ملخص
هناك مثل أفريقي يقول "عندما ترى منزل جارك يحترق اسكب الماء أولاً على منزلك قبل أن تنطلق في إطفاء النيران".
أجرى الرئيس الكاميروني بول بيا تغييرات واسعة في مناصب عسكرية حساسة في خطوة جاءت استباقاً لأي تحرك محتمل من الجيش ضده، في خضم عدوى الانقلابات المتفشية في القارة الأفريقية التي شهدت ثمانية انقلابات في غضون ثلاث سنوات.
وفي الساعات الماضية تساءل كثيرون عن الدولة الأفريقية الآتية التي ستشهد انقلاباً، لتتجه الأنظار إلى الكاميرون في ظل مرض الرئيس بيا الذي يحكم بقبضة من حديد منذ عام 1982، واستفحال الفساد في البلاد والاتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وبثت الانقلابات التي شهدتها أخيراً الغابون والنيجر، التي فشلت الضغوط الخارجية في وضع حد لها، الرعب لدى الزعماء الأفارقة الذين يتمسكون بمقاليد السلطة لفترة طويلة، وهو ما أرغم بيا على إجراء التغييرات التي شملت عشرات من الإدارات العسكرية وقيادة القوات المسلحة وسلاح الجو والمفتشية العامة لقوات الدرك وغيرهم.
إجراءات استباقية
وما يزيد من التكهنات باحتمال حدوث مغامرة عسكرية جديدة ضد السلطة في الكاميرون الاتهامات الحقوقية للرئيس بيا بوجود انتهاكات جسيمة في السنوات الأولى من توليه زمام الحكم، على رغم أنه سمح بعد ذلك بالتعددية الحزبية، علاوة على تقدمه في السن وبدء التنافس حول خلافته في الانتخابات المقبلة المقرر تنظيمها عام 2025.
وقال المحلل السياسي الكاميروني محمد أوال إن "هناك مثلاً أفريقياً يقول ’عندما ترى منزل جارك يحترق اسكب الماء أولاً على منزلك قبل أن تنطلق في إطفاء النيران‘، الرئيس بيا قام بهذه الإجراءات داخل وزارة الدفاع بهدف الوقاية والمساعدة والتخلص من الوجوه القديمة، ربما خوفاً من أن يكون هناك شيء ما يختمر داخل المواقع العليا للجيش".
وأضاف أوال لـ"اندبندنت عربية" أن "الوضع السياسي في الكاميرون يجعل المخاوف مشروعة، لأن الرئيس متقدم في السن والحديث يتركز على من سيخلفه، ولا أحد يعرف ما إذا سيترشح لولاية جديدة في عام 2025 أم لا، والتغييرات التي قام بها قد تمنع بالفعل حدوث انقلاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد المتحدث على أنه "بسبب عمر الرئيس فإن الجدل الذي يسيطر على الكاميرونيين الآن هو من سيرث بيا، بعضهم يرى أن ابنه وربما زوجته، لكن لا شيء واضحاً الآن، وهو ما زاد من المخاوف إزاء إمكان حدوث انقلاب على رغم أن الجيش الكاميروني جيش وطني".
ولا يختلف الوضع الأمني في الكاميرون كثيراً عما يحدث في الدوائر السياسية، إذ تصاعد في السنوات الماضية نشاط جماعة بوكو حرام وتنظيم "داعش"، وهو ما أنهك القوى الأمنية والعسكرية، إذ زاد الموقع الجغرافي من متاعبها في ظل اقتسام حدود مع نيجيريا التي تتمدد فيها الجماعات المتشددة.
ولا يتوقف الأمر عند نشاط الجماعات المتشددة في منطقة تعاني الويلات على غرار ارتفاع معدلات الفقر والتهميش، إذ واجهت الكاميرون كذلك لسنوات عنفاً في الجنوب الغربي المعروف بالكاميرون الإنجليزي من أجل الانفصال عن البلاد.
وأدى العنف الذي تقوده الجماعات الانفصالية المتحدثة بالإنجليزية مع الحكومة التي تعتمد على اللغة الفرنسية إلى مقتل آلاف ونزوح ما لا يقل عن 700 ألف شخص، وهو ما يفرض تحديات متزايدة على الجيش والقوات الأمنية.
مخاوف مبررة
ويرى مراقبون أن المخاوف التي عبرت عنها التعيينات الجديدة في الجيش الكاميروني تبدو مشروعة، خصوصاً في ظل حمى الانقلابات التي ضربت دولاً أفريقية عدة على غرار مالي وبوركينافاسو والنيجر، وهي انقلابات تعصف بالمصالح الفرنسية هناك.
وتملك فرنسا تعاونا قوياً مع الكاميرون، على رغم الخلافات التي طرأت على العلاقات في السنوات الأخيرة جراء تصريحات للرئيس إيمانويل ماكرون في عام 2020 اتهم فيها القوات الكاميرونية بارتكاب انتهاكات وتعهد بالضغط عليها للحد منها.
وزار ماكرون العام الماضي الكاميرون في خطوة بدت وكأنها لترميم العلاقات لمنع ارتماء ياوندي في حضن روسيا أسوة بما قامت به عواصم أفريقية أخرى على غرار باماكو، إذ تعهد من هناك بتعزيز التعاون المشترك بين البلدين لا سيما بعد اتفاق التعاون العسكري الذي وقع في أبريل (نيسان) 2022.
وقال المتخصص في الشؤون السياسية البوركيني ألفا كوندي إن "المخاوف من انقلاب محتمل في الكاميرون مشروعة، لا سيما أن الرئيس بول بيا يقضي معظم أوقاته خارج البلاد، على رغم أنه في الفترة الأخيرة قلص من سفره، لكن بعد مرور 41 عاماً على إمساكه الحكم قد يفكر بعض الجنرالات بالفعل في إطاحته خصوصاً أنهم يعلمون أنه غير محبوب لدى الشعب".
وأوضح كوندي في تصريح خاص أن "بيا في هذه العقود أرسى نظاماً يسمح للمقربين منه بامتصاص دماء الكاميرونيين، لذلك لا يريد هؤلاء أن يترك الحكم لا سيما لشخص لا نعرف بعد من سيكون، ومع هذه الأجواء المحيطة بالانقلابات في القارة قد يشجع ذلك العسكريين على التفكير في إطاحته بالفعل".
ورأى أن "من الطبيعي إذاً أن تكون هناك مخاوف مبررة اليوم حول استمرار بيا في الحكم، وهو ما دفعه إلى التغييرات في القيادة العسكرية"، مستدركاً "العسكريون في الكاميرون لا يبدون متحمسين للقيام بمغامرة ما، لكن من كان يتوقع أن يحدث انقلاب في الغابون؟ ومع ذلك حدث على رغم أن الرئيس بونغو أصغر من بيا".
وفي ظل الوضع الأمني المتدهور وتصاعد الحديث عن وراثة بيا، فإن الرجل قد يواجه السيناريو الذي يخشاه على رغم تغييراته، إذ إن معظم الانقلابات التي حدثت أخيراً في أفريقيا كانت للحرس الرئاسي فيها اليد الطولى، أي من كانوا مؤتمنين على حماية الرئيس.
وقال المحلل السياسي الكاميروني موسى نجويو إن "الأمر الأكثر إثارة للصدمة بالنسبة إلى الزعماء الأفارقة المتحدثين بالفرنسية في هذه الانقلابات هو أنها كانت من صناعة مسؤولين عن حماية هؤلاء الزعماء".
وأبرز نجويو في تعليقه على التغييرات الواسعة التي قام بها الرئيس بيا أن "الواضح أيضاً أن القبلية في التعيينات ومنح الامتيازات الباهظة للقيادات العليا لم يعودا يشكلان حماية من الانقلابات العسكرية".