ملخص
بعد الاشتباه بحالة تجسس في البرلمان البريطاني يؤكد خبير في العلاقات البريطانية - الصينية أن بكين تلجأ إلى استخدام مؤسساتها البحثية للوصول إلى المعلومات
في وقت مبكر من هذا الصيف، كنت في وستمنستر [البرلمان البريطاني] لحضور حدث لدعم الحرية في هونغ كونغ، وتبادلت وجهات النظر الكئيبة مع آخر محافظ لهونغ كونغ [المنصب الذي كان يشغله ممثل الحكومة البريطانية في هونغ كونغ]، اللورد كريس باتن، ووزير الأمن توم توغندهات، الذي اعتلى المنصة للتحدث علناً عن الصين. وفي الجزء الخلفي من الغرفة، استمعت مجموعة من الطلاب الشباب من هونغ كونغ باهتمام شديد.
بعد ذلك تحدثت معهم. لم يذكر أحد منهم اسمه. لم يشعروا بالأمان حتى داخل البرلمان البريطاني. وفسروا ذلك بأن النظام الصيني لديه مخبرين في كل مكان. ولم يعرف أحد من كان يقدم التقارير إلى النظام [الصيني]. وإذا ما جرى التعرف عليهم، فقد تستهدف عائلاتهم في هونغ كونغ انتقاماً. أما بالنسبة إلى الطلاب من البر الصيني الرئيس، فالانتقام منهم سيكون حتمياً وفورياً.
شعرت بالصدمة، حتى بعد عقود أمضيتها بالكتابة عن الصين. تساءلت عما إذا كان هؤلاء الشباب مرتابين أكثر من الضروري. والآن يبدو أن حذرهم لم يكن ذعراً بقدر ما كان حساً سليماً. ذات مرة، شبه خبير مخضرم بالحضارة الصينية، بيري لينك، الدولة الصينية بـ"أفعى الأناكوندا معلقة في الثريا". قد لا تتحرك الأفعى للأسفل للإمساك بك، لكنك تعلم دائماً أنها موجودة. في الواقع، قام النظام الصيني بتصدير جو الخوف الخاص به إلى بريطانيا.
هذا الأسبوع علمنا أنه قبض على رجلين بموجب "قانون الأسرار الرسمية"، أحدهما باحث برلماني، للاشتباه بقيامهما بالتجسس لصالح الصين وأطلق سراحهما بكفالة. ونفى الباحث ارتكاب أية مخالفات، في حين حذر رئيس مجلس العموم ليندساي هويل النواب من التصريحات التي قد تضر بالقضية.
وأحدثت الأخبار صدمة في جميع أنحاء وستمنستر. لا أعرف لماذا. فقد ركزت أجهزتنا الأمنية على عمليات النفوذ الصيني قبل فترة طويلة من رغبة أغلب الساسة - باستثناء قلة من الشجعان مثل توغندهات وإيان دنكان سميث، زعيم حزب المحافظين السابق - في الاستماع إليها.
ومثلهم كمثل أليسيا كيرنز، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية، تعرض الرجلان للتعليقات الساخرة في وايتهول بأنهما لم يفهما "الفوارق الدقيقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد كان حزب العمال خاملاً بشكل مؤسف بشأن هذا الموضوع. حتى أن العضو البارز في الحزب، بيتر ماندلسون، ذهب إلى بكين أخيراً لرؤية أصدقائه القدامى من مدرسة الحزب المركزية، وهي المدرسة التي تدرب كوادر [الزعيم الصيني] شي جينبينغ على الطرق الأفضل لإدارة الاستبداد. دعونا نأمل ألا يكون هذا نذيراً بـ"الواقعية" المبتذلة من جانب حكومة [زعيم حزب العمال] السير كير ستارمر المرتقبة.
لقد أوضح السير أليكس يونغر، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني "أم آي 6" MI6، لـ"بي بي سي"، في حديث يوم الإثنين، أن المخابرات الصينية تعمل على نطاق أوسع من أجهزة الاستخبارات الغربية، ووكالاتها الأساسية هي وزارة أمن الدولة وإدارة جيش التحرير الشعبي. ولكن، بحسب ما قال السير أليكس، هناك جهة ثالثة مهمة وهي إدارة عمل الجبهة المتحدة United Front Work Department التابعة للحزب الشيوعي، هذه الإدارة ذات الاسم الغريب التي أشاد الرئيس ماو تسي تونغ بها، ووصفها بأنها "سلاحنا السحري".
إن "الجبهة المتحدة" هي الوكالة المراوغة التي تقف وراء أغلب الجهود التي تبذلها الصين لإضعاف الديمقراطيات. سلاحها هو الهدوء وليس البندقية. عندما سمى جهاز الأمن الداخلي "أم آي 5" MI5 المحامية الأنغلو-صينية كريستين لي باعتبارها "وكيل نفوذ" للصين، فقد بين السمات المميزة لعملية تقليدية للجبهة المتحدة. الشيء الغريب بالنسبة إلى معظم الناس هو كم كان الأمر غير ضار ولطيف. فما الضرر الذي قد يترتب على التبرع بالمال لعضو البرلمان عن حزب العمال، باري غاردينر، والتقرب من ديفيد كاميرون وتيريزا ماي بهدف "بناء جسور [العلاقات]؟".
والهدف من هذه الجهود هو "التطبيع". من خلال التعامل مع النظام وأفعاله مثل أية دولة أخرى، يصبح المجرم عادياً. إنه يتيح العمل بطريقة عادية، الذي يجري أحياناً بواسطة أشخاص كانوا سيسعدون أن يبيعوا لك سندات دين من النظام النازي في عام 1936.
هناك مدرسة كاملة من الأكاديميين المدربين لإلقاء محاضرات علينا مفادها بأن منتقدي الديكتاتورية "يفتقرون إلى معرفة الفوارق الدقيقة". ولعل هذا يفسر لماذا، عندما بحثت في خلفيات ستة "علماء" [صينيين] جرت دعوتهم إلى التحدث في جامعة كامبريدج في السنوات التي سبقت جائحة كوفيد، لم يستغرق الأمر سوى قليل من الجهد لربط كل مؤسسة من مؤسساتهم بوزارة أمن الدولة الصينية.
لا أحد يعرف حقاً ما إذا كان الأشخاص الأذكياء للغاية عديمي الضمير أم مجرد ساذجين. في العام الماضي، نشرت كليتي القديمة في كامبريدج، "جيسوس"، مراجعة حول مركزها للدراسات الصينية بعد انتقادات مفادها بأنها كانت لطيفة أكثر مما ينبغي مع النظام. وقررت إصلاح إدارة المركز، وجعل أهدافه وتمويله يتمتعون بـ"شفافية تامة" وجلب باحثين مستقلين لضمان برنامج "جريء ونشط، لا يتجنب المواضيع المثيرة للجدل".
ولا يزال العمل جار على التغيير في المركز. لكن من الجدير بالملاحظة أن نائبة مدير المركز ذات العلاقات الواسعة، الدكتورة جين تشانغ، اختفت عائدة لبكين أثناء الجائحة، إذ ظهرت في مركز أبحاث تابع لمجلس الدولة الصيني، أي مجلس الوزراء في البلاد. ربما يشعر الطلاب الصينيون في الجامعة بالارتياح قليلاً خلال هذا الفصل الدراسي.
قصة كامبريدج لم تنته بعد، لكنها قد تكون نموذجاً لكيفية تحقيق التوازن بين التواصل واليقظة. والوقت الآن مناسب أيضاً للتخلي عن مصطلح "فوارق دقيقة". الدولة الصينية وعملاؤها لا يعترفون بـ"الفوارق الدقيقة"، إذا انتهى بك الأمر في أيديهم.
© The Independent