ملخص
تبدو فرص نجاح الانقلابات العسكرية في الدول الديمقراطية أكبر من الديكتاتورية فما السر؟
سير ذاتية تركها أو كتبت عن قادة الانقلابات والثورات التي جرت في العالم خلال القرن الـ20، سواء كانت عنيفة أو سلمية مستندة إلى أيديولوجيا ثورية أو مجرد محاولة تغيير لنظام سياسي واستبداله بأفضل منه، لكن تلك السير لا تدلنا على الطريقة التي تمكننا من التقاط "ساعة الصفر" أو اللحظة التي تمكن فيها الثوار من السيطرة على السلطة وبدأوا إصدار الأوامر وتنفيذها.
فلا يمكن وضع العدسة المكبرة على لحظة انتقال السلطة المهمة هذه فوق خريطة الانقلابات التي لا تعد ولا تحصى في معظم أنحاء الدول النامية أو دول العالم الثالث، كما تم الاصطلاح على تسميتها، فلا مذكرات هتلر ولا غيفارا ولا كل الإرث الذي تركه فيديل كاسترو وقبلهما لينين وتروتسكي وما بينهما جمال عبد الناصر ومعمر القذافي وصدام حسين وغيرهم من الزعماء الذين أمضوا فترات طويلة في السلطة من بعد انقلابات عنيفة وسلمية يقدمون لنا إرشادات حول اللحظة التي انتهت فيها عذابات التخطيط والتحضير والقتال والجوع والموت قبل الوصول إلى السلطة.
وفي مجمل المعلومات عن الانقلابات تقع معظم الأحداث بالصدفة أو وفقاً لمعادلة سقوط أحجار الدومينو فينهار النظام بطريقة قد يتفاجأ بها الانقلابيون والثوريون أنفسهم، فبعض الانقلابات والثورات وجدت نفسها في السلطة فجأة من دون أي خطط سواء بسبب هرب الرئيس أو استقالته أو موته المفاجئ، كما حدث مع الثوار التونسيين عام 2011 أو الثوار المنتمين إلى كل الفصائل السياسية المنقلبة على الشاه الإيراني عام 1979 من يسار وشيوعيين وقوميين إيرانيين وإسلاميين، أو الجماعات التي وجدت نفسها في السلطة، لتبدأ بتصفية بعضها بعضاً ليصل أحدها إلى أعلى القمة فتكون الثورة أو الانقلاب ملكه من دون غيره في التأريخ السياسي التالي.
وهذا ما ينطبق على معظم ثورات العالم وانقلاباته، ففي كثير من الأحيان يستفيد من الثورة والانقلاب من لم يقم به أو من لم يكن معه أصلاً وأحياناً يطهر الانقلاب الثوري الثوريين أنفسهم فتبدأ التصفيات من داخل النخب المنقلبة أو الثائرة كما حدث في الحزب الشيوعي الروسي بعدما استولى ستالين على السلطة ماحياً آثار العشرات من رفاقه الذين عارضوا خططه، وكذلك حدث مع رفاق ماو تسي تونغ في الصين وكيم إيل سونغ في كوريا الشمالية.
الوعد بالجنة الآتية
أول ما يعمل عليه الانقلابيون في أي مكان بالعالم بعد إصدار البيان الانقلابي الأول هو جمع قاعدة تأييد من قبل القوى المؤيدة للانقلاب، والمؤيدون هم من التغييريين في العادة، سواء كانوا من المعارضة أو من الجمهور الذي يشعر بعدم الرضا عن الأوضاع القائمة في نظام الحكم.
قد يبدأ الإعداد للانقلاب سواء كان عنيفاً أو سلمياً، مدنياً أو عسكرياً، عبر بث الدعاوى المضادة للنظام وبدء حشد الجمهور لحماية فكرة معينة بعد أن تترسخ في أذهانهم مرتبطة بفساد النظام ورجاله.
وربما يبدأ الإعداد له بعد وقوعه، إذ قد يكون مفاجئاً حتى للانقلابيين أنفسهم حين يستقيل الحاكم أو يقتل أو يفر من البلاد فيصبح النظام بين أيدي التغييريين والانقلابيين قبل أن يبدأوا انقلابهم، حينها يعملون على ترويج أفكارهم وبثها بعد تسلم الحكم، وقد وقعت مثل هذه الظروف في الانتفاضات الشعبية التي شهدها العالم العربي منذ عام 2011، فتخلى الحاكم التونسي زين العابدين بن علي عن الحكم على حين غرة تاركاً الانقلابيين أو المنتفضين في صراع حول السلطة وحول شكلها المستقبلي، الأمر نفسه تكرر في ليبيا وما زال الصراع على السلطة قائماً حتى اليوم، وكذلك في السودان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذه الدول العربية لم تسفر الانقلابات عن استقرار للأنظمة السياسية بل على العكس، صارت الأوضاع أسوأ بكثير مما كانت عليه في الأنظمة السابقة على الانتفاضات أو الانقلابات.
ويحتاج المنقلبون إلى تأمين الدعم الدولي والأسلحة والمال والإمدادات كي يتفادوا معارضة قوية من دول أخرى أو فرض عقوبات دولية عليهم لأن ذلك سيقلل من فرص نجاح الانقلاب فيتعاملون مع إحدى الدول القوية الممولة، فأي انقلاب لا يلقى دعماً دولياً أو من دولة ذات سلطة في مجلس الأمن يكون الفشل مصيره عموماً.
وتبرر الانقلابات العسكرية التي وقعت في القرن الـ20 مثل هذه الافتراضات وقد وقع معظمها في البلدان النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية وكانت مرتبطة إلى حد كبير بديناميات الحرب الباردة، وغالباً ما كانت هناك "قطب مخفية" كثيرة حول كيفية تمكن مجموعات من الضباط من الاستيلاء على السلطة القائمة منذ عقود سواء كانت ملكية أو دستورية.
ففي ثورة الضباط الأحرار المصريين كان لوضع قائد الثورة الفريق محمد نجيب قيد الإقامة الجبرية في منزله حتى يوم وفاته من قبل السلطات الثورية ليتسلم مهماته نائبه الضابط جمال عبدالناصر، أمر محل أسئلة كثيرة لدى من يعتقدون بأن مسار الثورة كان ليختلف لو بقي محمد نجيب قائداً لها.
وهنا تدخل المنافسات بين الأجهزة الاستخبارية في العالم التي كانت في مباريات دائمة خلال الحرب الباردة من أجل إقامة الأنظمة والانقلاب عليها في الدول المنقسمة بين قطبي الحرب الباردة التي امتدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1990، وفي لعبة تقاسم المستعمرات الأوروبية التي أعادت فرنسا وبريطانيا وضع اليد عليها بعد الحرب العالمية الأولى.
استخدمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الانقلابات كوسيلة لبدء تغيير سريع للأنظمة التي تشكل تهديداً للمصالح الإقليمية والسياسية والاقتصادية لأي قوة من القوتين المتحاربتين بالوكالة، ولهذا يمكن القول إن انقلابات القرن الـ20 لم تكن بالضرورة من قبل جماعات ترفض الأوضاع السياسية في بلادها وتعمل على تغييرها وتملك أرضية داعمة لها فقط، بل لعب تداخل الأجهزة الاستخبارية وبث الأيديولوجيا والدعاوى الفكرية دور الرافد الأساسي من روافد الأفكار التغييرية.
جاءت الثورات أو الانقلابات حول العالم خلال القرن الـ20 لتحل في الغالب الأعم أنظمة أسوأ بكثير من الأنظمة التي انقلبت عليها، ويمكن الاعتبار من أمثلة كالثورات والانقلابات في كوبا وإيران وكوريا الشمالية وأنغولا ونيكاراغوا وغواتيمالا وتشيلي والأرجنتين والبرازيل والسلفادور وجميع دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وفي هذه الدول يمكن تبديل الرؤساء بقدرات رجال الأعمال وأصحاب الموارد الطبيعية والمسيطرين عليها وليس بدعم من حكومة شرعية أو دولة قوية فقط، وقد أطلق عليها اسم جمهوريات الموز بسبب قدرة كارتيلات الموز في أفريقيا على تغيير الأنظمة في الدول التي تستثمر حقول الموز فيها.
انقلابات على الطلب
دعمت الاستخبارات الأميركية الانقلاب على النظام القومي ذي الميول اليسارية الذي تم انتخابه في إيران عام 1952 حين بدأ مشروعاً لتأميم شركات النفط الأميركية والبريطانية في البلاد، فتمت إطاحته في انقلاب مدعوم من واشنطن ولندن عام 1953، كما سهلت الولايات المتحدة بشكل مباشر انقلابين عسكريين في كوريا الجنوبية (1961 و1979)، مما أحبط أي محاولة للحوار مع الديكتاتورية الشيوعية في كوريا الشمالية.
ولعبت الولايات المتحدة دوراً في دعم الانقلابات العسكرية في مختلف أرجاء أفريقيا، لكن الانقلابات بخاصة في أفريقيا الوسطى، أصبحت متكررة فتركت هذه البلدان لحال سبيلها لأنها لم تكن تمتلك الموارد اللازمة للتشبث فيها من قبل الدول الكبرى التي تدعم الانقلابيين أو التي تهدف إلى تغيير نظام ما وإبداله بآخر يميل لها.
يمكن تعريف الانقلابات على أنها جهود غير قانونية من قبل النخب العسكرية أو المدنية للاستيلاء على السلطة التنفيذية، وقد تنطوي على استخدام العنف أو التهديد به، وعلى رغم أن محاولات الانقلاب لم تعد شائعة كما كانت من قبل، إلا أنها لا تزال تحدث بوتيرة كبيرة حتى اليوم وكان آخرها في النيجر والغابون قبل أسابيع.
منذ عام 2000، وقعت أكثر من 50 محاولة انقلابية في 31 دولة مختلفة، وإن احتمال نجاح الانقلابات في الديمقراطيات هو ضعف احتمال نجاح الانقلابات التي تحدث في الأنظمة الديكتاتورية. ففي العقد الماضي وحده، تمت إطاحة الحكام المنتخبين ديمقراطياً في بوليفيا ومصر وهندوراس وتايلاند من السلطة في انقلابات.
ولحماية أنفسهم من محاولات الانقلاب، يتبنى القادة مجموعة كاملة من تكتيكات "الوقاية من الانقلابات" التي تعمل بإحدى طريقتين إما معالجة المظالم التي قد تحفز الانقلابات، أو جعل تنفيذ محاولات الانقلاب أكثر صعوبة.
وتتضمن إحدى الاستراتيجيات الشائعة موازنة الجيش مع قوات الأمن الأخرى مثل الحرس الرئاسي والشرطة العسكرية والميليشيات المستقلة عن السيطرة العسكرية، وعلى سبيل المثال كان القادة الأوائل في مرحلة ما بعد الاستقلال في الهند يدركون تمام الإدراك خطر وقوع انقلاب وكان الهدف الرئيس لتوسيع قوة الشرطة الاحتياطية المركزية وغيرها من القوات شبه العسكرية في الستينيات هو احتواء النفوذ العسكري، أي إعفاء الجيش من مهمات الأمن الداخلي التي كانت ستدخله في السياسة الداخلية.
وفي أعقاب اغتيال رئيسة الوزراء أنديرا غاندي، تم إنشاء قوة أمنية جديدة، مجموعة الحماية الخاصة، لحماية القادة السياسيين في حال وقوع انقلاب، وكان الهدف من نظام القوة العسكرية والشرطية المجزأ نسبياً داخل الولايات المتحدة بادئ الأمر هو المساعدة في منع الجيش من أن يصبح قوياً بما يكفي للتدخل في السياسة.
وهذه ليست حالات معزولة فأكثر من 50 في المئة من الديمقراطيات تحتفظ في الأقل بشرطة عسكرية واحدة أو قوة أمنية أخرى قادرة على موازنة الجيش.