Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرهائن حيلة طهران لتحرير قتلة شابور بختيار ( 2-2)

وثائق بريطانية تروي كيف وظف النظام الإيراني المدنيين الغربيين في ابتزاز دولهم كي تفرج عن عملائها وأموالها

بعد هروبه من طهران إلى باريس حظي شابور بختيار بحراسة مشددة خاصة أنه تحول إلى أحد أكبر رموز المعارضة في الخارج ( غيتي)

أظهر النظام الإيراني رغبة جامحة في تنفيذ اغتيالات سياسية خارج حدود الدولة، بعد ما أحكم قبضته على الحكم وأقصى تيارات عريضة شاركت في الثورة ضد الشاه، وكان اغتيال شابور بختيار آخر رئيس وزراء عينه الشاه محمد رضا بهلوي من أكثر العمليات تعقيداً ضد المعارضين للنظام الجديد.
لم يفلح النظام في اغتيال الرجل في المرة الأولى عام 1982 حين أرسل أليه أنيس النقاش اللبناني حليف "كارلوس الثعلب"، وعاد عملاء النظام عام 1991 ونفذوا العملية على رغم وجود 13 شرطياً مهمتهم حراسة بختيار الذي سرعان ما تحول إلى أبرز وجوه المعارضة ضد الخميني في الخارج.


على رغم نجاح العملاء في الهرب من مسرح الجريمة بسرعة إلا أن قضية ملاحقتهم واعتقالهم تحولت إلى شغل شاغل للرأي العام والحكومات الغربية.

التلويح بإرهاب فرنسا وسويسرا

في الوثائق البريطانية المفرج عنها حديثاً نجد متابعة متواصلة من السفارة البريطانية في طهران لتطورات القضية وتفاعلاتها في إيران، وفي تقييم أرسل إلى لندن بتاريخ الـ28 من مارس (آذار) 1992 اعتبرت السفارة أنه لا يوجد أي دليل على أن الإيرانيين يسعون إلى إثارة المشاعر المعادية لسويسرا أو فرنسا من خلال وسائل الإعلام أو العمل في الشوارع، غير أن السفارة أيدت التحليل الذي يعتقد أن "الإيرانيين ربما يبحثون عن سبل لمعاقبة السويسريين، ولو لمجرد إخافة الفرنسيين وغيرهم على التعاون بشكل أكبر في المستقبل".

وكان وكيلي راد اعتقل في سويسرا قبل أن تسلمه إلى فرنسا، فيما كان دبلوماسي آخر يدعى سرحدي زاده نجحت ضغوط طهران في تلكؤ سويسرا عن تسليمه إلى باريس، على رغم إدانته بالضلوع في قتل بختيار، وتصدرت قضية تسليم العملاء المتنكرين بالزي الدبلوماسي الصحف العالمية حينها.

وفي برقية لاحقة للسابقة تطرقت السفارة البريطانية في طهران إلى زيارة المدير العام لشمال أفريقيا والشرق الأوسط بوزارة الخارجية الفرنسية بيار لا فرانس إلى طهران في الـ30 من مارس (آذار) 1992، إذ كانت المحادثات بحضور المدير العام لدائرة غرب أوروبا بوزارة الخارجية الإيرانية، آصفي.
 

ورطة اللغة الفارسية وأرمينيا

أكد لا فرانس في هذه المحادثات على إصرار القضاء الفرنسي على متابعة قضية اغتيال شابور بختيار، كما أكد المبعوث الفرنسي ضرورة إخراج سويسرا من هذا الملف. وتذكر الوثيقة البريطانية المفرج عنها في فقرتها الرابعة فبركة إيرانية نشرتها وسائل الإعلام المحلية نسبت للمبعوث الفرنسي الذي أراد أن يجرب التحدث باللغة الفارسية.

وأشارت الوثيقة إلى أن المسؤول الفرنسي وقع في موقف محرج عندما حاول التحدث باللغة الفارسية وأخذته الحكومة الإيرانية ووسائل إعلامها في إطار يتناقض مع ما كان يقصده لا فرانس، ونسبته إلى موقف باريس من قضية "قره باغ" التي تقف فيها إيران إلى جانب أرمينيا فيها ضد أذربيجان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وذكرت البرقية أن "لا فرانس لم يتمكن من مقاومة رغبته في إظهار معرفته اللغة الفارسية فأدلى ببعض المجاملات التقليدية في البداية، لسوء الحظ اعتبر الإيرانيون تصريحاته بياناً رسمياً للسياسة الفرنسية، لذلك ذكرت وسائل الإعلام المحلية في إيران أن لا فرانس نقل رسالة من دوما (وزير خارجية فرنسا) إلى ولايتي (وزير خارجية إيران) تهنئ فيها إيران على الجهود المبذولة في إقليم قره باغ وتعبر عن تفهمها الكامل لمواقف إيران المبدئية، وتؤكد على ضرورة تبادل إيران وفرنسا وجهات النظر حول قضية الإقليم للمساعدة في تقليل التوترات".

لكن هذا الموقف بحسب الوثيقة "سرعان ما واجه رفضاً من فرنسا التي أكدت في بيان أن هذا لم يكن بالضبط ما قصدته فرنسا خلال زيارة بيار لا فرانس"، إلا أن طهران على رغم ذلك نجحت فيما كانت ترغب وهو خلط الأوراق، وافتعال مشكلة مع فرنسا لتساوم بها موقفها نحو تسليم المتورطين في مقتل شابور بختيار على الأرض الفرنسية.

ابتزاز واعتقالات

لم يكن هذا نهجاً استثنائياً، إذ عرفت إيران منذ نشأة النظام على انتهاجها أسلوب فبركة قضايا ضد الرعايا الأجانب للضغط على الحكومات الغربية من أجل مكاسب سياسية وأمنية، فملف تبادل السجناء بينها والحكومات الغربية مستمر حتى الوقت الراهن، وكثيراً ما أصدرت الدول الأوروبية بيانات تحذير لمواطنيها لتوخي الحذر عند السفر إلى إيران لتجنب الوقوع في فخ الأجهزة الأمنية.

وفي الـ18 من مارس من عام 1992، اختفى رجل الأعمال السويسري هانز بوهلر في إيران، قبل أن تعلن وسائل إعلام النظام في وقت لاحق أنه اعتقل بسبب اتصالات غير قانونية مع أفراد من القوات المسلحة.
ووصفت سويسرا الإجراء بأنه محاولة لابتزازها لكنها أكدت أن الإيرانيين لم يطرحوا موضوع الدبلوماسي سرحدي زاده. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية آنذاك "إنه لا توجد صلة بين الاعتقال وقضية سرحدي، لكن يبدو من المرجح أن إيران تحاول ابتزاز السويسريين"، مضيفاً أنه لم يمنح بعد موظفو القنصلية السويسرية في طهران حق الوصول إلى رجل الأعمال المعتقل.

سويسرا ترد على طريقتها

ورداً على اعتقال المواطن السويسري فرضت السلطات السويسرية إجراءات خاصة على العاملين بالسفارة الإيرانية هناك، "وفي الـ31 من مارس منعت السلطات الإيرانيين الـ13 في سفارة بيرن من السفر لأكثر من 40 كم خارج بيرن (وهذا سيمنعهم على سبيل المثال من الوصول من دون إذن خاص إلى مطارات زيورخ أو جنيف). هذا الحظر لم ينطبق على الإيرانيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة في جنيف".

وورد في مستهل برقية بريطانية صادرة مطلع أبريل (نيسان) 1992 مرسلة من السفارة البريطانية في بيرن إلى مرجعيتها في لندن، أن العلاقات السويسرية الإيرانية تواجه ضغطاً متزايداً من طهران وذلك قبيل استئناف سرحدي أمام المحكمة العليا السويسرية.

وتضيف البرقية "انتظر سرحدي حتى اللحظة الأخيرة (الـ24 من مارس) قبل تقديم استئناف ضد تسليمه إلى فرنسا. ويتوقع مسؤولو وزارة العدل والشرطة الفيدرالية أن تصدر المحكمة العليا حكماً في شأن الاستئناف في مايو (أيار)، وأن تجد المحكمة أنه لا يوجد عائق أمام التسليم".

 

وتشير إلى أنه "في غضون ذلك زاد الإيرانيون من ضغطهم على السويسريين، وقالت السفارة الإيرانية هنا إن إيران ستلجأ إلى موردين آخرين للسلع التي تحصل عليها حالياً من سويسرا بعد أن أصبح الحصول على التأشيرات وتراخيص الاستيراد أكثر صعوبة بالفعل، على رغم أن السفارة هنا تدعي أن هذا لا علاقة له بقضية سرحدي".
 

محاكمة سياسية ومقايضة

في الـ10 من ديسمبر (كانون الأول) 1994 كشفت وسائل الإعلام الإيرانية عن إطلاق سراح زين الدين سرحدي، وذكرت وكالة الأنباء الحكومية "أرنا" أن "المحكمة الجنائية في باريس برأت زين الدين سرحدي المتهم في قضية اغتيال بختيار، وغادر سرحدي مطار باريس أورلي عائداً لإيران".

وفي إيران أفرج عن رجل الأعمال السويسري هانس بوهلر بعد تسعة أشهر ونصف شهر من الاعتقال في سجن إيفين سيئ الصيت، ودفعت شركة كريبتو السويسرية مليون دولار للجانب الإيراني.

وكان هانس بوهل ممثلاً لشركة "كريبتو إي جي" السويسرية في إيران وكشف تحقيق مشترك أجرته واشنطن بوست و تلفزيون "زد دي أف" الألماني عام 2022 عن أن الـ"سي آي إيه" والاستخبارات الألمانية تجسسا على 120 بلداً من خلال الأجهزة المنتجة في شركة "كريبتو إي جي" المختصة بأجهزة الترميز التي تستخدمها البعثات الدبلوماسية.

وفور عودته من إيران لسويسرا رفع هانس بوهلر شكوى ضد "كريبتو أي جي"، وأكدت الشركة عدم تورطه في أنشطة تجسس وتخلت الشركة في ما بعد عن المهندس الذي ظل يؤكد عدم اطلاعه على أنشطة الشركة.

واستمرت التطورات التي أثيرت حولها شكوك بمقايضات لجأت إليها طهران لتحرير عملائهم المعتقلين في الخارج، إلى أن جاءت الانتفاضة الخضراء عام 2009 ورافقت إطلاق سراح المتهم الرئيس باغتيال شابور بختيار، علي وكيلي راد.

طالبة فرنسية في مقابل قاتل

ففي عام 2009 تمكنت الاستخبارات الإيرانية من استدراج طالبة فرنسية إلى إيران واتهمتها بالتجسس لصالح المخابرات الفرنسية.
وبث التلفزيون الحكومي أجزاء من محاكمتها لتعزيز روايته بأن الحراك الذي أعقب نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 وقاده مير حسين موسوي ومهدي كروبي أتى بتحريض من أجهزة الأمن الغربية.
وفي الـ28 من مارس (آذار) 2009 احتفت الحكومة الإيرانية باستقبال علي وكيلي راد بعد 19 عاماً في السجن، واستقبل استقبال الأبطال في مطار طهران ووضعوا على صدره إكليلاً من الورود.



وكان إطلاق سراح وكيلي راد بعد أيام من إطلاق سراح المواطنة الفرنسية كلوتيلد ريس.
‏ وأمضت كلوتيلد 10 أشهر في السجن وحكم القضاء الإيراني ضدها بالسجن 10 سنوات، لكن الحكم تحول إلى غرامة مالية فيما بعد وعادت لفرنسا على متن طائرة تابعة للحكومة الفرنسية، أقلتها إلى مطار "فيلاكوبلاي" العسكري بالقرب من العاصمة باريس.

لم تكشف إيران ولا فرنسا عن وجود صلة بين إطلاق سراح وكيلي راد وريس، لكن ذهب كثيرون إلى وضع القضيتين في إطار صفقة تبادل سجناء بين البلدين خصوصاً أن بعض المسؤولين الإيرانيين ووسائل الإعلام الحكومية تنشر بين فترة وأخرى دعوات إلى تحرير سجناء إيرانيين في الخارج كلما اعتقل في طهران مواطن غربي.

وهكذا فإن كلا القاتلين المدانين بجريمة اغتيال آخر رئيس وزراء الملكية في إيران شابور بختيار، حررا على الطريقة الإيرانية التي لا تزال ماضية في توظفيها، وهي اعتقال الغربيين المدنيين في طهران بتهم غير ثابتة وفق الدعاية الغربية، في مقابل مبادلتهم لاحقاً بمرتكبي الجرائم من عملائها في لندن أو باريس أو جنيف وبرلين، أو تحرير أموالها المجمدة بسبب العقوبات الأميركية أو الدولية، كما الحال في اللحظة الراهنة مع الإدارة الأميركية.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق