Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل سياسي في تونس فجرته تسريبات لرئيس "النهضة" بالإنابة

يرى متابعون أن هذه التصريحات تعكس تخلياً عن الغنوشي الذي يواجه عديداً من مذكرات الإيداع بالسجن في قضايا مختلفة

بعضهم يعتبر أن "حركة النهضة" ماضية نحو مزيد من الانقسام (اندبندنت عربية)

ملخص

يسود ترقب داخل الدوائر المقربة من "حركة النهضة" لما سيسفر عنه المؤتمر الـ11 للحزب الذي أرجئ في عديد من المناسبات

عاشت تونس في الساعات الماضية على وقع جدل سياسي فجرته تسريبات لافتة في توقيتها ودلالاتها لرئيس "حركة النهضة" بالإنابة منذر الونيسي، الذي بعث برسائل مثيرة حول المطبخ الداخلي للحركة متهماً زعيم النهضة التاريخي راشد الغنوشي والقيادات المحيطة به بتلقي أموال من الخارج.

والغنوشي يقبع في السجن منذ أشهر على ذمة عديد من القضايا، مما جعله يفوض صلاحياته موقتاً إلى الونيسي الذي أطلق سلسلة من التصريحات اللافتة التي لم تخل من رسائل مهادنة إلى السلطة التي دخلت في مواجهة قوية منذ أشهر مع "النهضة"، إذ سجنت قيادات بارزة منها على غرار رئيسي الحكومة السابقين علي العريض وحمادي الجبالي ووزير العدل السابق والنائب في البرلمان السابق نور الدين البحيري.

وتسريبات الونيسي التي نفى صحتها، لكن الصحافية التي كانت بصدد التحدث إليه خلالها أكدت أنها حقيقية وقامت بنشرها كاملة عبر حسابها على ''فيسبوك"، جاءت بعد أيام من سلسلة حوارات أجراها لونيسي مع وكالة الأنباء الألمانية وغيرها من الوكالات، بعث خلالها برسائل تهدئة مع السلطة بقيادة الرئيس قيس سعيد، إذ دعاها إلى الحوار قبل أيام من مؤتمر الحزب.

تسريبات خطرة ودعاوى قضائية

التسريبات التي نشرت على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي تأتي مع استمرار القطيعة بين "حركة النهضة" والرئيس قيس سعيد الذي يقود منذ الـ25 من يوليو (تموز) 2021 مساراً سياسياً انتقالياً مثيراً للجدل، غير خلاله الدستور وأعاد البلاد إلى نظام الحكم الرئاسي القوي وغيرها من الإجراءات.

وخلال التسريب قال الونيسي إن "هناك من يريد أن يتحكم في حركة النهضة من وراء قضبان السجن، فالغنوشي عندما عينني في منصب رئاسة الحزب يعرف جيداً من أنا، لكن موازين القوى داخل الحركة مختلفة جداً الآن".

وأردف رئيس "النهضة" بالإنابة بحسب التسريبات التي تعود لمحادثة بينه وبين صحافية مقيمة خارج تونس أن "الأشخاص الذين يقفون وراء راشد الغنوشي الذين يتحكمون الآن في الحركة، حسموا أمر القيادة الداخلية للحزب، بعضهم يرى أن الحركة ملك عائلي ومعاذ الغنوشي (نجل الغنوشي) وراء كل ذلك، لقد تفطنت لكثير منذ إمساكي برئاسة الحزب، ولو كشفت عن ذلك باكراً لما قبلت بقيادته لكني سأقوم بتنظيفه، سأنظف حركة النهضة لأن بعضاً منهم يعتاش منها وآخرون يتلقون أموالاً من الخارج".

ويسود ترقب داخل الدوائر المقربة من "حركة النهضة" لما سيسفر عنه المؤتمر الـ11 للحزب الذي أرجئ في عديد من المناسبات، وهو مؤتمر من المتوقع أن ينظم في الأشهر المقبلة وسط ملاحقات قضائية مستمرة ضد قياداتها.

وتوالت ردود الفعل أمس الإثنين تجاه هذه التسريبات، خصوصاً أن الصحافية التي أجرت الحوار مع الونيسي أكدت صحتها قبل أن تقوم هي بنفسها بنشر مقتطفات مثيرة له وهو يتحدث عن علاقته ببعض رجال الأعمال، أبرزهم رئيس نادي النجم الساحلي وقطب الإعلام عثمان جنيح، الذي كسر صمته في فيديو بثته صفحة النادي عبر "فيسبوك" متعهداً بتحريك دعوى قضائية ضد لونيسي.

من جهته قال القيادي في "حركة النهضة" بلقاسم حسن أن "محتوى التسريبات خطر جداً، ومجلس شورى حركة النهضة الذي انعقد في وقت سابق أعلن رفع دعاوى قضائية من أجل الكشف عن الحقيقة".

وأوضح حسن أن "الونيسي ينكر صحة هذه التسريبات ونحن نصدقه ونثق فيه، لكنه بذلك أصبح معنياً هو الآخر برفع دعاوى قضائية إذا كانت فعلاً هذه التسريبات مزورة أو مفبركة".

تقرب من السلطة

عاصفة الجدل الذي أثارتها تسريبات الونيسي لم تكن منفصلة عن التطورات الأخيرة التي طرأت على موقف "حركة النهضة" من السلطة، إذ سبق للقيادي سامي الطريقي أن دعا أنصار الحزب إلى "عدم الانسياق وراء الخطابات التي من شأنها ترذيل الدولة" وفق وصفه، موضحاً أن إجراءات ليلة الـ25 من يوليو (تموز) 2021 التي اتخذها سعيد هي "حدث سياسي"، مما اعتبره بعضهم تراجعاً من الحركة التي لطالما اعتبرت أن تلك الإجراءات "انقلاباً".

وقال المحلل السياسي محمد بوعود إن "هذه التسريبات ليست تلقائية، يبدو أنه تم اختيار توقيتها جيداً من أجل إبلاغ رسالة مفادها بأن هناك قيادة جديدة لحركة النهضة أكثر ليناً وقابلية للتعاطي مع السلطة مقارنة بالقيادة المسجونة، أعتقد أن الرسالة وصلت بأن هناك بديلاً جاهزاً، وأن القيادة الحالية للحركة صحيح اختارها الغنوشي لخلافته، لكنها مستعدة للتقرب من السلطة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف بوعود أن "الثابت أن الخلاف بين السلطة والمعارضة لا يمكن حسمه بمجرد تسريبات، ولا يمكن طي صفحة كاملة من المعارك بهذه التسريبات، لكنها قد تكون بداية لمشهد جديد يتشكل في الظل بعيداً من ضوضاء التظاهرات".

و"حركة النهضة" دخلت في معركة قوية مع سعيد قبيل حتى إجراءات الـ25 من يوليو، إذ نجحت في استمالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي، الذي أرسى تحالفاً قوياً معها دفعه إلى قطيعة مع سعيد أفضت إلى الإجراءات المذكورة.

تخلي عن الغنوشي

في المقابل يرى متابعون أن هذه التصريحات تعكس تخلياً عن الغنوشي الذي يواجه عديداً من مذكرات الإيداع بالسجن في قضايا مختلفة، بينما وجهت ضربات قوية للنهضة آخرها كان وضع رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني قيد الإقامة الجبرية.

ورأى بوعود أن "الغنوشي سياسياً انتهى خصوصاً بالنسبة إلى حركته، تم التخلي عنه بالفعل بغض النظر عن أسباب سجنه، في نهاية الأمر كان رئيساً للبرلمان وأكبر حزب في البلاد، وقرر مصير البلاد لمدة أكثر من 10 سنوات، رفاقه في الحزب لم يعد نقاشهم الآن حول إخراج الغنوشي أو الصدام مع السلطة أو تدويل قضيته، بل حول المؤتمر ومن سيتولى رئاسة الحركة، باختصار هناك تغييب شبه مقصود لملف الغنوشي".

وأوقف الغنوشي في نيسان (أبريل) الماضي بعد تصريحات مثيرة أدلى بها حول الوضع السياسي في تونس، وهو الذي يواجه تهماً أخرى من بينها إنشاء جهاز أمن سري لـ"حركة النهضة" وتلقي تمويلات من الخارج وغيرها.

واعتذرت قيادات في "النهضة" عن التعليق لـ"اندبندنت عربية" على غرار مدير دائرة الإعلام في الحزب عبدالفتاح التاغورتي ومحامي الغنوشي سامي الطريقي، لكن المحلل السياسي محمد صالح العبيدي اعتبر أن "إمكانية التخلي عن الغنوشي من قبل الحركة تبقى غير واردة الآن لا سيما أنه في السجن، أعتقد أن هذه التسريبات مناورة جديدة من الحركة في ظل حالة الاختناق التي تعيشها".

وقال العبيدي في تصريح خاص "أعتقد أن هذه الرسائل التي بعث بها الونيسي قد يكون خلفها الغنوشي لأنه هو من اختار الأول لخلافته في رئاسة الحركة بالنيابة، ما يجعله محل ثقة منه، لكن هل ستثق السلطة في هذه التسريبات أم لا، وهل ستكون هناك تهدئة بين الطرفين؟ في اعتقادي هذا هو التساؤل الحقيقي الآن".

قرار دولي

وعلى رغم سجنه والعزلة التي بات يعيشها إذ لم تفلح الدعوات التي أطلقها حتى قبل إيقافه في حث أنصار "النهضة" على التظاهر للضغط على السلطة، إلا أن هناك اختلافاً في الشارع حول مصير الرجل.

واعتبر المحلل السياسي ماجد البرهومي أن "الغنوشي انتهى سياسياً، لكن مصيره بيد قوى دولية، الغنوشي صنعته هذه القوى وهي التي تتحكم مصيره، سنرى ما ستقرره هذه القوى وهل سيحال إلى التقاعد السياسي أم سيستمر".

ورأى البرهومي أنه "من الصعب أن يعود الغنوشي لما كان عليه في السابق، لاسيما مع الدستور الجديد الذي مرر، وهو دستور يركز نظام رئاسوي، وبالتالي هو نظام لا يخدم الغنوشي والنهضة اللذين استفادا من نظام الحكم شبه البرلماني".

وفي خضم تطور موقف القيادة الحالية لـ"حركة النهضة" من السلطة في تونس فإن الغموض الآن يلف ما إذا كانت الحركة ستشارك في الانتخابات المحلية والبلدية والرئاسية المقبلة، خصوصاً أن ذلك سيعني انخراطاً في المسار الذي أقره سعيد الذي وصفته النهضة في السابق بـ"الانقلاب".

وأكد بوعود أن "الحركة ستشارك ولو بأسماء مستعارة، لكن رسمياً مهما فعلت وسواء عقد المؤتمر أو لم يعقد، فإن أية مشاركة علنية لها في أي استحقاق انتخابي يحتاج إلى تزكية من قيادة السجن، لأن القيادات التاريخية مثل العريض والبحيري كلها في السجن، وهي قيادات يجب أن تزكي أية مشاركة، لكن الثابت أن الحركة ماضية نحو مزيد من الانقسام".

وشهدت "حركة النهضة" انشقاقات وانسحابات جماعية في الأشهر الماضية، وهو ما فاقم من أزمتها لاسيما في ظل الخلافات حول المؤتمر الذي أجل في كثير من المناسبات، بسبب ما يقول خصوم الغنوشي إنها محاولات منه لتعديل النظام الداخلي من أجل الترشح مجدداً لرئاستها.

ولذلك فإن التساؤلات الآن هي أيضاً حول ما إذا كانت الحركة ستشهد مزيداً من الانقسامات الداخلية؟ يجيب البرهومي بأن "الحركة ستزداد انقساماتها خصوصاً مع خروجها من الحكم، هناك فئة مقربة من الغنوشي ستبقى معه ومع الحركة، بينما البقية سينفضون من حولها".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات