ملخص
في النهاية لم تعمم المذكرة بعد، لكن الوزير غابريل آتال أشار إلى أنها ستكون سارية قبل موعد دخول الطلاب للعام الدراسي الجديد.
أشعل قرار وزير التربية الفرنسي غبريال آتال بمنع العباءة الإسلامية والقميص في المدارس والثانويات العامة مع بداية العام الدراسي في الرابع من سبتمبر (أيلول) جدلاً سياسياً جديداً وفاقم الانقسامات بين التجمع اليساري الجديد "نوبس" وحتى داخل الحزب الواحد "الاشتراكي"، مما أعاد للأذهان القضية التي شغلت فرنسا عام 1989 حين طردت تلميذتان مغربيتان في كراي بمنطقة واز بسبب رفضهما نزع الحجاب داخل المدرسة.
القضية كانت محط أخذ ورد، وانقسم حولها الرأي العام والطبقة السياسية، وتدخلت فيها الجمعيات، وكانت وراء سن ما عرف بـ"تعميم بايرو" في 1994 الذي ترك لكل مدير اتخاذ القرار حيال الرموز الدينية في مؤسسته بحسب كل حال على حدة، نظراً إلى الفراغ القانوني في هذا المجال.
وهذه القضية أفضت في النهاية إلى سن قانون 2004 الذي يمنع ارتداء الرموز الدينية في المدارس، باعتبار أن مظهر الطالب يجب ألا يدل على انتمائه الديني، فكل علامة ظاهرة تدل على دين التلميذ تعتبر مخالفة لقانون العلمانية.
جدل الحجاب
قبل التوصل إلى سن القانون اتخذت خطوات وتعميمات في 1992 و1994. ويشير بياريك غارديان، وهو محام متخصص بالقانون العام، إلى أن سبب مرور 15 عاماً من الجدل حول الحجاب قبل تبني قانون 2004 يعود لمتطلبات النقاش البرلماني ولعدم توفر غالبية برلمانية، إذ توجب انتظار فترة حكم جاك شيراك وتبلور غالبية برلمانية سمحت بتبني القانون الذي يمنع ارتداء لباس يشير إلى الانتماء الديني للطلاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كاريكاتور بلانتو في عدد "لوموند"، في الـ30 من أغسطس (آب) 2002، لخص الحال باختصار وبشكل لاذع، حين تصور فتاة في غرفة الحمام ممسكة بفرشاة الأسنان بينما والدها بلباسه المنزلي ووراءه شيخ معمم ومدير مدرسة ووالي الشرطة. والوالد يتوجه إلى ابنته قائلاً "لدينا آية الله ومدير الثانوية ووالي الشرطة، والثلاثة يريدون معرفة ماذا سترتدين هذا الصباح".
وزير التعليم في تلك الفترة فرانسوا فيون أكد أن القانون لا يهدف إلى فصل أية تلميذة تأتي بحجابها، والهدف هو التفاوض والحوار لشرح أن العلمنة هي أداة لحماية معتقدات ودين كل مواطن.
لكن قانون 2004 لم يضع لائحة كاملة بالرموز أو الملابس التي يمكن أن تشكل علامة ظاهرة تدل على الدين، التي كان من بينها الحجاب والعمامة.
في مسألة العباءة
أما مسألة العباءة التي هي محل جدل اليوم فهي ليست وليدة الأمس، بل جاءت ضمن سياق الخطاب العام حول الإسلام السياسي والإسلاميين، وتناولت الصحافة القضية أكثر من مرة منذ ما يزيد على عامين، إذ أشارت صحيفة "لوفيغارو" في مقالة مطولة، في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تحت عنوان "اللباس الإسلامي في المدرسة: السلطات تتخلى عن التعامي"، إلى تزايد ظاهرة ارتداء العباءة بين طالبات المدارس والثانويات، إلى جانب ارتداء القميص من الطلاب ولكن بنسبة أقل.
وكان الوزير متردداً في البداية ولم يشأ التطرق إلى الموضوع، لكنه في النهاية أشار إلى أنها "ظاهرة تخفي استغلاليين مهنيين، فهم لا يريدون الخير لا للمدرسة ولا للجمهورية، لسنا مغفلين وعلينا بكل بساطة تطبيق قانون 2004".
وعبر مراقبة تطور الظاهرة أشارت أكاديميات عديدة وبخاصة أكاديمية باريس واللجنة الوطنية للعمل العلماني إلى تضاعف حالات ارتداء العباءة وخصوصاً خلال شهر رمضان، مما حدا بوزيرة الدولة لشؤون المواطنة سونيا بكيس لطرح السؤال حول رمزية العباءة، معتبرة أن غير المسلمين لا يرتدونها مما يعني أنها لباس إسلامي، وهذا التأكيد جاء بعد استنكار مجلس الديانة الإسلامي في فرنسا الذي أكد أن العباءة لا تعتبر لباساً دينياً.
بكيس تساءلت "هل الذين ليسوا من الديانة الإسلامية يرتدون العباءة؟ كلا. إذاً العباية لباس إسلامي، مما يعني أنه مناف للعلمانية"، وتابعت أن "اللاتي يرتدين العباءة يفعلن ذلك بقصد التحدي".
من جهتها كشفت مجلة "ليكسبرس" عن مذكرة في صيف العام الماضي صادرة عن اللجنة الوزارية لاستدراك الجنوح والراديكالية، وعبرت فيها عن قلقها من ظاهرة ارتداء الملابس الدينية بالمدارس، لافتة إلى تصاعد الخطاب الإسلامي المشكك بقانون 2004 على مواقع التواصل.
في الـ16 من سبتمبر (أيلول) عام 2022 وبحسب صحيفة "لوفيغارو"، أوصت وزارة التربية مديري الثانويات باتخاذ الحيطة والحذر من "ظاهرة ارتداء ملابس تكشف بشكل ظاهر عن الانتماء الديني"، في إشارة واضحة إلى العباءة التي عادة ما يرتديها المسلمون في المسجد، لكن الطلاب وأهاليهم استنكروا أن يكون لهذا الزي أي بعد ديني مشددين على جانبه الثقافي، وهو تبرير لم يقنع السلطات الفرنسية التي رأت أن هذا التوجه يخفي نية الالتفاف على قانون 2004.
تحذير لم يعمل به المديرون الذين ارتأوا انتظار صدور تعليمات واضحة ودقيقة، كما أن الجسم التعليمي من مديرين وأساتذة لم ينس حادثة قتل المدرس صمويل باتي.
تهديد بالموت
في هذا الإطار كشفت الشرطة عن حوادث متفرقة، بعضها ذهب إلى حد تهديد أفراد من الطاقم المدارس بالموت من شبان اعتراضاً على تطبيق القانون.
والعام الماضي بلغ عدد حالات مخالفة قانون العلمانية 627 حالة، وعام 2022 شهد ظاهرة ارتداء العباءة أو الرموز الدينية بنسبة زيادة 22 في المئة، لكن هذه الإخطارات تبقى تقريبية كون عدد من المديرين وموظفي الإدارات لا يتجرأون على الإبلاغ عن الحالات بشكل مكشوف، وحيال المخاطر التي يمكن أن يواجهها هؤلاء اختار مدرس، فضل عدم الكشف عن هويته بينما يدلي بتجربته إلى الصحافية كارين أزوباردي لنشر كتاب بعنوان "تنازات صغيرة مميتة"، أن يكشف عن تنامي هذه الظاهرة والضغوط التي يتعرض لها الأساتذة من الطلاب وأهاليهم.
المدرس أشار إلى إحصاء 4720 إشارة إخلال بالقانون هذا العام، مما يعني ارتفاعاً بنسبة 120 في المئة خلال عام واحد، كما تحدث عن الضغط الذي يمارسه الطلاب على زملائهم وأساتذتهم. وتساءل "هل ما صرح به غبريال آتال سيكون مذكرة تمنع ارتداء العباءة؟ آتال الذي أراد عبر تصريحه وإعلانه منع العباءة أن يبدو صارماً ربما عمل على نص المذكرة التي لم تنشر بعد، معتبراً أن ذلك يمنع تحديد ديانة الطلاب عند رؤيتهم"، مؤكداً "حيث يجري اختبار الجمهورية سنكون سداً منيعاً".
تجدر الإشارة إلى انقسام الأحزاب السياسة حيال الموضوع لدرجة غابت معها الحدود حتى داخل الحزب الحزب الاشتراكي الواحد، إذ رأى النائب فيليب برون عن منطقة أور أن كل هذا الضجيج حول ثوب لا يطاول في الحقيقة سوى 150 مدرسة، مشيراً إلى أنه يرى على مداخل منطقته أعداد الـ"كورب توب" (تي شيرت يكشف عن البطن) التي منعت العام الماضي تزيد على أعداد العباءات، لكن في المقابل رحب عمدة مونبلييه ميشال دولافوس من الحزب الاشتراكي بالقرار.
ردود فعل مماثلة جاءت من حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين)، الذي اعتبر أن الوزير أخذ في الاعتبار أحد اقتراحاته، وكما جاء في تصريح سيباستيان شونو فإن "اقتراحات التجمع الوطني صحيحة واقعية وقابلة للتطبيق"، أما إريك زمور فاعتبر أن من المستحسن الذهاب أبعد من ذلك لقطع الطريق على الإسلاميين عبر اقتراح الزي الموحد.
انقسامات إضافية
ردود الفعل هذه عكست انقسامات إضافية بين صفوف "نوبس"، وهو التجمع اليساري الجديد. فحزب "فرنسا الأبية" وصف الخطوة بالمعادية للإسلام، وتوعد بنقض القرار أمام المجلس الدولة، إذ صرح جان لوك ميلانشون بأن "هذه الخطوة عبارة عن حرب دينية تستهدف زياً نسائياً لا علاقة له بالدين".
في هذا السياق اعتبرت النائبة عن حزب "ميلانشون" كليمانتين أوتان القرار مخالفاً للدستور، كما اعتبرت زعيمة الخضر أيضاً أنه يشكل رقابة على جسد المرأة، وذكرت بمنع الـ"كورب توب" العام الماضي.
على الضفة الأخرى لليسار ظهرت أيضاً أصوات موالية للخطوة، كالشيوعي فابيان روسيل الذي اعتبرها "مهمة وتدعم مديري المدارس". وكان جيروم غيدج النائب الاشتراكي على خط عمدة مونبوليه نفسه، إذ اعتبر أن الخطوة ليست "شرطة اللباس" بل شرطة التعبئة السياسية في المدارس.
في النهاية لم تعمم المذكرة بعد، لكن الوزير غابريل آتال أشار إلى أنها ستكون سارية قبل موعد دخول الطلاب للعام الدراسي الجديد، ومن الناحية القانونية يقول بياريك غارديان إن الوزير سيعلن مذكرة ويعممها، ومجلس الدولة سيناقشها لمعرفة ما إن كانت العباءة تدخل في إطار قانون 2004 أم لا، وفي حال أقر المجلس أنها مطابقة لأحكام قانون 2004 ستمنع العباءة، أما إذا ارتأى أن ذلك مخالف للدستور فسيمنع المذكرة مما سيحدث سجالاً، وعندها يتعين على الوزير إقرار قانون جديد.