيداً فيما تتعدد أنواع الفضة في مصر وأكثرها نقاء "الإيطالية"
للفضيات في مصر، حلي وخواتم وميداليات، شعبية واسعة بخاصة في أوساط الذكور الذين يرون في خواتم المعدن تعبيراً عن البلوغ وشيء من الزينة والوجاهة الاجتماعية، في وقت ظل الذهب امتيازاً نسوياً محرماً شرعاً على الرجال.
ببريق مغر يشد الأبصار، زينت محال الفضيات وفتارينها الزجاجية المتراصة على جانبي شارع المعز بقلب القاهرة الفاطمية، بمئات الخواتم والدبل والميداليات والحلي بأشكالها وصورها وأعيرتها المتعددة.
وعلى رغم تداخل المعدنين، ظلت الفضة في مصر نشاطاً تجارياً قائماً بذاته في معزل عن الذهب، فاحتفظت بمحال خاصة وبائعين وصناع مهرة توارث بعضهم الحرفة أباً عن جد، وإن ذهبت قلة من محال الذهب في الآونة الأخيرة نحو الاحتفاظ ببعض مشغولات المعدن الصناعي الأبيض سعياً للتنويع.
الفضة لا تصلح للتحوط
على رغم مكانتها لدى المصريين، لم تلق الفضة ذلك التقدير الذي لاقاه الذهب كوسيلة للتحوط من حيث العرض والطلب، رغم مساع حثيثة من قبل شركات لترويج سبائك المعدن الصناعي على غرار السبائك الذهبية التي طاردها الطلب المرتفع خلال الأشهر الأخيرة حتى ندرت في النصف الأول من العام الحالي.
طرحت شركات سبائك فضية بأوزان تبدأ من 2.5 غرام، وروجت للمنتج باعتباره تحوطاً جيداً ومناسباً لمن يعجزه الغلاء عن شراء سبائك الذهب، في وقت استهوت فكرة التحوط، الباحثين عن حماية مدخراتهم من أخطار التآكل وتدني القيمة في وقت عومت القاهرة الجنيه المصري منذ مارس (آذار) 2022 ثلاث مرات من مستوى 15.75 للدولار الواحد وصولاً إلى متوسط 30.85 للدولار في أغسطس (آب) الجاري، في حين احتفظت السوق السوداء بأسعار أكبر للدولار عند مستوى قريب من 40 جنيهاً (1.29 دولار بالسعر الرسمي) في المتوسط، بعدما أضعف شح الدولار من القيمة الشرائية للجنيه المصري عقب دورة التشديد النقدي التي مارستها البنوك المركزية، وفي مقدمها مجلس الاحتياطي الفيدرالي نهاية عام 2021، وأدت إلى خروج 20 مليار دولار من سوق أدوات الدين الحكومية بنهاية الربع الأول من عام 2022.
لم يتحمس تاجر الفضيات الشاب محمود السيد، كثيراً إلى السبائك الفضية المستحدثة أخيراً. ويرى أنها "ثقيلة" بيعاً وشراء كما هي حال المعدن، بعكس المشغولات الفضية وبخاصة الخواتم والميداليات التي ورث تجارتها واختبر صناعتها لبعض الوقت، فكثير من الشك خالط أفكار الشاب الثلاثيني حيال السبائك الفضية، ما جعله يتخلى حتى عن تجربة بيعها وشرائها.
مال راكد من دون دوران
يتحدث تاجر الفضيات لـ"اندبندنت عربية"، فيقول إن موردي مشغولات الفضة لديهم سبائك خام مصنعة خصيصاً لأغراض البيع، كما هي الحال مع الذهب، لولا أنها لا تحظى بطلب، وستمثل لديه "مالاً راكداً" من دون دوران، بعكس المشغولات الفضية مثل الخواتم والدبل والميداليات، التي تستقطب عديداً من الزبائن من دون ارتباط بمواسم محددة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلفت التاجر الشاب في حديثه، إلى أعيرة الفضة المتداولة في مصر، التي تتنوع بين عياري 600 و800، ومنهما تصنع معظم المشغولات المصرية، فيما هناك عيارا 925 و999، ومنهما تصنع المشغولات التركية والإيطالية الأكثر طلباً والأعلى نقاء.
ويبدأ سعر غرام الفضة من دون مصنعية، من 14 جنيهاً (0.46 دولار) لعيار 585، مروراً بعيار 875 والمعروف بـ"الفضة السعودية" بسعر 21.5 جنيه (0.69 دولار) وصولاً إلى غرام الفضة الأكثر نقاء عيار 999 بسعر 24.5 جنيه (0.79 دولار)، بينما الأوقية (الأونصة) بسعر 1045 جنيهاً (33.8 دولار).
"الشبكة الفضة" حالات فريدة
لم تلهم تجربة غادة جمال، العروس المصرية التي تخلت عن تقليد "الشبكة الذهب" لدى زواجها بأخرى من الفضة، أخريات من أسر اكتوت بنيران التضخم مع ضائقة البلاد الاقتصادية، فلا يزال شراء الذهب مهما غلا ثمنه تعبيراً عن قيمة العروس في أعراف المصريين، فلا قيمة وفق هذه الأعراف للعروس إن تزوجت بغير الذهب.
وواصل معدل التضخم السنوي في المدن المصرية ارتفاعه في يوليو (تموز) الماضي، مسجلاً مستوى قياسياً جديداً تحت ضغط نقص العملة الصعبة وضعف الجنيه المصرية، إذ أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية ارتفع في يوليو الماضي إلى مستوى 38.2 في المئة على أساس سنوي مقارنة بنحو 36.2 في المئة خلال يونيو (حزيران) الماضي. وعلى أساس شهري تباطأ معدل التضخم في يوليو الماضي إلى 1.9 في المئة مقابل 2.1 في المئة خلال يونيو2023.
لا تحظى الفضة بمكانة الذهب ولا يتوقع لها أن تنافس المعدن الأصفر، كما يقول عضو شعبة الذهب في غرفة القاهرة التجارية، عمرو المغربي، ويتحدث عن عديد من الأسباب التي تحول دون امتلاك المعدن الأبيض تلك المكانة، والتي يجسدها نظيره الأصفر، الذي ينظر له في مصر باعتباره "زينة وخزانة" في إشارة إلى قدرته العالية على منع تآكل المدخرات.
ضعف الإقبال
ويضيف عمرو المغربي لـ"اندبندنت عربية" أن من بين الأسباب التي تحول دون انتشار الفضة ضعف جانبي العرض والطلب، إذ لا تحظى بمحال كثيرة لبيعها مقارنة مع الذهب، ولا تجد طلباً كافياً لإكسابها مزيداً من الشعبية، ويقتصر معظم مبيعاتها على المشغولات الفضية لأغراض الزينة.
ويلفت عضو شعبة الذهب في غرفة القاهرة التجارية، إلى أسباب أخرى تدعم مكانة الذهب وكوسيلة للتحوط، من بينها استخدام البنوك المركزية حول العالم للمعدن الأصفر كوعاء ادخاري ضمن احتياطاتها الأجنبية، إضافة إلى النمو السريع في عائدات الذهب، الذي لا يماثل مكاسب الفضة الضئيلة وتحركاتها المتواضعة.
وسجل الذهب في مصر، قبل اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، في فبراير (شباط) 2022، سعر 908 جنيهات (29.56 دولار) للغرام من عيار 21 الأكثر مبيعاً، بينما يبلغ سعره اليوم مستوى 2240 جنيهاً (72.49 دولار).
ووفق تقرير مجلس الذهب العالمي، الصادر مطلع الشهر الجاري، ارتفعت مشتريات المصريين من المعدن الأصفر خلال الربع الثاني من 2023 إلى 17.3 طن مقابل 16.2 طن الربع السابق، و10.7 طن في الربع نفسه من العام الماضي.
أمام طلب متدن، قصرت معظم الشركات، سبائك الفضة على الطلب الفوري، بنظام "الأوردر" أو أوامر الشراء المباشرة، التي تتم في غالبيتها عبر الإنترنت، فيما تواصل المشغولات الفضية الاحتفاظ بمكانتها الرائدة في نفوس عشاق المعدن في البلاد، ولا تبدو البيئة الاستهلاكية في مصر مؤهلة في الأجل القريب لقبول الفضة كمعدن تحوطي.