ملخص
كانت صحيفة "نيويورك تايمز" أماطت اللثام عن بعض الجوانب السرية لزيارة الزعيم الكوري الشمالي بما نشرته حول مخاوف الغرب من إمكان تزويد روسيا بمزيد من الأسلحة لمواصلة العملية العسكرية في أوكرانيا.
ظلت زيارة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى الشرق الأقصى في روسيا طي الكتمان فترة طويلة، وإن تداولت الأوساط الرسمية من الجانبين احتمالات القيام بها خلال "المنتدى الاقتصادي". وحرص الجانبان على هذه السرية وعدم الكشف عن مكان المحادثات حتى قبيل وصول القطار المدرع إلى محطته النهائية، بعيداً من فلاديفوستوك موقع المنتدى الاقتصادي في الشرق الأقصى بـ1300 كيلومتر، قريباً من قاعدة فوستوتشني (الشرقية) الفضائية على مسافة 130 كيلومتراً من الحدود مع كوريا الشمالية.
القطار المدرع
غادر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بيونغ يانغ، بعد ظهر الـ10 من سبتمبر (أيلول) الجاري، يرافقه ممثلون عن الحزب والحكومة والقوات المسلحة لكوريا الشمالية على متن قطاره "الأخضر الخاص" قاصداً روسيا في إطار تقليد عائلي منذ سنوات الجد كيم إيل سونغ الذي كان أول من سافر إلى الخارج برفقة عسكريين سوفيات على متن قطار مدرع، وأعقبه في ذلك والده كيم جونغ إيل.
وتعتبر هذه الزيارة هي الرسمية الثانية للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى روسيا، منذ الزيارة الأولى في أبريل (نيسان) 2019، وأول رحلة خارجية منذ أربع سنوات. وقام كيم إيل سونغ بأول رحلاته إلى الاتحاد السوفياتي كرئيس لكوريا الشمالية في عامي 1949 و1950، ويذكر المراقبون أنه توصل خلال محادثاته مع الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين إلى ضمان الدعم الاقتصادي والعسكري لبلاده. وثمة من قال إن ستالين هو الذي أهدى كيم إيل سونغ أول قطار مدرع خاص للسكك الحديدية، وهو القطار الموجود الآن في أحد متاحف كوريا الديمقراطية بعد أن قطع مسافة 368 ألف كيلومتر، ولم تكن سرعته تزيد على 60 كيلومتراً في الساعة.
البداية من شويغو
وتركز الاهتمام بهذه الزيارة من منظور إجرائها في أعقاب زيارة سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي لكوريا الشمالية في يوليو (تموز) الماضي، وحضوره العرض العسكري بمناسبة الذكرى الـ70 لتوقيع الهدنة في الحرب الكورية 1950-1953. ويذكر المراقبون أن شويغو تابع في حينه "أحدث الأسلحة المنتجة في كوريا الشمالية، ومنها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طراز Hwasong-17 وHwasong-18، وكذلك الطائرات من دون طيار التي قال الخبراء إن كوريا الشمالية لديها إمكانات كبيرة في هذا المجال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" أماطت اللثام عن بعض الجوانب السرية لزيارة الزعيم الكوري الشمالي للشرق الأقصى الروسي بما نشرته حول مخاوف "الغرب من أن يناقش بوتين وكيم إمكان تزويد روسيا بمزيد من الأسلحة لمواصلة العملية العسكرية في أوكرانيا، ومدى مبررات هذه المخاوف، وما الذي يمكن أن تقدمه بيونغ يانغ لموسكو".
أما عن تفاصيل تلك المواضيع فنشرتها الصحيفة الأميركية نفسها في ما كتبته قبيل الزيارة، في إطار ما يمكن التفاوض حوله في شأن "توريد قذائف مدفعية وصواريخ مضادة للدبابات إلى روسيا، في مقابل ما يرغب كيم جونغ أون في الوصول إليه من التقنيات المتقدمة للأقمار الاصطناعية والغواصات النووية".
وأضافت صحيفة "الغارديان" البريطانية مسألة "التفاوض على توريد قذائف مدفعية وصواريخ مضادة للدبابات إلى روسيا، إلى جانب تأكيدها على أن كيم جونغ أون بدوره "يرغب في الوصول إلى التقنيات المتقدمة للأقمار الاصطناعية والغواصات النووية".
"أنجارا" والمجالات الحساسة
وها هو كيم جونغ أون يصل في ثاني زيارة يقوم بها على متن قطاره المدرع إلى قاعدة "فوستوتشني" الفضائية في منطقة آمور على مسافة 130 كيلومتراً من الحدود الروسية - الكورية الشمالية، مما كان إشارة واضحة إلى الهدف الرئيس لزيارته التي تعد الثانية بعد زيارته الأولى التي قام بها إلى موسكو في أبريل (نيسان) عام 2019.
وثمة مصادر أميركية تقول إن الرئيس بوتين ناقش مع ضيفه الكوري الشمالي إمكان تزويد روسيا بمزيد من الأسلحة لمواصلة العملية العسكرية في أوكرانيا. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن هذه المصادر الأميركية أن بوتين يأمل في التفاوض على توريد قذائف مدفعية وصواريخ مضادة للدبابات إلى روسيا، في إشارة إلى ما يمكن أن تحتاج إليه موسكو خلال الفترة القريبة المقبلة في معاركها القتالية مع أوكرانيا، وأن كيم جونغ أون بدوره يرغب في الوصول إلى التقنيات المتقدمة للأقمار الاصطناعية والغواصات النووية.
وكان بوتين كشف عن اهتمام الزعيمين بمناقشة قضايا التعاون العسكري التقني، مؤكداً اهتمام زعيم كوريا الشمالية بالمجالات الحساسة، ولا سيما تكنولوجيا الصواريخ وتطوير قضايا الفضاء، بينما أكد الزعيم الكوري الشمالي أن زيارته إلى روسيا "توضح أهمية العلاقات الاستراتيجية بين موسكو وبيونغ يانغ". ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية شبه الرسمية عن دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين ما قاله حول بعض تفاصيل لقاء فلاديمير بوتين مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وما إذا كانت روسيا تنوي شراء أسلحة من كوريا الشمالية، إذ اكتفى بالإشارة إلى أن روسيا تقتصر "في تنفيذ علاقاتها مع جيرانها، بما في ذلك كوريا الشمالية، على أهمية المصالح المتبادلة للبلدين، وليس على تحذيرات واشنطن، وذلك كوننا جيراناً يتعاون بلدانا أيضاً في المجالات الحساسة، التي لا ينبغي أن تكون موضوعاً للكشف أو الإعلان العام"، وقال بيسكوف "لكن هذا أمر طبيعي تماماً بالنسبة إلى دولة مجاورة".
ودارت المحادثات بين الرئيس بوتين مع ضيفه الكوري الشمالي في مبنى "التجميع والاختبار" لمركبة الإطلاق، إذ يتم حالياً تجميع صاروخ "أنجارا الجديد"، وأوضح بوتين الهدف من المفاوضات، فضلاً عن تأكيده حقيقة اهتمام كيم جونغ أون بتكنولوجيا الصواريخ الروسية. وفي هذا الصدد قال الرئيس الروسي إن "زعيم جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية يظهر اهتماماً كبيراً بتكنولوجيا الصواريخ، فهم يحاولون تطوير الفضاء".
وأضاف أيضاً أنه ستتم أيضاً مناقشة التعاون العسكري التقني في المفاوضات بين الزعيمين الروسي والكوري الشمالي. واستمرت المحادثات على جولتين، الأولى "انفرادية" وطالت لما يزيد على الساعة، والثانية موسعة وشارك فيها من الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، ونواب رئيس الوزراء دينيس مانتوروف نائب رئيس الوزراء ووزير التجارة والصناعة، ونواب رئيس الوزراء ألكسي أوفتشوك ويوري تروتنيف ومارات حسنولين، ومساعد الرئيس المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف. ومن جانب كوريا الديمقراطية كل من وزير الخارجية تشوي سون هي، ورئيس دائرة اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري، ومارشال القوات البرية لكوريا الديمقراطية بارك جونغ تشون، ووزير الدفاع كانغ سون نام، وآخرين.
وفي الاجتماع الموسع قال كيم جونغ أون إن زيارته إلى روسيا كانت تجري عندما "اعتمدت البلاد النضال المقدس لحماية سيادة دولتها وأمنها في الحرب ضد قوى الهيمنة"، وأضاف أن زيارته توضح أهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وأشار بوتين إلى أن "جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية" احتفلت أخيراً بالذكرى الـ75 لتأسيسها وأن السنوات نفسها مرت منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كيم يعرب عن سعادته
ونقلت وكالة الأنباء الكورية المركزية عن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ما قاله حول أن زيارته لروسيا الاتحادية تعتبر دليلاً على أهمية العلاقات الاستراتيجية مع روسيا، وأن الهدف من زيارته إلى روسيا هو الارتقاء بالعلاقات الودية إلى آفاق جديدة. وبحسب وكالة الأنباء الكورية، أعرب كيم جونغ أون عن أنه "سعيد بزيارة روسيا مرة أخرى" بعد أربع سنوات من زيارته الأولى في أبريل 2019. وأشار إلى أن هذه كانت زيارته الأولى للخارج "بعد الأزمة الاجتماعية العالمية في قطاع الصحة"، وقال "هذا دليل واضح على موقف حزبنا وحكومتنا، التي تولي اهتماماً كبيراً للأهمية الاستراتيجية للعلاقات الكورية - الروسية".
وأشارت وكالة الأنباء الكورية إلى أن الغرض من زيارة كيم جونغ أون لروسيا هو "رفع العلاقات الودية إلى آفاق جديدة"، وأعرب زعيم كوريا الديمقراطية "عن شكره على الترحيب الحار، ونقل أطيب تمنياته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحكومة وجيش وشعب روسيا الاتحادية".
وحرصت الوكالة الرسمية على إبراز أن أولئك الذين التقوا بزعيم كوريا الديمقراطية أشاروا إلى أن "الرئيس بوتين أرسلهم شخصياً إلى المحطة الحدودية" للقاء الضيف، وأضافوا أن "حكومة روسيا وشعبها يبذلون كل جهدهم لضمان أن تتم الزيارة على نحو ذي مغزى".
وقالت وكالة أنباء "تاس" الرسمية الروسية إن "وزير الموارد الطبيعية الروسية قدم لكيم جونغ أون هدية تذكارية"، لكنها لم تكشف عن أية معلومات حولها.