Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

ما وراء فتنة الحرف "إكس"

من علم الجبر إلى إيلون ماسك مروراً بتصنيفات الأفلام... هكذا أصبح "X" الرمز الأكثر غموضاً وتناقضاً في التاريخ

لا يخفى هوس ماسك بهذا الحرف (ريدينغ فاين.كوم)

ملخص

هل أخطأ ماسك في قراره الأخير، وهل سيكتب حرف أكس نهاية "تويتر"؟

في الأيام الأخيرة، سلطت الأضواء من جديد على الحرف "إكس" منذ أن تحدث الروائي الكندي دوغلاس كوبلاند عن جيل ذي روح اجتماعية عدمية فُقدت في ثقافة ما بعد الحداثة، وذلك في روايته الصادرة عام 1991 بعنوان "الجيل إكس: حكايات من أجل ثقافة متسارعة" Generation X: Tales for an Accelerated Culture. وبفضل الأخير، أُطلق على مواليد الفترة الممتدة بين أوائل ستينيات القرن الـ20 وأوائل ثمانينياته لقب الجيل "إكس". وبطبيعة الحال، فإن ماسك، المولود عام 1971 واحد من هؤلاء.

في الحقيقة، ليس هوس ماسك الذي صار معروفاً للجميع بهذا الحرف، سوى فصل واحد في تاريخ "إكس" المتنوع، إذ تعاظمت رمزيته حتى صار الحرف الأكثر جاذبية في الحضارة الإنسانية، لذا حاول كثر سبر أغواره على امتداد وجوده الطويل. وفي مقالة نشرتها أخيراً، تستعرض "وول ستريت جورنال" رحلة هذا الحرف، من علم الجبر قديماً إلى إيلون ماسك أخيراً، متحدثة عن غضب اشتعل في أوساط مستخدمي الموقع الأوفياء في أواخر يوليو (تموز) الماضي بسبب قرار الأخير تغيير اسم منصة   "تويتر" بعد الاستحواذ عليها، من العصفور الأزرق إلى الحرف "إكس" الذي لا يعوزه شعار إلى جانبه، ذلك أنه يشكل شعاراً قائماً بحد ذاته، حتى إن بعض المعجبين بنظام "تويتر" ما قبل ماسك حاولوا التخلص من التسمية الجديدة وجلب الطائر الأزرق إلى قفصه مجدداً.

ومن لم يعتريهم الفضول يوماً في شأن ماسك ولم ينبشوا في سيرته ومسيرة أعماله الطويلة، لا يعرفون أن إصرار رجل الأعمال على تغيير اسم منصته، على رغم ما تنطوي عليه هذه الخطوة من "سلبيات" إلى حد أن بعض المنتقدين وصفوها بالهفوة الكبيرة، مرده إلى هوس قديم بالحرف الـ24 من الأبجدية الإنجليزية. توضح "وول ستريت جورنال" أنه عام 1999، شارك ماسك في تأسيس المنصة المصرفية "إكس دوت كوم" X.com التي تقدم خدماتها عبر الإنترنت، وبعد ثلاث سنوات دمج شركته مع الموقع الإلكتروني التجاري "باي بال" PayPal، وحاول تغيير اسم الأخير إلى "إكس دوت كوم".

اقرأ المزيد

وفي حين أخفقت محاولته، واصل ماسك استخدام""إكس" في صفقاته التجارية، وأسس شركتين باسم "سبيس إكس"SpaceX  و"إكس أي آي" xAI، حتى إن عدوى انشغاله بهذا الحرف انتقلت إلى حياته الشخصية، إذ أطلق على أحد أبنائه الاسم "إكس آي إي آي- 12" X Æ A-12، أو اختصاراً "إكس".

وفي حين أن وجوده في الأبجدية الإنجليزية يرجع بجذوره إلى استخدام الرومان للحرف اليوناني "تشي" chi، كما توضح "وول ستريت جورنال"، طالما كان "إكس" غير شائع نسبياً مقارنة بالأحرف الأخرى، خصوصاً في بداية الكلمة، لكنه في المقابل، وفق خبراء الببليوغرافيا، يشكل علامة من صنع الإنسان مسجلة في الطبيعة، إذ ظهر ضمن رسومات الكهوف، إلى جانب الصفر والخط المتعرج. واللافت أن الحرف الرمز ينطوي على الضدين معاً الـ"ـنعم" والـ"كلا"، على السلب والإيجاب، على القبلات (في الرسائل) والرفض. تراه يُستعمل أحياناً علامة شطب أو حذف أو إلغاء أو نفي أو عدم موافقة، ويستخدم أيضاً للتعبير عن الموافقة والرضا والاستحسان في الأوراق الانتخابية مثلاً، وبوصفه بديلاً عن توقيع الشخص الضرير أو الأمي أو العاجز عن كتابة اسمه.

وإذ رأت العرافات أن وجود الشكل "إكس" في راحة اليد إشارة إلى النجاح والشهرة والعظمة والثروة، بقي رمزاً للموت على زجاجات السم والخطر في مواقع الألغام. وقد لجأ إليه القراصنة في شعاراتهم التي جاءت على شكل جمجمة تحمل عظمتين متقاطعتين.

كذلك بدا هذا الشكل مناسباً للإشارة إلى المواقع على الخرائط، كما توضح "وول ستريت جورنال"، إذ يشير "إكس" إلى البقعة المطلوبة، لا سيما على خرائط الكنوز. وفي المقابل يشير الحرف إلى الرقابة والحذر في التأكيد على وجود محتوى مشحون مثل العنف أو الجنس. مثلاً، "المجلس البريطاني للرقابة على الأفلام" أطلق عام 1951 الشهادة أو التصنيف "إكس" على الأفلام التي تعتبر "مفجعة للغاية". وحذت حذوه "جمعية الرسوم المتحركة الأميركية" في 1968 باعتماد التصنيف "إكس" الخاص بها. ولكن بعد تبني الرمز "إكس" و"إكس إكس" و"إكس إكس إكس" كأدوات ترويجية في صناعة الأفلام الإباحية، تراجعت "جمعية الفيلم الأميركية" عن هذا التصنيف لتعتمد بدلاً منه "أن سي- 17".

ولكن "إكس" لازم أبطال هوليوود الخارقين أيضاً ("إكس مان")، وليس ذلك مستغرباً إذ إنه في المسيحية يؤشر إلى المسيح المخلص المنتظر، ومن المرجح أن تكون للحرف صلة بالصليب وصلب المسيح.

ولا يكتمل الحديث عن "إكس" من دون أن نعرج على مكانته في علم الجبر، على رغم أنها جاءت متأخرة نسبياً. صحيح أن البابليين توصلوا إلى نظام أرقام متقدم وأن الفرس امتلكوا معرفة مهولة في علم الفلك، فيما أتقن اليونانيون الهندسة، بيد أن أياً من هذه الشعوب لم يستخدم هذا الحرف. ولم يدخل "إكس" إلى المشهد الجبري، وفق مؤرخين كثر، إلا في القرن الـ17 مع الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي رينيه ديكارت. هكذا صار حاضراً (إلى جانب الحرف "واي" y) لتمثيل ما يسمى "المتغير"، للدلالة مثلاً على كمية مجهولة تحمل إمكان التغير، ومع الوقت صار أيضاً البديل لشخص أو شيء غير محدد. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما اكتشف العالم الألماني فيلهلم رونتغن نوعاً غير معروف آنذاك من الإشعاع عام 1895، أطلق عليه اسم "الأشعة إكس".

وقبله، كان العالم الألماني هيرمان هينكينغ يتفحص خصيتي حشرة "النار" (Pyrrhocoris apterus) تحت المجهر، ولاحظ وجود كروموزوم يعمل بطريقة مختلفة عن الكروموزومات الأخرى، فأطلق عليه اسم "العنصر إكس"، ثم تحوّل اسمه لاحقاً إلى "الكروموزوم إكس" الذي نعرف الآن أنه مسؤول عن تحديد الجنس في معظم أنظمة التكاثر لدى الكائنات الحية.

عموماً، لا تنتهي متاهات الحرف "إكس" ولا ينجلي غموضه، ويبقى التناقض يلفه. وبالعودة للغة الإنجليزية، يشير علماء اللسانيات إلى أن الكلمات التي تبدأ باللفظ المتجانسex  تحمل عادة دلالة على الكلمة الإغريقية "إيكسو" التي تعني "خارجاً" أو "في الخارج"، وعند التركيز في بعض الكلمات الإنجليزية التي تبدأ بـex، مثلExile  (المنفى) أوExecute  (إعدام) أو حتىex–partner  (شريك سابق)، نجد أنها جميعها تحمل معنى "الانتهاء". فهل أخطأ ماسك فعلاً في قراره الأخير، وهل سيكتب هذا الشعار نهاية "تويتر سابقاً"؟

المزيد من تقارير