ملخص
يرى توم بيك أن الاعتراضات التي واجهتها تيريزا ماي خلال حقبة رئاستها للحكومة لم تكن إساءة استخدام للسلطة من قبل خصومها أما اعتقادها بذلك فهو بالحقيقة إساءة للواقع
تيريزا ماي هي واحدة من قلة من رؤساء الوزراء البريطانيين السابقين الذين لم يقوموا بكتابة مذكراتهم. والأسباب وراء ذلك، تبرزها ماي وبشكل واضح جداً، وربما عن طريق الصدفة، في الكتاب الذي أصدرته أخيراً، وهو بعنوان "إساءة استخدام السلطة: مواجهة الظلم في الحياة العامة" The Abuse of Power: Confronting Injustice in Public Life.
في الكتاب، تشرح ماي كيف أن نشأتها كابنة قسيس قد دفعتها للاعتقاد بأنها كانت وبشكل من الأشكال، دوماً نائبة برلمانية [تسعى وراء مصالح الناس]، وتمثل مؤسسة وليس نفسها، وهذا كان السبب أنها كبرت وتمسكت بالإصرار على ألا تفعل أو تقول يوماً أي شيء من شأنه أن يدفع أي كان للاعتقاد ربما، أنها كانت مسلية، أو أن ما قالته قد يكون مهماً، ولو بنسبة ضئيلة.
أطباء الأمراض العصبية، يفهمون أن الذاكرة البشرية تعمل بطريقة محددة. فعندما نستعيد حدثاً من الذاكرة، فإنه لا يكون بشكله الأصلي، لكن بدلاً من ذلك نستعيد الحدث كما كنا قد تذكرناه أخيراً. فهو يضع باستمرار طبقات ذكريات حياة البالغين فوق ذكريات الطفولة. وهذا ما يفسر لماذا يبدو وكأن تيريزا ماي تعيد استذكار ما يتعلق بطفولتها هي: "كانت هناك أوقات عندما منعت نفسي من إطلاق الدعابات، أو ما يمكن اعتباره تعليقاً ساخراً لأنه كان يمكن أن يؤخذ خارج سياقه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن كتاب "إساءة استخدام السلطة" هو وبطريقته الخاصة نوع جريء جديد من السير الذاتية. وبشكل من الأشكال، إنه كتاب عنها هي، لكنه وضع في إطار يعكس تجارب كل الأشخاص الذين أساؤوا إليها، خصوصاً من خلال جسارتهم بألا يفعلوا حرفياً ما كانت ترغب في أن يقوموا بفعله.
إن كونها ابنة قسيس ربما كان السبب وراء حصولها على "الأهلية" لتشق طريقها في المجال السياسي ولكن ذلك لا يبدو أنه قد منحها أي مسؤولية أخلاقية كبيرة كي تقول الحقيقة. وهنا لا نقصد القول إنها منافقة. إن ذلك يمكن أن يكون ادعاءً قاسياً وغير لطيف بحقها.
إن المقتطفات من الكتاب الذي يتوقع صدوره قريباً لا تشير إلى أنه من إنتاج تخيل متعمد، بل هو عمل من أعمال شخص هو ببساطة واهم إلى حد كبير.
إن إساءات استخدام السلطة التي يمكن إيجادها في كتاب "إساءة استخدام السلطة"، هي وفي جزء كبير منها إساءات قد يجادل كثير من الأشخاص ربما بأنها في الواقع محاولات مشروعة إلى حد كبير لمنعها [منع ماي] من القيام تحديداً بما كانت ترغب القيام به أو بشكل أدق، لأنه لم يكن لديها السلطة للقيام بما كانت ترغب القيام به أصلاً.
بحسب ماي، أعضاء متنوعون من حزب المحافظين أساؤوا استخدام السلطة لأنهم لم يوافقوا على مشروع اتفاقية بريكست الذي كانت قد قدمته. رئيس البرلمان السابق جون بيركو أساء استخدام سلطاته كرئيس لمجلس العموم (وهذه الحالة، كي نكون منصفين، هو واقع لا يمكن نفيه أبداً). لكن وفي النهاية، إن فشلها يعود إلى أن حزب العمال المعارض لم يكن مستعداً لتأييدها أو كما تقول بنفسها إن "حزب العمال اختار أن يسيء استخدام سلطاته".
بطبيعة الحال، إن معظمنا أحال الذكريات المتعلقة بتلك السنوات إلى أعماق خزانة أحزاننا وقمنا بفعل المستطاع كي نتخلص من مفاتيح تلك الخزانة. وأنا لا أعتقد أنني الوحيد الذي يعاني من لمحات من الذاكرة ممزوجة باضطرابات ما بعد الصدمة حيال ما جرى في الانتخابات العامة عام 2017، وحيال رئيسة الوزراء في تلك المرحلة وبغض النظر عن اسمها، والتي قامت باستجداء الناخبين مراراً وتكراراً "كي يبدوا دعمهم لها في المفاوضات مع أوروبا" لكن الناخبين حينها رفضوا وبشدة مساعدتها.
وكانت تيريزا ماي محقة في حساباتها بأنها لا تمتلك الدعم الكافي للمصادقة على الاتفاقية [بريكست] في مجلس العموم، ولذلك دعت لإجراء انتخابات عامة، فحولت غالبيتها الضئيلة إلى لا غالبية على الإطلاق. وكان يصعب تخيل إساءة استخدام للسلطة أوضح من أن يحاول المرء زيادة سلطاته بشكل أكبر، ثم وبشكل مفاجئ يقوم بخسارة ما كان لديه، ثم أن يتوقع ممن نجحوا في الفوز بالسلطة التي كانت هي قد خسرتها - لأن الناخبين منحوها لهم - أن تقوم بمواصلة تنفيذ سياساتها وكأن شيئاً لم يكن.
على الأقل، وبحسب الكلمات التي قامت باختيارها في كتابها والتي يمكن أن تكون مختلفة عن الأصوات التي تخرج عليها ليلاً في منامها، فإنه لم يتبد لها أن خسارة الغالبية البرلمانية تحتم على المرء أيضاً أن يخسر السلطة. وإذا لم تقتنع هي بذلك فإن الناس لن يقتنعوا بها بأي شكل من الأشكال.
"عندما خرجت الأمور عن السيطرة" كما تقول، "كنت مستعدة للتوصل إلى حل وسط كي أقوم بإتمام عملية بريكست. لكن زعيم حزب العمال في حينه جيريمي كوربين، وحزب العمال لم يكونوا راغبين في ذلك".
في الأشهر التي سبقت الاستفتاء على الخروج من أوروبا، فإن أمثال [السياسي] نايجل فاراج، و[رجل الأعمال] آرون بانكس أسهبا في الحديث عن اعتماد النموذج النرويجي مع أوروبا، والذي يعني – سواء كانوا يعلمون ذلك أم لا - البقاء في السوق الموحدة والموافقة على حرية الحركة للناس، وعلى رغم ذلك فإن شكل الخروج الذي سعت تيريزا ماي إلى تحقيقه في النهاية، كان أكثر تطرفاً من أي صيغة تجرأ أي كان حتى على الهمس بها، في أي وقت من الأوقات قبل تاريخ 23 يونيو (حزيران) 2016 [تاريخ الاستفتاء]، ولكنه ليس من الواضح مباشرة من كانت الجهة التي كانت تيريزا ماي تسعى للتوصل إلى تسوية معها. فهي وبعدما قامت بحملات انتخابية دعماً للبقاء في أوروبا وصوتت طبقاً لذلك، فإن الشخصية الوحيدة التي كانت ماي قد رفضت التوصل إلى تسوية معها، هي مع نفسها.
ليس من الواضح ما شكل التسوية التي توقعت أن يتوق إليها حزب العمال، ولكنها استنتجت بأنه جرى تبرئة ساحتها في النهاية، عندما "قاموا [حزب العمال] بدفع الثمن في صناديق الاقتراع". يمكن، وعلى سبيل المجادلة هنا، أن يكون المرء غير لطيف في إشارته إلى أن الثمن كان باهظاً للغاية لأن أحدهم أخذ هديته المجانية - ماي نفسها.
سيكون في المملكة المتحدة تغيير حكومي في وقت قريب. وإنه أمر واقع حتماً أن أفضل آمال البلاد في تأمين مستقبل أكثر ازدهاراً سيأتي عن طريق حزب يمكنه أن يخلق الأرضية التي تسمح بتغيير الأجواء السياسية المتعلقة بمسألة الانضمام إلى أوروبا [من جديد].
لن يكون الأمر سهلاً، لكنه سيكون أصعب بكثير لو كان ستارمر وآخرون يطاردهم سجل عام طويل من التوافق مع أفكار تيريزا ماي المجنونة، فقط لإبقاء تيريزا ماي سعيدة. ما فعلوه لم يكن إساءة استخدام للسلطة. الاعتقاد بذلك هو إساءة للواقع.
© The Independent