ملخص
هجمات متواصلة في الخرطوم ودارفور ومنظمات إغاثية تطالب بتجنبيها أعمال القصف
قالت غرفة طوارئ لمتطوعين محليين في السودان، اليوم الأحد، إن 40 شخصاً في الأقل لقوا حتفهم في غارة جوية على سوق بجنوب الخرطوم.
وهذا هو أكبر عدد قتلى من المدنيين في واقعة واحدة منذ بدء الحرب الأهلية بالسودان، في 15 أبريل (نيسان) الماضي، إذ تزداد حدة القتال في المناطق السكنية.
بدورها، ذكرت غرفة طوارئ جنوب الحزام، أن مقذوفاً سقط في حي مايو، أدى إلى وفاة امرأة وطفلة وهدم المنزل وإصابة سبعة أشخاص آخرين، تبعه قصف جوي بالطيران المسير على سوق قورو المكتظ بنفس المنطقة ليرفع عدد الضحايا إلى أكثر من 40 قتيلاً.
ولا تزال حالات مصابة تتوافد إلى مستشفى بشائر، إذ يتوقع معها أن يرتفع عد الضحايا إلى أكثر من ذلك بكثير.
وجددت غرفة الطوارئ، النداء العاجل لكل الكوادر الطبية والمسعفين والمتبرعين بالدم للحضور لمستشفى بشائر فوراً.
من جانبها، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود السودان، أن غارة جوية للجيش على سوق قورو خلفت 60 جريحاً بينهم 35 قتيلاً من المدنيين، بعد قصف جوي على سوق مجاور بأسلحة متفجرة أحدثت إصابات لا تطاق صباح اليوم.
وقالت منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود عبر منصة (إكس)، ماري بيرتون، "يوم آخر من المعاناة والخسائر في الأرواح والممتلكات التي لا يمكن تصورها للناس في الخرطوم".
الجيش ينفي
لكن الجيش السوداني نفى في بيان عبر صفحات القوات المسلحة السودانية على وسائل التواصل الاجتماعي أن يكون قد استهدف مدنيين بمنطقة مايو، قائلا "روج اليوم إعلام المليشيا المتمردة كعادته ادعاءات مضللة وكاذبة تفيد بتوجيه القوات المسلحة لضربة استهدفت مدنيين بمنطقة مايو".
وأضاف البيان "تؤكد القوات المسلحة أنها لا يمكن أن توجه نيرانها لشعبها الذي يعلم ذلك، ويشهد في الوقت نفسه على الفظائع غير المسبوقة في تاريخ البلاد التي ارتكبتها المليشيا المتمردة ومرتزقتها".
وأكدت القوات المسلحة أنها "توجه ضرباتها على تجمعات وحشود ومواقع وارتكازات المتمردين كأهداف عسكرية مشروعة، مع تقيدها التام بالقانون الدولي الإنساني وقواعد الإشتباك كجيش محترف وبمنأى عن مواطنينا الأبرياء والأعيان المدنية والمحمية".
لجان المقاومة
وقالت "لجنة المقاومة" المحلية "ارتفع عدد ضحايا مجزرة سوق قورو بمنطقة مايو جراء القصف الجوي، وما زالت الحالات تتوافد إلى مستشفى بشائر". وكانت اللجنة، وهي مجموعة شعبية تنشط في تقديم الدعم للسكان، قد أفادت في حصيلة سابقة عن مقتل 11 شخصاً وإصابة العشرات.
ولجان المقاومة هي مجموعات شعبية كانت تنظم الاحتجاجات للمطالبة بحكم مدني بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح نظام عمر البشير عام 2019، ثم تحول نشاطها منذ بدء الحرب إلى دعم السكان.
ومنذ اندلاعه في 15 أبريل (نيسان) الماضي، حصد النزاع بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نحو 7500 قتيل وفق أحدث أرقام لمنظمة "أكليد" غير الحكومية التي ترجح، كغيرها من المصادر الطبية والميدانية، أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى، خصوصاً في ظل انقطاع الاتصالات في مناطق عدة، ورفض طرفي القتال إعلان خسائرهما.
واضطر نحو خمسة ملايين شخص من إجمالي عدد سكان البلاد المقدر بنحو 48 مليون نسمة إلى ترك منازلهم والنزوح داخل السودان أو العبور إلى دول الجوار، خصوصاً مصر وتشاد، وفق الأمم المتحدة.
وتركزت المعارك في الخرطوم ومحيطها، وإقليم دارفور في غرب البلاد، مع تواصل النزاع بين الحليفين السابقين البرهان وحميدتي من دون أفق للحل.
ومنذ بدء الاشتباكات، لم يحقق أي من الطرفين تقدماً ميدانياً مهماً على حساب الآخر. وتسيطر "قوات الدعم" على أحياء سكنية في العاصمة، ويلجأ الجيش في مواجهتها بسلاح الطيران والقصف المدفعي. وأفاد شهود في الآونة الأخيرة بأن القصف الجوي يزداد حدة، ومعه حصيلة الضحايا المدنيين، مع محاولة الجيش استعادة مواقع في العاصمة.
قصف ومضادات
أفاد شهود عيان بقصف الطيران الحربي مواقع للدعم السريع بمنطقة الحاج يوسف وغارات جوية في كل من بحري شرق النيل والحلفايا، مع سماع انطلاق المضادات الأرضية التابعة لقوات الدعم السريع، كما سمعت أصوات قصف مدفعي متقطع في نواحي جنوب أم درمان باتجاه سلاح المهندسين.
بحسب مصادر أمنية، نفذت هيئة العمليات بجهاز الأمن والاستخبارات هجوماً قوياً على ارتكازات للدعم السريع في منطقة شارع الهواء بحي كافوري بالخرطوم بحري، تمكنت خلاله من الاستيلاء على عدد من الدراجات النارية والعربات الملاكي التي تستخدمها تلك القوات إلى جانب القبض على مجموعة من المتعاونين معها في شرق النيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعزا المتخصص في الشؤون الإنسانية مصطفى آدم الموقف الإنساني الغذائي والصحي المتفاقم في الخرطوم إلى عدم وجود لجنة متخصصة في الطوارئ نتيجة للغياب التام لمفوضية العون الإنساني بالولاية عن الهم الإنساني وعدم ظهورها في المشهد منذ بداية الحرب، على رغم التداعيات الكارثية للوضع الإنساني.
ولفت آدم إلى أن المنظمات الدولية التي تتمتع بقدرة على الوصول تعمل بوتيرة بطيئة وفق إجراءات مطولة تقتلها البيروقراطية، محملاً والي الخرطوم مسؤولية غياب المفوضية ولجنة الطوارئ عن المشهد الإنساني بالولاية. وأشار إلى أن بعض المنظمات الراغبة في العمل بولاية الخرطوم لا تدري ماذا تفعل ومع من تتعامل.
تحذيرات إنسانية
على نحو متصل، حذرت غرفة طوارئ جنوب الحزام من شبح خروج مستشفى بشائر عن الخدمة من جديد، نتيجة توقف وصول الإمدادات الطبية وعرقلة وصول الكوادر الطبية إليه، في وقت تشارف المخزونات الطبية على النهاية وتنعدم الممرات الآمنة للوصول إليه، مما يحرم آلاف الحالات المحتاجة من الخدمات العلاجية الطارئة، مطالبة بتذليل العقبات أمام المساعدات الإنسانية والطبية، والمنظمات الإنسانية لضمان استمرار خدمات المستشفى.
وكشفت مجموعة محامي الطوارئ عن رصدها انتهاكات عدة في عموم مدينة أم درمان والأحياء القديمة في ودنوباوي وحي العمدة على وجه الخصوص، التي تعرضت لهجمات نهب شرسة ومقننة للبيوت وترحيل المنهوبات إلى ارتكازات معروفة بالنسبة إليهم، فضلاً عن تعرض المواطنين في مناطق الجريف غرب بالخرطوم لأنواع عدة من القسوة والتعذيب.
عاصمة دارفور تشتعل
بعد فترة هدوء لأسابيع في شمال دارفور، تجددت الاشتباكات، أمس السبت، بين "الدعم السريع" والجيش في مدينة الفاشر التي شهدت إطلاق نار كثيفاً وأسلحة ثقيلة وخفيفة ودانات في الاتجاه الشمالي الشرقي في المدينة بالقرب من أحياء خور سيالا وديم سلك وسوق نيفاشا.
وقال بيان موقف العمليات اليومي للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله إن قوات الجيش دحرت محاولة جديدة من الميليشيات للهجوم على سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية، وكبدتهم خسائر كبيرة في الأفراد وتدمير عدد من العربات القتالية، ولاذ باقي العدو بالفرار.
وبحسب العميد عبدالله فإن قوات الفرقة الثالثة مشاة بمدينة الفاشر اشتبكت مع الميليشيات المتمردة وتمكنت من دحرهم وتكبيدهم خسائر فادحة في الأرواح بلغت 30 قتيلاً وعدداً كبيراً من الجرحى، كما استولت على عدد من العربات والآليات، مشيراً إلى استقرار الأوضاع في جميع الفرق والمناطق العسكرية بالولايات الأخرى.
وذكر أن فرق العمليات والمهام الخاصة تواصل عمليات ناجحة بجميع المواقع بالعاصمة في كل من الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، موضحاً أن القوات المتمردة ما زالت تواصل انتهاكاتها ضد المدنيين، إذ قامت بقصف عشوائي على مناطق ود البخيت وكرري شمال أم درمان، مما أدى إلى مقتل اثنين من المواطنين بجانب عدد من الجرحى.
وأوضح الناطق باسم الجيش أن الميليشيات المتمردة تواصل محاولاتها الإخلاء القسري لسكان أحياء المربعات بأبي سعد والفتيحاب والنخيل ولبستان والصالحة، إذ درجت على إرهاب المدنيين لإخلاء منازلهم بغرض نهبها أو احتلالها أو استخدامها للأغراض العسكرية.
حاكم دارفور يحذر
إلى ذلك حذر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي من التخلي عن حيادهم في الحرب حال حدوث هجوم على الطوف الأمني لقوات الحركات المسلحة.
أوضح مناوي، في تغريدة على حسابه في منصة "إكس"، أن الطوف الأمني المكون من قوات الحركات المسلحة في دارفور يستفيد منه مدنيون من ولايات شمال وغرب كردفان والنيل الأبيض نسبياً، بل وأصبح الشريان الوحيد لحياة سكان دارفور الذين يقارب عددهم 15 مليون نسمة.
ونبه مناوي إلى تهديدات صوتية ومكالمات مباشرة من أشخاص مصرين على الهجوم والاعتداء على الطوف المتقدم من مدينة كوستي إلى إقليم دارفور، محذراً من أنه "إذا حدث هذا الأمر ستتحول حالة الحياد هذه إلى حالة عند الضرورة أحكام، نتمنى ألا نصل لهذه الحالة".
ورداً على تحذير حاكم إقليم دارفور في شأن اعتداء متوقع على قوافل المساعدات الإنسانية، أصدرت قوات الدعم السريع بياناً أعلنت فيه عن الشروع فوراً في تشكيل لجنة مشتركة مع جميع الأطراف بما في ذلك حركات الكفاح المسلح للتنسيق حول ملف المساعدات الإنسانية، وأي أعمال إنسانية أخرى في مناطق سيطرة قواتها.
واتهم البيان من وصفهم بالفلول الموجودين في بورتسودان بتعمد إعاقة وصول المساعدات الإنسانية لبعض المناطق في السودان، منها إقليم دارفور وكردفان والنيل الأبيض والخرطوم كمخطط مدروس لمعاقبة سكان تلك المناطق سياسياً.
وأضاف "الدعم السريع"، "تقدم وفدنا في جدة بطلب للمسهلين والمنظمات الإنسانية بضرورة إيصال المساعدات الإنسانية مباشرة إلى تلك المناطق، مضيفاً "أكدنا استعدادنا للتعاون بفتح مطارات الفاشر ونيالا والأبيض والجنينة، لكن ميليشيات البرهان رفضت وهو موقف مسجل في محاضر المسهلين في جدة".
وقال إن قوات الدعم السريع ظلت على تواصل وتنسيق مستمر مع جميع الأطراف لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وأنشأت لذلك الغرض وكالة للعون الإنساني لتنسيق العمليات الإنسانية في مناطق سيطرة قواتها ويجري العمل الآن لبدء عمل الوكالة.
البرهان يهاجم
بالتوازي مع العمليات العسكرية هاجم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان كلاً من الاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد) بإطلاق عدة رسائل تحذيرية لهما من مغبة التدخل في شؤون السودان الداخلية، وذلك على خلفية حملة الحكومة السودانية ضد الاتحاد الأفريقي عقب لقاء رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي مستشار قائد "الدعم السريع" يوسف عزت في أديس أبابا.
وطالب البرهان الاتحاد الأفريقي بتصحيح موقفه ومنسوبيه تجاه السودان، مخاطباً إياه "إذا كان هذا نهجكم فنحن في غنى عن مساعدتكم، وليس مسموحاً لكم بالتدخل في شأننا الداخلي بشكل غير مقبول".
وأشار إلى أنه "إذا انحرفت منظمة (إيغاد) عن مسارها، فنحن كسودانيين قادرون على حل مشكلاتنا دون الحاجة إلى أحد"، لافتاً إلى أنه وجب الآن تصنيف ميليشيات الدعم السريع كجماعة إرهابية، بالنظر إلى جرائمها واستعانتها بمرتزقة من جنسيات متعددة.