Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تخترق أوكرانيا دفاعات روسيا وتفقد قوات بوتين توازنها؟

ترفع كييف وتيرة الضربات بالطائرات المسيرة على القرم فيما تسعى إلى قطع خطوط الإمداد من شبه الجزيرة التي يحتلها الروس

قوات أوكرانية تطلق النار على مواقع روسية عبر الخطوط الأمامية في منطقة زابوريجيا (فياشيسلاف راتينسكي/ رويترز)

ملخص

القوات الأوكرانية تعبد الطريق باتجاه تخطي الدفاعات الروسية وتحقيق خرق عسكري.

ضربات بعيدة المدى بالطائرات المسيرة والصواريخ وغارة على مناطق في القرم المحتلة فاجأت القوات الروسية، كلها جزء من محاولة كييف الأخيرة للتقدم باتجاه شبه الجزيرة التي تجسد طموحات فلاديمير بوتين الميدانية.

ولعل أهم ما حدث في هذا الصدد هو استعادة قرية روبوتين التي تبعد نحو ثلاث ساعات بالسيارة شرق القرم. فاكتساب موطئ قدم في ذلك المكان سيساعد أوكرانيا على إرساء أسس لتنفيذ اختراق نحو ساحل بحر آزوف.

وبالفعل، تعتمد قوات الكرملين على تلك الطرق الساحلية بغرض التزود بكل شيء يتيح لها الحفاظ على قدرتها القتالية في عدة مناطق في أوكرانيا. ومن دونها، ستعتمد على الإمدادات المنقولة عبر مضيق كيرتش على جسر كيرتش الذي يربط روسيا بالقرم، وهو الأطول في أوروبا، وأثبت أنه عرضة للهجمات الأوكرانية. لذلك يعتبر قطع ذلك الطريق الساحلي انتصاراً مفصلياً بالنسبة إلى أوكرانيا، إذ من شأنه أن يقطع الخطوط الروسية في المنطقة.

لطالما تحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن ضرورة استعادة أوكرانيا كافة الأراضي التي احتلتها روسيا، ومنها القرم. ضمت موسكو شبه الجزيرة بشكل غير شرعي في عام 2014. ويعد جسر كيرتش الواصل بين روسيا والقرم، الذي تعرض لعدة هجمات، من أهم مشاريع البنى التحتية بالنسبة إلى بوتين- وقد افتتحه شخصياً.

سجلت الأسابيع الأخيرة ظهور القرم بشكل أكثر انتظاماً في المستجدات العسكرية الأوكرانية. أفادت القوات الأوكرانية الخاصة أنه، لمناسبة حلول الذكرى الـ32 لاستقلال البلاد، الأسبوع الماضي، توغلت داخل القرم المحتلة وفاجأت قوات الاحتلال الروسية تماماً. وأفادت القوات الخاصة أنها أوقعت إصابات في صفوف القوات الروسية خلال تبادل للنيران بين الطرفين قبل أن تنسحب من دون وقوع أي إصابات في صفوفها. ودعماً لهذه المزاعم، عرضت شريطاً مصوراً لجنود يرفعون العلم الأوكراني وسط أزيز الرصاص في الخلفية.

تحدث كل هذه التطورات في إطار الهجوم الأوكراني الموسع. تشتبك قوات كييف مع الجيش الروسي في ثلاث مناطق مختلفة في شمال شرقي البلاد، حيث تدور معارك عنيفة في محيط مدينة كوبيانسك التي يسيطر عليها الأوكرانيون فيما يحاول الروس وضع يدهم عليها، وعلى طول الجبهة الشرقية وتحديداً حول مدينة باخموت المدمرة ذات الدلالة الرمزية، وفي الجنوب قرب الحدود مع منطقة زابوريجيا -أي المنطقة المحيطة بقرية روبوتين.

تدرك أوكرانيا أن هجومها لا يتقدم بالسلاسة والسرعة التي كانت لتريدها عندما أطلقته في فترة سابقة من الصيف. صدرت بعض الشكاوى من الغرب من أن كييف ربما توزع مواردها بشكل يستنزفها على جبهة كبيرة تبلغ 600 ميل. ونصح البعض القيادة الأوكرانية العليا أن تركز بدل ذلك على المهمة الرئيسة، أي إحداث اختراق نحو بحر آزوف كي تقطع ذلك الممر الميداني بالغ الأهمية من روسيا إلى قواتها المحتلة في جنوب أوكرانيا والقرم.

حاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يخفض سقف التوقعات بأن يحقق الهجوم الصيفي نتائج ضخمة مماثلة للمكاسب الكاسحة التي حققتها أوكرانيا في منطقة خاركيف خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وقال مع انطلاق الهجوم، إنه لن يكون شبيهاً بفيلم هوليوودي مبهج وسريع الوقع.

والسبب الرئيس لبطء التقدم هو أنه كان أمام القوات الروسية أشهر طويلة لتجهيز دفاعات هائلة على ثلاثة مستويات. وقد شملت زرع الألغام بشكل مكثف وتركيز المدفعية على الأراضي التي سيضطر الجنود الأوكرانيون إلى قطعها بمركباتهم قبل أن يصلوا إلى التحصينات القوية وشبكات الخنادق والأنفاق الموسعة التي تحمي الجنود الروس. 

كما حذرت كييف من أنه على رغم من تلقيها كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة من حلفائها، فهي لا تمتلك كل ما تحتاج إليه، لا سيما القدرات الجوية، من أجل اختراق هذه الدفاعات. ولم تكن القيادة السياسية والعسكرية الأوكرانية على استعداد لإرسال جنودها بالجملة إلى الموت كما يفعل القادة الروس الذين يرسلون أفواجاً من البشر ليقوموا بهجمات انتحارية قاسية في هذه الحرب.

لكن على رغم مقاربة كييف الحذرة، لقي آلاف الجنود الأوكرانيين مصرعهم، أو أصيبوا بتشوهات، مع اقترابهم من حقول الألغام. وفيما لم يحرز أي من الطرفين تقدماً في الشمال الشرقي ولا على جبهة باخموت، تقدمت القوات الأوكرانية نحو 10 أميال مشبعة بالدماء باتجاه روبوتين. 

لكن هذه المنطقة تبعد قرابة 50 ميلاً عن بحر آزوف. ويقول بعض حلفاء كييف إن هذه المسافة بعيدة جداً، فلا يمكن للقوات الأوكرانية أن تقطعها قبل حلول الطقس السيئ الذي يجعل أي تقدم عملية شاقة جداً. في المقابل، لم يستخدم القادة الأوكرانيون في هجومهم بعد الجزء الأكبر من الدبابات الغربية الحديثة وغيرها من المركبات المصفحة والتجهيزات القوية التي حصلوا عليها من هؤلاء الحلفاء نفسهم.

وما زالوا يبحثون عن نقاط ضعف في خطوط الروس، وإن وجدوها أو عندما يجدونها، سيوجهون تلك الموارد إليها أملاً بالتغلب على قوات موسكو ثم مطاردتها وصولاً إلى البحر.

وقال مراقبون عسكريون إنه حتى لو لم تصل القوات الأوكرانية إلى الساحل، فهي تقترب من بلوغ مسافة يمكنها أن تطلق منها صواريخها لتقصف طرق الإمداد الروسية الرئيسة وتعطلها. وسوف يحدث هذا النوع من استنزاف الموارد الروسية فارقاً في المستقبل.

اضطر الأوكرانيون إلى الاعتماد على حس الابتكار والدهاء والخداع لموازنة الأفضلية الكبيرة التي يتمتع بها الروس من حيث عديد قواتهم وكميات الأسلحة التي يمتلكونها. ولا تزال أوكرانيا تضغط على الغرب للحصول على مزيد من المساعدة بما في ذلك الطائرات المقاتلة.

كما أعلنت الحكومة الأوكرانية عن نجاح أجهزة استخباراتها في إقناع طيار روسي بالانشقاق مع مروحيته من طراز مي-8. وصرح رئيس جهاز الاستخبارات الأوكراني، كيريلو بودانوف، أن جماعته دبرت أمر إخراج أسرة الطيار من روسيا ولجوئها إلى أوكرانيا سراً قبل انشقاقه، لكن لا يعرف بالتحديد متى وأين هبطت مروحية مي-8 على الأراضي الأوكرانية، فيما أفاد بودانوف عن مقتل شخصين آخرين من طاقم المروحية لم يعلما بمؤامرة الانشقاق أثناء محاولتهما الفرار عند إدراكهما بأنهما في أوكرانيا.

لم يعلق الكرملين بعد على أنباء الانشقاق، الذي يضاف إلى ضربات المسيرات الأوكرانية المستمرة على أهداف في العمق الروسي بما فيها موسكو، وغيرها من الضربات على القرم، ويشكل مصدر إزعاج لموسكو.

ونضيف إلى ما تقدم حادثة الطائرة الذي أودى بمؤسس قوة مرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوجين، الذي لعب مقاتلوه جزءاً أساسياً في المعارك حول باخموت وأسهموا في سقوط المدينة قبل تمردهم القصير وتقدمهم نحو موسكو. يؤمن كثيرون بأن أجل بريغوجين كان معلوماً بعد تمرده في يونيو (حزيران)- وقد انتهى وقته يوم الأربعاء الماضي عندما تحطمت طائرته أثناء رحلة من موسكو إلى سان بطرسبورغ.  

لطالما قمع بوتين بقوة أي معارضة لحكمه المطلق وأرسلت وفاة بريغوجين رسالة واضحة لأي شخص آخر يفكر بالتصدي له، حتى لو نفى الكرملين ضلوعه بالموضوع.

لكن هل اضطرار بوتين إلى تصفية شخص أثنى عليه سابقاً بعد تحقيقه انتصاراً من الانتصارات القليلة، وإن كانت باهظة الثمن، في الحرب مع أوكرانيا، يجعل موقعه يبدو حصيناً بالفعل؟

أم يكشف القناع عن نظام يتآكل بشكل خطر؟ وهذا وضع تسعى أوكرانيا إلى استغلاله بكل الطرق الممكنة.  

© The Independent

المزيد من دوليات