Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اليونسكو" تتسلح بالرياض لإطفاء حرائق "التراث"

المنظمة الأممية تلوح بـ"عصاها السحرية" ضد تهديد كنوزها من بوذا إلى لفيف و"سبعة رجال" حتى البندقية

احتشاد وفود الثقافة الدولية في الرياض فرصة لإعادة التأكيد على توحد العالم في حماية إرث الأجيال وحفظه (اندبندنت عربية)

ملخص

وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن فرحان قال "إن الرياض تؤمن بأهمية التراث بوصفه كنزاً حضارياً وإرثاً إنسانياً ومعرفياً".

لا تستخدم السحر وخوارق الأولياء وهالات المعابد، إلا أنها توظف مكنون الثقافات في وجدان البشرية والأساطير، حتى صارت قوة ناعمة، انتزعت لنفسها مكانة، تقترب من حصانة، أكثر من تحدوها عادوا إليها نادمين معتذرين، وآخرهم أقوى دولة في العالم أميركا.

 تلك هي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، التي ظلت على رغم تهم تسييس وسجالات عدة أحيطت بها عالمياً وعربياً، خصوصاً عندما تجرأت على حرمان الراحل غازي القصيبي من مقعدها الشاغر ذات عام، إلا أنها بقيت تحتفظ بقوة اعتبارية لا تضاهى، و"عصا سحرية"، لا تتورع عن التلويح بها في وجه من يتهدد كنوزها، كائناً من كان، إن هو "طالبان" و"القاعدة" وروسيا، أو حتى بريطانيا العظمى وروما المرصعة بكبرياء التاريخ.

لكن الظروف الدولية الراهنة التي تشهد استقطاباً متزايداً، بدا أنها رجحت لدى المنظمة كفة التسلح بدولة مؤثرة في نطاق عملها ودولياً مثل السعودية، لتحيي فيها عرسها السنوي، المتمثل في انعقاد "لجنة التراث العالمي"، الذي تتسابق الدول إلى استضافته بوصفه يوم قيامة أو نهاية للكنوز، بوضعها على التصنيف العالمي أو استبعادها، مما جعل المناسبة موضع جدل متكرر.

رحلة عبر القرون

وفي وقت تترقب الدول قول اللجنة الفصل في 26 موقعاً مرشحاً حول العالم، رحب وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان آل سعود بضيوف بلاده وسط باحات قصور "المربع" التاريخية، وساحات نخيله وجداول الماء التي تمازجت أنغامها مع أغصان النخيل وأهازيج الفرق الشعبية السعودية المعاصرة، لتختم رحلة أزمنة وحضارات مرت على الجزيرة العربية، في بث مسرحي مفتوح، تراقصت الكاميرات والأكف فيه مع القرون والألحان.

 

وقال "إن الرياض تؤمن بأهمية التراث بوصفه كنزاً حضارياً وإرثاً إنسانياً ومعرفياً"، مشيراً إلى عمل بلاده مع شركائها في منظمة اليونسكو "لدعم القرارات الساعية إلى بناء أسس متينة للقدرات البشرية في مجالات التراث والآثار، ودعم مواقع التراث العالمي وصونها، من خلال تبني استراتيجية بناء القدرات للعاملين في مجال التراث للسنوات العشر المقبلة"، بما في ذلك تأسيس الصندوق السعودي لدى "اليونسكو"، بهدف "تمويل ودعم البرامج والمشاريع ذات الصلة حول العالم".

من جهتها قالت مديرة "اليونسكو" أودري أزولاي، إن احتشاد وفود الثقافة الدولية في الرياض فرصة، لإعادة التأكيد على توحد العالم في حماية إرث الأجيال وحفظه، وسط عالم تجتاحه مهددات الحروب والتقلب المناخي والكوارث الطبيعية، متوقفة عند زلزال المغرب بلدها الأصلي الذي خنقتها عبرة آلامه، مؤكدة أن " فرق اليونسكو قد تواجدت بالفعل في الموقع لتقييم مدى الدمار، بخاصة مراكش ومدينتها القديمة، المدرجة على قائمة التراث العالمي".

وتعد مراكش، واحدة من أكثر المناطق الأثرية غنى في العالم، بما وجدته من الاهتمام والتأهيل وإعادة التوظيف، وهي المعروفة بأنها عاصمة دولة المرابطين التي وصلت حتى الأندلس والسوادان الأفريقي، وما بعدهم من الحضارات المتعاقبة. ومن بين أشهر معالمها "المدينة القديمة"، ومزارات "سبعة رجال"، و"جامع الكتبية"، و"جامع الفنا"، إلى جانب ضاحيتها "أغمات" المحتضنة قبر المعتمد بن عباد، أحد أمراء الأندلس (أشبيلية) الذين أطاح بهم يوسف بن تاشفين إثر توحيد الجزيرة الإيبيرية، وصارت أبياته في رثاء نفسه وبناته مثلاً سائراً لتبدل الدنيا من حال إلى نقيض.

حماة "بوذا" و"طالبان"

ولم تكن مراكش وحدها التي حظيت باهتمام في نقاشات اللجنة السرية والمعلنة، فقد كشفت "اليونسكو" عن اتفاق مع السلطات في كابول الأفغانية يسمح لها بالبدء بتركيب آثار بوذية في منطقة باميان في أفغانستان، بعد إعلان "طالبان" في أيام حكمها الأولى الحرب على الأثر الذي ينظر إليه على أنه لا يقدر بثمن.

وقالت وثيقة سيتم طرحها على الدول الأعضاء في اجتماع لجنة التراث الـ45 في الرياض، إنها ستستأنف أعمال تثبيت المنطقة الغربية من محراب بوذا الغربي في باميان وجدارية في منطقة شهر غلغولة، تعود إلى القرن السادس الميلادي.

وكانت الأعمال قد توقفت منذ أن أخذت الاشتباكات في أفغانستان منحنى حاداً في 2021 انتهى بسيطرة حركة "طالبان" على كابول.

وتعود أعمال الترميم التي تقودها المنظمة الدولية إلى أحداث شهدتها المواقع التاريخية في السنوات الأولى من القرن الجاري، عندما أقدمت قوى تابعة لـ"طالبان" بتفجير مواقع أثرية بوذية قبل أشهر قليلة من الغزو الأميركي وسقوط حكم الحركة في كابول.

إلا أن هذه الانفراجة ليست حالة عامة، ففي مواقع أخرى تلعب الحرب دوراً سبياً كما جرت العادة بأن تصبح الثقافة في ذيل قائمة الأولويات في الأزمات الكبرى، كما هي الحال مع الدول التي تقع تحت وطأة الحرب، لذا وضعتها جولة الرياض الدولية على رأس قائمة أولويات أعمال "اليونسكو".

وفي السودان، آخر حروب العرب، أثر النزاع المسلح الذي اندلع في أبريل (نيسان) 2023 على قدرة السلطات المحلية على توفير الحد المعقول من الحماية، ما يعني أن الآثار هناك معرضة للنهب. وعلى رغم أن المنظمة الدولية لم تبلغ حتى الآن بأي معلومة عن تأثير مباشر للنزاع الأهلي في الأصول الثلاثة المدرجة على قوائمها، أو المواقع المؤقتة، إلا أنها أبدت خشيتها على مواقع في جبل البركل ومنطقة نبتان اللتين تقعان على بعد بضعة كيلومترات من الاشتباكات العنيفة.

فيما اعترفت اللجنة في وثيقة سيتم التباحث فيها مع الدول الأعضاء بفشلها في تقديم الدعم الأساسي للآثار في سوريا واليمن وليبيا بسبب النزاع المسلح هناك، داعيةً المجتمعين إلى إيجاد حلول عاجلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتخوفت اللجنة من تجدد ظهور الجماعات المسلحة في الكونغو الديمقراطية، إذ يقع منتزه فيرونغا الوطني في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة. والحال مشابهة في بينين وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، حيث تقع "تنبكتو" التاريخية، بين فكي مليشيات "فاغنر" المتحالفة مع الجيش المالي، وتنظيم "القاعدة" والمسلحين، الذين يحاصرون جميعاً المدينة.

الاحتماء بالثقافة

في هذا الصدد ألقت الحرب الروسية – الأوكرانية بظلالها على أشكال الحياة كافة في الدولة الكبيرة شرق أوروبا، ولم تستثن في تبعاتها التراث والآثار، إذ دخلت لجنة التراث العالمي على خط الأزمة.

يأتي ذلك في وقت أدرجت فيه "اليونسكو" على جدول أعمال اللجنة المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض، أولوية مناقشة طلبات أوكرانية لضم مواقع تراثية بشكل عاجل لقائمة التراث العالمي المادي من أجل إعطائها صبغة دولية تحميها من آثار الحرب.

تأتي خطوة تدويل أزمة الآثار الأوكرانية بينما تسعى كييف للحصول على صفة مشابهة في القضية السياسية والعسكرية، من خلال الضغط على شركائها الغربيين للانضمام لحلف الشمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوربي، مما يعطي قضيتها بعداً دولياً، إلا أن طلبها يقابل بالتحفظ من قبل الأعضاء في المنظمتين.

لكن كييف وجدت سبيلاً للتدويل عبر المنظمة المعنية بالتراث والآثار التي تبدو أكثر مرونة في التعاطي مع الصراع من خلال التصدي للحرب في السياق الثقافي من خلال إطلاق برامج لمواجهة العملية العسكرية وإدانة روسيا التي تتهمها غريمتها أوكرانيا بالوقوف خلف العمليات العسكرية التي طالت مواقع التراث كما طالت غيرها.

وأوضحت اللجنة في أجندتها أنها ستناقش ضم مواقع في العاصمة كييف ومدينة لفيف، وأخرى في أوديسا، وهي المدن التي كانت أهدافاً للعملية العسكرية خلال السنوات الماضية، مثل كاتدرائية ومبان رهبانية في العاصمة، مع مركز مدينة لفيف التاريخي.

وأضافت، "في أوديسا، تأثرت الأهمية الثقافية داخل محيط العقارات المدرجة على قوائم اليونسكو، وفي تشيرنيهيف وخاركيف أيضاً".

وقالت إنها عملت وفقاً لواجبها كمراقبة للمواقع المسجلة مع مجلس الأمن لحمايتها، وضبط عمليات النهب والاتجار غير المشروع بالآثار.

واستعداداً لما يمكن أن يكون أسوأ، وهو فقدان بعض الأصول الثقافية في ظروف الحرب، قالت المنظمة، إنها سلمت ماسحاً ضوئياً لمحمية كييف بيشيرسك لافرا التي تتولى حفظ المخطوطات ضمن برنامج أطلقته لتعزيز تحول القطاع رقمياً في ظل الحرب من أجل صناعة نسخ رقمية للمخطوطات والوثائق.

حرب أوكرانيا على الخط

ومثلما تظهر أوكرانيا في أروقة النقاشات نشاطاً محموماً، لا يبدو أن روسيا هي الأخرى مستعدة للتسليم بالأمر الواقع، خصوصاً وأن نقاشات لجنة التراث العالمي، تقام برئاسة السعودية، الدولة التي أعلنت منذ اندلاع الصراع تمسكها بالحياد الإيجابي، وبذلك مساع في سبيل تخفيف آثار الحرب في المدنيين وتقريب وجهات النظر بين بوتين وزيلينسكي اللذين يريان في المملكة طرفاً يمكن الوثوق به، بوصفها جسراً بين الشرق والغرب، كما أظهرت جلياً في قمة الهند، وباستضافتها زيلينسكي إلى القمة العربية في جدة، وإبقاء خطوط التواصل كذلك مفتوحة مع الرئيس الروسي، الذي أعرب مرات عدة عن احترامه دور الرياض على هذا الصعيد.

ويتوقع أن يسلط الاجتماع الذي تستضيفه السعودية الضوء على بعض المواقع البارزة أهمها فينيسيا (البندقية) وكييف، لاحتمال إدراجهما على قائمة المواقع "المهددة"، وهي خطوة أولى نحو استبعادهما من قائمة التراث العالمي التي تضم 1157 موقعاً بينها 900 موقع ثقافي، و218 موقعاً طبيعياً، و39 موقعاً طبيعياً وثقافياً مشتركاً. وتأمل تركيا في إدراج مساجدها التي تعود إلى القرون الوسطى وتتميز بهياكلها الخشبية، بينما تتنافس فرنسا مع معبد "ميزون كاريه" (البيت المربع) الروماني القديم الواقع في مدينة نيم جنوب غربي البلاد، المحفوظ بعناية.

أما تونس، فتأمل أن تدرج جزيرة جربة على قائمة التراث العالمي، ليس بسبب استقطابها أعداداً كبيرة من السياح، بل لـ"المشهد الثقافي" الذي تتميز به. وقد تدرج خلال اجتماع الرياض ستة مواقع ضمن تلك التي تواجه "خطراً"، لتنضم بذلك إلى المواقع الـ55 الواردة أصلاً في اللائحة. وأوضح مدير التراث العالمي في المنظمة لازار إلوندو أسومو، أن فينيسيا (البندقية) تواجه خطر ارتفاع منسوب المياه الناجم عن التغير المناخي وأعداد مفرطة من السياح.

وكان تولي روسيا رئاسة اللجنة قبل أن تستقيل قد أثار انتقادات واسعة من أعضائها بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وكان من المقرر أن تعقد اللجنة اجتماعاً في يونيو (حزيران) 2022 بمدينة قازان الروسية، لكن 46 دولة بينها فرنسا والمملكة المتحدة قاطعت الاجتماع الذي كان من المفترض خلاله تحديث قائمة المواقع المدرجة في قائمة اللجنة للتراث العالمي.

المزيد من تقارير