Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأفرو أميركية آفا دو فرناي تقتحم العنصرية في البندقية

الياباني هاماغوتشي ينزع الشر عن الطبيعة في فيلم بصري متمهل

مواجهة العنصرية في فيلم "أصل" الأفرو أميركي (ملف الفيلم)

ملخص

الياباني هاماغوتشي ينزع الشر عن الطبيعة في فيلم بصري متمهل

المرأة شديدة الحضور هذا العام في مهرجان البندقية، حتى التاسع من سبتمبر (أيلول)، سواء على الشاشة أو خلف الكاميرا، ومن الأفلام الخمسة التي أخرجتها نساء شاهدنا، أمس "أصل" للأميركية آفا دو فرناي التي هي أول أفرو-أميركية تشارك في مسابقة هذه التظاهرة السينمائية العريقة التي تحتفي هذا العام بدورتها الـ80. في المؤتمر الصحافي الذي عقدته دو فرناي بعد عرض جديدها على الصحافة، كشفت عن أنها تلقت نصائح بألا ترسل فيلمها إلى البندقية لأنه لن يتم قبوله. وأضافت وهي متأسفة: "نحن السينمائيين السود، يقال لنا إن محبي الأفلام في أماكن أخرى من العالم، لا يهتمون لقصصنا وأفلامنا، هذا ما قيل لنا دائماً: لا أحد يأتي لمشاهدة أفلامكم في المهرجانات الدولية، ولا أحد يحضر المؤتمرات الصحافية، حتى المشاركة في هذه المهرجانات لن تحصل على الأرجح، هذا العام حدث شيء لم يحدث في ثمانية عقود: امرأة أفرو-أميركية لأول مرة في المسابقة! فتح مهرجان البندقية الباب، على أمل أن يبقى مفتوحاً".

الفيلم على قدر من الأهمية ويستحق أن يشاهد ويناقش في أماكن مختلفة من العالم، نظراً إلى موضوعه السجالي الذي يمس كل إنسان على هذه الأرض. فيه عيوب كثيرة، نلمسها داخل أجزاء عدة منه، أبرزها سقوطه في فخ الميلودراما والخطابية والمباشرة. بعض خيارات المخرجة تؤكد أنها لم تفلت من التأثير السلبي للسينما الهوليوودية فيها، لكن قوة مضمونه والطابع الطموح للمشروع، يجعلاننا نتمسك فيه من دون أن نتجاهل الهنات العديدة. 

دو فرناي، البالغة من العمر 51 عاماً، سيدة ذكية وطموحة ومتماسكة. "أصل" هو فيلمها الروائي الطويل الخامس، علماً أنها بدأت مسيرتها في مطلع العقد الماضي مع "سأتبع" الذي أنجزته بموازنة 50 ألف دولار، قبل أن تقدم في عام 2014 "سلمى"، فيلمها الأشهر إلى اليوم والذي ترشح لجوائز "أوسكار"، وسمح لها أن تكون أول امرأة أفرو-أميركية ترشح لهذه الجائزة. وكانت تناولت فيه "مسيرات سلمى" في عام 1965 المطالبة بالحقوق المدنية المتعلقة بالأميركيين من أصول أفريقية واضطلع فيها مارتن لوثر كينغ بدور بارز. جديدها، "أصل"، يبقى في إطار القضية نفسها، لكنه مصنوع بنضج أكبر وخطاب أشمل ونظرة أعمق من تلك التي اعتمدتها في "سلمى" الذي يبقى في نهاية المطاف فيلماً كلاسيكياً أنجز في أطر إنتاجية تقليدية. 

سيدة مهمة وباحثة كبيرة هي التي ألهمت الفيلم لدو فرناي: إنها الصحافية والكاتبة إيزابيل ويلكرسون (61 سنة)، التي على غرار دو فرناي، تحمل لقب "أول سيدة أفرو-أميركية"، فازت بجائزة "بوليتزر" المرموقة في عام 1994. "أصل" أفلمة لكتابها "النظام الطبقي الوراثي: جذور امتعاضنا"، هذا الكتاب البحثي الذي يعد العنصرية ضد السود في أميركا من تمظهرات النظام الطبقي الوراثي. تدعم ويلكرسون فكرة أن كلمة عنصرية غير كافية ولا تفي بالغرض، إذ إن المسألة ليست قضية لون بشرة أو عرق، بل قضية طبقية وراثية في المقام الأول. وتضرب المثل بالنظام الطبقي الوراثي في الهند ومحرقة اليهود على يد النازيين لدعم نظريتها.

الفيلم ترجمة حرفية، بصرية سمعية، للكتاب، ولفصول مأسوية من حياة مؤلفته، وفيه يلتقي العام بالخاص وبالحميم التقاء جد متداخل، وتلعب دور ويلكرسون أونجانو إليز، فنراها تسافر إلى الهند لمعاينة ظواهر اجتماعية تستمد منها أفكارها. تدرس حالة المنبوذين فيها، رابطة ما يتعرضون له من تمييز واستبعاد، بحكاية صبي أفرو-أميركي في الخمسينيات، لم يسمح له بالنزول في حوض السباحة مع رفاقه.

ابتزاز عاطفي

بعد نحو 70 عاماً، تعود إيزابيل إلى تلك اللحظة فتنام إلى جانبه على العشب لترد له الاعتبار، ولو معنوياً، في مشهد يسحق القلب، هذا واحد من المشاهد الكثيرة التي تغرق في العاطفية، ولعل خلل الفيلم يكمن في هذا المنحى البكائي الذي يكبح التفكير لمصلحة الغريزة، ليتحول هذا كله في بعض الأحيان إلى "ابتزاز عاطفي" كان يمكن تفاديه. لم أستطع أن أمنع نفسي وأنا أشاهد الفيلم من التفكير بـ"سانت أومير" للمخرجة الفرنسية السنغالية أليس ديوب، الذي عرض هنا في العام الماضي، وتناول العنصرية على نحو معاكس تماماً لأسلوب دو فرناي، أي بطريقة متمهلة ودقيقة وباردة، حيث العقل يسيطر على العاطفة.  

وإذا كان "أصل" فيلماً يحمل نقاشاً وفيه ما هو إيجابي وسلبي وأحياناً في اللقطة نفسها، فلا يمكن قول الكلام نفسه عن بعض الأعمال المسطحة والبليدة التي عرضت في هذه الدورة من "الموسترا"، ومن بينها "الشر غير موجود" للمخرج الياباني روسوكيه هاماغوتشي، الذي كان أبهر محبي السينما في العامين الماضيين بفيلمين، "دولاب الحظ والفانتازيا" و"قودي سيارتي". وهذا الأخير فاز بجائزة "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي. بدأ "الشر غير موجود" كفكرة لمشروع عمل استعراضي بالتعاون مع مؤلفة موسيقى فيلمه السابق أيكو إيشيباشي، وانتهى فيلماً روائياً طويلاً بعدما أدرك المخرج أن المادة التي في حوزته تكفيه لذلك. 

تجري الأحداث في قرية محاصرة بالغابات، غير بعيدة من طوكيو، حيث نشهد على طريقة تعاطي سكانها مع قرار إحدى الشركات بناء منتجع سياحي فيها، ستكون آثاره الصحية والبيئية كارثية على سكان القرية، وستضر حتماً بنمط عيشهم المتناغم مع الطبيعة، لكن الحياة مهددة في كليتها، حتى من دون هذا المشروع، ونرى آثارها ماثلة في يوميات رجل وابنته.

بقية الفيلم هي تداعيات هذا المشروع، لكن الفيلم لا يكتفي بها بل يبتعد عنها ليخوض مغامرات أخرى في أماكن قريبة، لا تقدم بالضرورة خدمة كبيرة للعمل. يحاول هاماغوتشي أن يؤلف قصيدة بصرية بإيقاع متمهل، على خلاف فيلميه السابقين، وذلك من خلال تصويره الطبيعة التي يقول عنها إنها غير شريرة، على خلاف الإنسان الذي يحل الشر معه أينما حل. يتلذذ الفيلم ببث شعور الغموض الذي يجرجره خلفه خلال ساعة ونصف الساعة، لينتج، أخيراً، عملاً ينتصر للبيئة من دون أن يطمح بالضرورة إلى ذلك. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"الشر غير موجود" مطعم ببعض الميثولوجيات اليابانية التي عندما قابلت هاماغوتشي، أمس، علمت منه أنها لم تكن مقصودة، بل ربما ظهرت نتيجة تشربه من تلك الثقافة. واللافت أنه لا يضع نفسه في معسكر أبناء القرية وبناتها، بل يكتفي بتصوير تناقضات النفس البشرية، من دون أي أحكام مبرمة وبملل شديد، رغم أن فيلمه هذا واحد من أقصر الأفلام المشاركة في المسابقة.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما