Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرئيس الصيني يغيب عن قمة "مجموعة الـ20" للمرة الأولى

محللون يعتبرون عدم مشاركة جينبينغ ترسيخاً للقطيعة بين بكين والغرب في ظل التقارب الهندي - الأميركي

يفسر غياب جينبينغ عن قمة نيودلهي على أنه تحول في السياسة الخارجية الصينية (رويترز)

ملخص

تصاعد التوتر بين بكين ونيودلهي أخيراً وسط تعزيز الولايات المتحدة علاقاتها مع الهند والدعوة إلى تشجيع الاستثمار فيها.

يعكس غياب الرئيس الصيني تشي جينبينغ عن قمة "مجموعة الـ20" في الهند زيادة التوتر بين بكين ونيودلهي من ناحية وتجاهل الصين لاحتمالات قمة جانبية مع الرئيس الأميركي من ناحية أخرى.

ويبدو أن بكين تتجه إلى شبه قطيعة مع الغرب وحلفائه وتحاول الاستعاضة بتجمع دول "بريكس" عن "مجموعة الـ20"، إذ تركز القيادة الصينية على الداخل وتهتم أكثر بالأمن القومي وتعمل بطريقة "من يريد لقاءنا فليأتِ لزيارتنا".

لم يغب الرئيس الصيني تشي جينبينغ منذ توليه السلطة قبل أكثر من عقد من الزمن عن أي قمة لـمجموعة دول الـ20" في أي بلد، لكنه يغيب هذا الأسبوع عن القمة في الهند للمرة الأولى.

وعلى رغم أن وزارة الخارجية الصينية لم تذكر صراحة عدم مشاركة الزعيم الصيني، إلا أنها أعلنت أن رئيس الحكومة لي كيانغ سيقود وفد بلاده إلى القمة.

ويفسر غياب جينبينغ على أنه تحول في السياسة الخارجية الصينية لتأكيد شبه قطيعة مع الولايات المتحدة وحلفائها، واقتصار تعزيز علاقاتها عبر الزيارات الرسمية عالية المستوى على الدول التي تعتبرها بكين دولاً "صديقة" فحسب.

وتأتي قمة "مجموعة الـ20" بعد أيام من اجتماع مجموعة "بريكس" في جنوب أفريقيا التي شارك فيها الرئيس الصيني، لكنه لم يلقِ كلمة رئيسة كما كان مخططاً، إذ كانت زيارته لجنوب أفريقيا الزيارة الخارجية الثانية له فحسب هذا العام، بينما كانت زيارته الأولى إلى روسيا عندما التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وخلال العام الماضي، سافر الرئيس تشي خمس مرات إلى الخارج في زيارات رسمية إحداها لحضور قمة مع دول الخليج وبعض الدول العربية، في وقت كانت الصين ما زالت تحت قيود الإغلاق وصعوبة السفر بسبب إجراءات الحد من انتشار وباء كورونا، بينما قبل سنة الجائحة غادر الرئيس تشي جينبينغ الصين أكثر من 12 مرة في زيارات خارجية عام 2019.

أسباب الغياب

إلى ذلك تفادى المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أكثر من سؤال للصحافيين عن غياب الرئيس عن قمة مجموعة الـ20"، ورداً على استفسار من وكالة "رويترز" أرسلت وزارة الخارجية الصينية رداً مكتوباً جاء فيه أن "الوزارة تولي أهمية قصوى لقمة مجموعة الـ20، ووفرت الاستقبال الحار لكل الأصدقاء الأجانب، واستقبلت الصين 130 وفداً زائراً هذا العام، بما فيهم وفود من دول غربية".

ويبدو أن الصين تعتبر الزيارات الرسمية عالية المستوى نوعاً من تعزيز العلاقات وإظهار الصداقة، لذا زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بكين هذا العام للقاء تشي، مما جعل الرئيس الأميركي جو بايدن يعبر عن خيبة أمله من عدم حضور الرئيس الصيني قمة "مجموعة الـ20" التي كان على ما يبدو يعتزم أن يلتقيه خلالها على هامش الاجتماعات، وقال بايدن "لقد خاب أملي"، مستدركاً "لكني عازم على أن ألتقيه".

وكثرت التحليلات والتعليقات حول غياب الرئيس الصيني عن القمة التي تعد أكبر وأهم منتدى دولي للقوى العالمية لمناقشة أوضاع العالم الحالية والمستقبلية.

وذهب بعضهم إلى أن الصين ربما ترغب في استبدال ذلك المنتدى الموسع بمنتدى مجموعة "بريكس" الذي لا يضم بين صفوفه دولاً غربية وإن كان بعد توسيعه في القمة الأخيرة سيضم عدداً من أعضاء "مجموعة الـ20" مثل السعودية، إلى جانب روسيا والهند وجنوب أفريقيا.

وربما كان ذلك أحد أسباب حرص الرئيس تشي على حضور قمة "بريكس" وتجاهل قمة نيودلهي، ففي النهاية تضم "مجموعة الـ20" دولاً غربية كبرى، أعضاء في "مجموعة الدول الـ7" الغنية، إلى جانب دول اقتصادات صاعدة، وفي ذلك فرز واضح بين الغرب والشرق، ممثلاً بمجموعتين هما "الـ7"، و"بريكس" من دون الحاجة إلى مجموعة مشتركة مثل دول الـ"20".
 

الخلاف مع الهند

وهناك سبب آخر أهم هو ذلك الخلاف بين العضو المشترك في مجموعتي الـ"20" و"بريكس"، أي جارة الصين الكبيرة الهند، فأميركا والغرب يركزان الآن على الهند كقوة صاعدة يمكن أن تتجاوز مكانة الصين العالمية، وعلى رغم أن ذلك أمر محل شك، اقتصادياً في الأقل حتى الآن، إلا أن سياسة أميركا والغرب مستفيدة من توسيع هوة الشقاق بين القوتين البارزتين في مجموعة القوى الصاعدة عالمياً.

وتعددت التعليقات والتحليلات في وسائل الإعلام الهندية خلال الأيام الأخيرة حول أسباب غياب الرئيس الصيني عن قمة تستضيفها بلادهم، وفي مقدمة الأسباب طبعاً عدم رغبة تشي في زيارة نيودلهي، بينما يذهب بعضهم إلى أن غيابه يشير إلى تضامنه مع الرئيس الروسي الذي لن يشارك في القمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الخلافات الصينية - الهندية والتوتر في شأن الحدود والتنافس الاقتصادي والتجاري، فزادت وتيرته خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وقبل أيام نشرت بكين ما تسميها "الخريطة القياسية" للبلاد وضمنها مناطق متنازع عليها مع الهند مثل أروناكال براديش وأكساي تشين، إضافة إلى شبه جزيرة تايوان وبحر الصين الجنوبي، وعلى رغم أن الصين تصدر تلك الخريطة بشكل دوري، إلا أن نشرها هذه المرة أثار لدى كثيرين الربط بينها وغياب تشي عن القمة التي تستضيفها الهند.

وكان لقاء قصير بين الرئيس الصيني ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش اجتماعات قمة "بريكس" بحث تخفيف التوتر الحدودي بين البلدين والذي دفع الجانبين إلى حشد عشرات آلاف القوات وعتاد من المدفعية والدبابات والطائرات على جانبي الحدود.

وقبل ثلاثة أعوام تطور التوتر إلى صدام في منطقة لاداخ الحدودية الجبلية أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً، وتصاعد أخيراً مع تعزيز الولايات المتحدة علاقاتها مع الهند والدعوة إلى تشجيع الاستثمار فيها، في وقت فرضت قيوداً على الاستثمار في الصين وتستمر في محاصرة بكين اقتصادياً، بينما كانت أحدث أشكال التوتر عندما طردت الصين والهند صحافيي البلد الآخر منها.

اهتمام بالداخل

من الأسباب الأخرى غير الخلاف مع نيودلهي، كما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة "أستراليا" الوطنية وين تي سونغ، أن "تفادي الرئيس تشي حضور قمة الـ20 التي تهيمن عليها دول غربية بعد مشاركته في قمة بريكس يشير إلى وجهة نظر الرئيس الصيني بأن الشرق إلى صعود والغرب إلى أفول، كما أنه تضامن مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لن يحضر القمة".

لكن الأمر لا يتعلق فقط بالفرز الصيني الواضح والمقصود بين الشرق والغرب، وإن كان ذلك من الأسباب المهمة لتفادي تشي القمة بل إن الرئيس الصيني، منذ توليه الرئاسة لفترة ثالثة يعمل على تعزيز الوضع الداخلي في بلاده، ليس فقط في مواجهة مشكلات اقتصادية ناجمة عن إجراءات "ضبط" القطاع الخاص وإعادة سيطرة الدولة المركزية وإنما أيضاً ما يصاحب ذلك من اهتمامات بالأمن الداخلي، وربما يتطلب ذلك ألا يغادر الرئيس البلاد كثيراً ويظل في الداخل.

ومن ناحية أخرى يعزز ذلك من توجه يصفه بعضهم بأنه "أنا في بلدي ومن يريدني يأتي إلي"، إذ قال أستاذ السياسات العامة في جامعة سنغافورة الوطنية ألفريد وو إن "الرئيس تشي جينبينغ يعمل على تحديد جدول اهتماماته وفي المقدمة منه يأتي الأمن القومي، لذا عليه البقاء في الصين وليأتِ القادة الأجانب لزيارته".

ويلاحظ أن الاهتمام بالأمن الداخلي في الصين أصبح أحد أولويات السلطات، وما اعتقال بعض الأجانب بتهم التجسس وطرد بعض الصحافيين على أساس أمني سوى تعبير عن ذلك، بل إن بعض القرارات الاقتصادية والتجارية التي تتخذها بكين بحق شركات أميركية وغربية تستند أيضاً إلى مخاوف أمن قومي.

وعلى رغم محاولات الهند التقليل من أهمية غياب الرئيس الصيني، فإن عدم مشاركة أكبر قوتين شكلتا توسع "مجموعة الدول الـ7" الغربية بشكل حصري إلى منتدى عالمي أوسع هو "مجموعة الـ20" ينال من أهمية ذلك التجمع بالفعل.

اقرأ المزيد