Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انقلاب الغابون يضع "سلالة بونغو" في المأزق الصعب

تتولى السلطة في البلاد منذ 55 عاماً والتوريث "المقنع بالدستور" أجج رغبة الشعب في قيادة جديدة

ضعفت شعبية علي بونغو مقارنة بوالده، لكنه حتى الانقلاب عليه، كان لا يزال يتمتع بقبضة قوية على مؤسسات الدولة (أ ف ب)

ملخص

استمر حكم علي بونغو الابن أمام مطالبات بإجراء إصلاحات دستورية في ظل تنامي ظاهرة توريث الحكم بوسائل غير ملكية.

قفزت الغابون الدولة الساحلية الغنية بالنفط والمستعمرة الفرنسية السابقة إلى واجهة الأحداث الأفريقية من مرقدها في خط الاستواء، لتنضم إلى سلسلة الانقلابات التي شهدتها أفريقيا خلال الفترة الماضية وآخرها في النيجر بغرب أفريقيا في يوليو (تموز) الماضي، بعد أن أعلن عسكريون اليوم الأربعاء عبر التلفزيون الرسمي أنهم "سيضعون حداً للنظام الحالي" المستمر منذ 55 عاماً وإلغاء الانتخابات التي فاز بها الرئيس علي بونغو أونديمبا، وفقاً للنتائج الرسمية.

وكان مقرراً أن تستمر سيطرة عائلة بونغو على السلطة، فقد استلم والده الحاج عمر بونغو أونديمبا السلطة في الفترة من 1967 حتى وفاته في يونيو (حزيران) 2009، وفي الثالث من سبتمبر (أيلول) 2009 انتخب علي بونغو رئيساً للبلاد وأعيد انتخابه لثلاث فترات رئاسية متتالية مدة كل منها سبعة أعوام.

 

جذور العائلة

بحسب الوثائق، لا توجد صراعات كبيرة بين الجماعات الإثنية في الغابون، فالمجموعات العرقية تنتشر عبر الحدود ممتدة من البلدان المجاورة، وحتى القرن الـ13 لم يكن يعرف سوى قليل عن شعب الغابون، ومن بين القبائل الموجودة منذ أن اكتشف شعب "الأقزام" بها "البانتو" التي تنتمي إليها عائلة بونغو، لكنهم جميعاً ينحدرون من جذور بانتوية مثل سائر دول الإقليم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هناك معلومات تشير إلى صلة هذه الأسرة بإثنية كاميرونية، خصوصاً أن الكاميرون هي الدولة المحورية في الإقليم وتحيط بالغابون من الشمال والغرب، وإثنية "البانتو" مكونة من 40 فرعاً أكبرها هي قبائل "فانغ" و"إشيرا" و"مبيلي" و"أوكاندي"، وتعيش نسبة صغيرة فقط من السكان الأصليين في الغابون بالمدن، حيث يتركز السكان في المناطق الساحلية والقرى الواقعة على طول ضفاف الأنهار، متبعين نمط حياة ريفياً أكثر تقليدية.

ويتميز الشعب الغابوني بأنه "أرواحي" يتبع طقوساً معينة، فلدى كل إثنية طقوسها التي تختلف إلى حد بعيد عن غيرها وتتمسك بها في مناسبات الولادة والموت والتنشئة والشفاء والزواج وطرد الأرواح الشريرة، ومع أن اللغة الرسمية في الغابون هي الفرنسية، لكن اللغة الأفريقية الرئيسة أيضاً هي "فانغ"، إضافة إلى لغة "الإشيرا" التي يتحدث بها عشر السكان، ولهجات "البانتو" المنطوقة تشمل "بابونو" و"ميين" و"باتيكي".

والغالبية العظمى من سكان الغابون هم من المسيحيين ويشكلون نحو 60 في المئة من السكان، إلى جانب بضعة آلاف من المسلمين معظمهم مهاجرون من بلدان أفريقية أخرى، ويأتي المسلمون الذين تنتمي إليهم عائلة بونغو في المرتبة الثانية في كل دول الإقليم تقريباً، وتسود أيضاً ديانة تسمى "بويتي" نسبة إلى مجتمع سري سابق يحمل الاسم نفسه وظهر في أوائل القرن الـ20 ولعب لاحقاً دوراً في تعزيز التضامن بين الفانغ.

تسلسل التوريث

وتعد أسرة بونغو من الأسر التي ارتبط بها المسار السياسي في الغابون منذ فترة مبكرة عندما تولى الحاج عمر بونغو (الأب) الرئاسة خلفاً لأبي الاستقلال الغابونى ليون إمبا، وامتد حكم عمر بونغو بعد أن عدّل الدستور عام 2003 ليسمح لنفسه بالترشح لمنصب الرئاسة مرات عدة وعقدت آخر انتخابات رئاسية خلال عهده في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، فأدى اليمين الدستورية لولاية جديدة من سبعة أعوام في الـ19 من يناير (كانون الثاني) 2006.

وخلفه ابنه علي بونغو بعد وفاته، فقدمه الحزب الحاكم مرشحاً بعد إعداده المسبق بواسطة العائلة في 2009، وأعيد انتخابه لولاية ثانية عام 2016 في انتخابات شهدت أعمال عنف جراء احتجاج المرشح المنافس آنذاك جان بينغ.

حسبت انتخابات علي بونغو في خانة التوريث الذي بدأ يدب في المنطقة الأفريقية واستمر حكم الابن أمام مطالبات بإجراء إصلاحات دستورية في ظل تنامي ظاهرة التوريث للحكم بوسائل غير ملكية مثلما حدث في الكونغو الديمقراطية عندما تولى جوزيف كابيلا الابن الرئاسة في كنشاسا عقب حادثة اغتيال والده لوران كابيلا الأب عام 2001، وكذلك تولى فور نياسمبي الحكم في توغو بعد وفاة والده إياديما نياسمبي، ومحاولات كريم وداي في السنغال الترشح خلفاً لوالده عبدالله وداي، وما جرى من محاولات للتوريث في عهد معمر القذافي وحسني مبارك وحديثاً محمد إدريس ديبي في تشاد، وما يتردد عن نية توريث الرئيس الحالي لغينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ الحكم لابنه.

ومع أن التوريث على الطريقة الغابونية جاء وفق الدستور المجاز، فإن الممارسة والأزمات وتبرم الشعب الغابوني خصوصاً مع مرض الرئيس علي بونغو، كلها عوامل ساعدت على اتساع رغبة الشعب الغابوني في قيادة جديدة عبر الانتخابات، لذا تشكل تحالف معارض قدم ألبرت أوندو أوسا في الانتخابات الأخيرة التي جاءت نتيجتها مخيبة للآمال وتدخل على أثرها الجيش.

تراكم الثروة

وذكر موقع "ذا أفريكا ريبورت" أن "والد بونغو (عمر) كان أحد أقرب حلفاء فرنسا في حقبة ما بعد الاستعمار، وكان ابنه يتردد منذ فترة طويلة على باريس، حيث تمتلك عائلته محفظة عقارية واسعة النطاق يتم التحقيق فيها من قبل قضاة مكافحة الفساد. وتحافظ باريس على وجود عسكري في عدد من أراضيها السابقة، بما في ذلك الغابون، حيث ينتشر 370 جندياً بشكل دائم، بعضهم في العاصمة ليبرفيل"، وفقاً لموقع وزارة الدفاع الفرنسية.

وأضاف الموقع "خلال خطاب ألقاه في ليبرفيل في مارس (آذار) الماضي نفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أية طموحات فرنسية للتدخل في أفريقيا، قائلاً إن عصر التدخل ’قد انتهى‘. وذكرت مجموعة التعدين الفرنسية ’إيراميت‘ التي توظف 8000 شخص في الغابون أنها أوقفت أنشطتها في البلاد من أجل سلامة الموظفين وأمن العمليات"، كما أورد موقع "ذا كونفرسيشن" أن "علي بونغو هو نجل الرئيس السابق عمر بونغو الذي حكم البلاد من عام 1967 إلى 2009، بدعم الحزب الديمقراطي الغابوني الحاكم الذي أسسه والده، وانتهج الفساد في قطاعي التعدين والنفط، والقرابة السياسية".

وأضاف الموقع "وفقاً لبعض التقديرات، يسيطر علي بونغو على أصول بقيمة مليار دولار أميركي ويتم إخفاء كثير منها في الخارج، مما جعله أغنى رجل في الغابون، ولم يكن الحكم المستمر من قبل عائلة بونغو مفيداً لبلد يبلغ عدد سكانه نحو مليوني نسمة فقط يعيشون في فقر مدقع بينما تتقلب الأسرة الحاكمة في الثراء"، علماً أن الغابون تتمتع بثروة نفطية هائلة منذ اكتشاف عدد من رواسب النفط في المناطق المجاورة للعاصمة ليبرفيل عام 1931، مما جعلها ضمن أكبر خمسة منتجين للنفط الخام في جنوب الصحراء الأفريقية.

ضعف الشعبية

بحسب مراقبين، ضعفت شعبية علي بونغو مقارنة بوالده، لكنه حتى الانقلاب عليه كان لا يزال يتمتع بقبضة قوية على مؤسسات الدولة ويحافظ على هيمنته السياسية من خلال مزيج من المحسوبية والقمع، وخلال 41 عاماً في السلطة اشتهر عمر بونغو بمراكمة ثروات من بلده العضو في "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) منذ عام 2016، كما كانت الغابون عضواً سابقاً فيها بين 1975 و1995.

 ومع أن هناك مصادر ترجح تأثير دوائر أجنبية في ما يحدث الآن في ليبرفيل، لكن ستضاف تجربة الغابون إلى مسار عودة التغيير العسكري في أفريقيا، بخاصة الفرانكوفونية التي تتقاطع عندها عوامل البيئة الاستراتيجية الدولية والإقليمية والمحلية، وحتى اللحظة لم تسارع منظمات مهمة للتعبير عن رأيها، خصوصاً زعماء دول مجموعة "سيماك" النقدية التي تتبع لها الغابون وتضم الكاميرون والكونغو وتشاد وغينيا الاستوائية وأفريقيا الوسطى، وهذا التدخل العسكرى هو الثاني من نوعه في فترة علي بونغو إذ وقع انقلاب محدود فاشل عام 2019 أثناء استشفاء بونغو في الرباط آنذاك.

وقدمت الاضطرابات الأخيرة تناقضاً صارخاً مع بداية بونغو الذهبية في الحياة باعتباره سليلاً خالياً من الهموم للعائلة الحاكمة الثرية ويبلغ عدد أفراد عائلة بونغو المئات، فقد أنجب عمر بونغو وحده ما لا يقل عن 50 طفلاً ويشغل أفراد العائلة مناصب رئيسة في الحكومة والاقتصاد.

المزيد من تقارير