ملخص
الشلل والفوضى تضرب الخرطوم وتحولها لسوق كبير للمنهوبات
تشهد حرب السودان منذ نحو أسبوع انخفاضاً في وتيرة المعارك، مع تواصل الاشتباكات المتقطعة وقصف الجيش الجوي والمدفعي لمواقع قوات "الدعم السريع" في كل من الخرطوم بحري وجنوب وغرب أم درمان. كما يواصل الجيش عمليات التمشيط البري في أحياء جنوب الخرطوم المجاورة لسلاحي المدرعات والذخيرة بمنطقة الشجرة العسكرية، وعمليات الاستطلاع الجوي للجزء الشمالي من طريق الخرطوم ود مدني، الرابط بين ولايتي الخرطوم والجزيرة الذي يشهد منذ أيام محاولات من قوات "الدعم السريع" للتوغل داخل الولاية.
شلل العاصمة
وأكد شهود عيان سقوط قذائف مدفعية عشوائية على بعض مناطق محلية، جبل أولياء والقوز والديم ومربع 3 ومربع 2، تسببت بإصابة وجرح عدد كبير من المدنيين، فيما يتواصل قصف الجيش المدفعي الموجّه من قاعدتي كرري ووادي سيدنا على تجمعات ومواقع "الدعم السريع" في محيط سلاح المهندسين جنوب وجنوب غربي أم درمان.
وأفاد الشهود باستمرار القصف المتبادل والاشتباكات بالأسلحة المدفعية الرشاشة الخفيفة داخل أحياء أم درمان القديمة، وسماعهم أصوات دوي القذائف حتى مساء أمس الخميس 14 سبتمبر (أيلول) الجاري.
وأكدت مصادر عسكرية أن الجيش مستمر في القصف الجوي والطيران المسير لمواقع "الدعم السريع" في كل من شرق النيل وحلفايا، وغرب مدينة بحري التي ينطلق منها القصف المدفعي العشوائي في اتجاه محلية كرري والريف الشمالي لأم درمان.
مع إكمال الحرب شهرها الخامس بحلول اليوم الخميس 15 سبتمبر، يقول مواطنون عالقون وسط القتال داخل الخرطوم إن العاصمة تشهد انهياراً وشللاً كاملاً على مستوى القطاع العام بينما يتضح عجز الحكومة حتى عن توفير المرتبات للعاملين بالدولة، والمدارس والجامعات مغلقة، والموت يحاصر السكان بواسطة الآلة العسكرية والقصف العشوائي والمتبادل بين الطرفين، في مأساة إنسانية مكتملة الأركان.
وقال أستاذ جامعي سوداني لم يغادر أم درمان منذ بداية الحرب حتى اليوم، إنه "على رغم سيطرة الجيش على معظم المقار والمواقع العسكرية التابعة له، لكن العاصمة ما زالت مستباحه للأسف الشديد، وباتت الآن سوقاً كبيرة للمسروقات والمنهوبات يغيب فيها بشكل واضح أي أثر للحكومة والقانون".
يأس ومناشدات
وناشد الأستاذ الجامعي، قادة الجيش وأي مسؤولين آخرين الالتفات إلى هذا الوضع المحزن والمخزي لوقف هذا السلوك الشاذ والأفعال الشنيعة، وتعطيل حركة وسائل النقل والعربات المحملة بممتلكات منهوبة من بيوت المواطنين بشكل علني، كالثلاجات والمكيفات والغسالات والأثاث، والتي تذهب بها إلى أسواق معلومة.
في قلب الخرطوم أعلنت "غرفة طوارئ الخرطوم 3"، اعتقال قوات "الدعم السريع" عدداً من أعضاء الغرفة ومواطنين آخرين من سكان الحي، مشيرةً في بيان إلى أن الميليشيات سرقت هواتف سكان الحي وأرهبتهم ومنعت حركتهم، وانتهكت حرمة خلوة البرهانية الدينية ومسجد عبدالمنعم، واعتقلت شيخ الطريقة الإسماعيلية في الحي.
وكشف أقارب لعدد من سكان جزيرة توتي بولاية الخرطوم، تلقيهم رسائل وداع محزنة من أقاربهم المحاصرين داخل الجزيرة، يشيرون فيها إلى احتمال موتهم في أي وقت، معتبرين أن الأوضاع بالجزيرة تنذر باقتراب لحظات موتهم، بخاصة مع انعدام خدمات من كهرباء ومياه وأدوية وغيرها من أساسيات الحياة.
مخاوف في دارفور
أما في مدينة نيالا بجنوب دافور، فتتزايد مخاوف المواطنين المزدوجة من هجمات ميليشيات "الدعم السريع" من جانب والقصف المدفعي والجوي من الجانب الآخر، بخاصة بعد الغارات الجوية التي استهدفت أحياء المطار وتكساس وأجزاء من وادي برلى بالمدينة وتضرر أعداد من المواطنين في سوق الملجة والسوق الشعبية.
واتهم بيان باسم أعيان مدينة نيالا، صراحةً الطيران الحربي التابع للجيش السوداني بقصف منطقة السوق الشعبي وسوق الخضار وموقف الضعين بالمدينة، ما خلف زهاء 40 قتيلاً وعشرات الجرحى، فضلاً عن أضرار كبيرة في الممتلكات.
وأسف بيان الأعيان لأن "معظم الضحايا لا علاقة لهم بالدعم السريع ولا حتى بالعمل العسكري، بل مواطنين بسطاء يعملون برزق اليوم في ظل هذه الظروف الصعبة".
وفي شمال كردفان، استنجد المواطنون بالجيش مرة أخرى نتيجة تجديد "الدعم السريع" هجومها على مدينة أم روابة واستباحتها بحسب شهود، في أعقاب تمكن الجيش من إبعاد القوات عن المدينة ومغادرتها بساعات.
كما أعلنت قوات "الدعم السريع" على صفحتها في "فيسبوك"، الإفراج عن 100 من الشباب المستنفَرين في حملات التعبئة العامة للانضمام إلى القتال إلى جانب الجيش من أبناء قبيلتَي دار حامد والمجانين، بعد وساطة من قيادات أهلية بشمال كردفان.
حميدتي يهدد
في الأثناء هدد الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات "الدعم السريع"، بتشكيل حكومة موازية عاصمتها الخرطوم، بحال أقدم رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، على تشكيل حكومة الحرب التي يجري الترتيب للإعلان عنها، خلال ما اعتبر حميدتي أنها اجتماعات أجراها البرهان مع فلول النظام السابق في مدينة بورتسودان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح قائد "الدعم السريع" في رسالة صوتية مسجلة جديدة، مساء أمس الخميس، أنه على رغم سيطرة قواته على 90 في المئة من ولاية الخرطوم عاصمة البلاد، لكنه لم يعلن حكومة من جانبه طوال الفترة الماضية من الحرب حرصاً على وحدة البلاد وتماسكها، عبر حوار واسع ينهي القتال ويصون وحدة السودان.
واتهم حميدتي، البرهان بانتحال صفة رئيس الدولة، مشككاً في شرعيته كحاكم، لافتاً إلى أنه وبعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، لم تعد هناك حكومة.
وأشار حميدتي إلى أن ما حدث في 15 أبريل (نيسان) الماضي، هي حرب شنتها فلول النظام السابق "لقطع الطريق أمام الحكم المدني الديمقراطي"، متهماً البرهان "بالتخطيط مع الفلول ليصبح حاكماً دكتاتورياً جديداً للسودان"، داعياً المجتمع الدولي إلى "عدم الاعتراف بأي حكومة تُعلن من بورتسودان، والوقوف أمام محاولات تفكيك السودان".
محك التقسيم
وتعقيباً على رسالة حميدتي، حذر تحالف "قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي"، من خطورة حديث قائد الدعم السريع، "كونه يضع السودان على محك التقسيم، وبات إنقاذه رهين بالوقف الفوري للحرب، والاتجاه نحو حلول سلمية حقيقية ومنصفة تضع حداً لهذه المأساة".
وأشار خالد يوسف، القيادي بالتحالف، إلى أن "حديث حميدتي يؤكد أن البلاد تتجه نحو التقسيم بسرعة الصاروخ، لا لشيء إلا لطمع فلول النظام البائد في الاستيلاء على السلطة حتى ولو كان ثمن ذلك تفتيت السودان". وأضاف في حسابه على منصة "إكس"، أن "الواجب الآن هو أن تتحد كل القوى الراغبة في السلام من أجل إنهاء الحرب عبر الحلول السلمية التفاوضية التي تحفظ وحدة السودان وسلامة أرضه وشعبه، وتعيد بناء مؤسسات الدولة على أساس صحيح وعادل يعالج القضايا التي ظلت تولد حلقات عدم الاستقرار في السودان".
وعلى نحو متصل، كشف وزير الداخلية المكلف، مدير عام الشرطة، الفريق خالد حسان، عن خطة للانتشار والتشغيل بغرض حفظ وبسط الأمن والاستقرار في المرحلة المقبلة.
وأعلن الوزير المكلف لدى تقديمه إيضاحاً لرئيس مجلس السيادة البرهان، "إعادة تشغيل مكاتب السجل المدني والجوازات في كل الولايات وبخاصة جوازات منطقة كرري، ومتابعة رصد الانتهاكات والسرقات وحالات الاغتصاب والنهب وكل الجرائم التي ارتكبتها قوات التمرد".
إعلان أسمرا
سياسياً، أصدرت مجموعة القوى السودانية الوطنية الديمقراطية، التي تضم ممثلين عن كل من الكتلة الديمقراطية وقوى الحراك الوطني وحزب الأمة القومي ومنظمات المجتمع المدني وكيانات مهنية وعدد من الشخصيات القومية، "إعلان أسمرا" لإنهاء الحرب وإدارة الفترة الانتقالية، وفق رؤية سياسية للحل الوطني وإنهاء الحرب من مرحلتين ستُطرح على كل مكونات المجتمع.
وشددت المجموعة، في ختام اجتماعاتها، التي استمرت لأربعة أيام في العاصمة الإريترية أسمرا، على إنهاء الحرب ووقف الاقتتال فوراً وفق إعلان جدة القاضي بخروج "الدعم السريع" من مؤسسات الدولة والمساكن والمستشفيات والأعيان المدنية.
وأكد البيان الختامي للمجموعة على ضرورة التوصل إلى "الحل السوداني عبر حوار شامل يتجاوز مرحلة ما قبل الخامس عشر من أبريل، وعلى ضرورة توحيد المنابر والمبادرات وتكاملها"، مشددين على "رفض التدخل الدولي السلبي في القضية الوطنية مع الترحيب بالتيسير والتسهيل الذي تقوم به دول الجوار السوداني، مع التأكيد على وحدة السودان تراباً وشعباً والمحافظة على مؤسسات الدولة السودانية، وعلى التحول الديمقراطي ومدنية الدولة والتداول السلمي للسلطة، وبناء جيش مهني قومي واحد".
ووفاءً لتوجيهات الفريق البرهان، شرعت السلطات في ولاية كسلا عملياً في افتتاح المعابر الحدودية مع دولتي إريتريا، وإثيوبيا، بفتح معبر اللفة الحدودي مع إريتريا وبدء إجراءات حركة العبور بين البلدين.