"وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني، مفادها أن حجم التخزين ينفذ، فقررت شراء سعة جديدة، ولكن الأمور كانت أعقد من أن تضغط على زر الشراء وتُدخل رقم الفيزا الخاصة بك، فالشراء من فلسطين يرتبط بأمور سياسية واقتصادية معقدة"، تقول ميرا، وهي طالبة جامعية حاولت الشراء عبر بطاقة الفيزا الخاصة بها، لكنها لم تنجح لأن الفيزا مسجلة باسم فلسطين.
المشكلة التي واجهت ميرا، تواجه كثيرين، لا في شراء الخدمات فحسب بل المنتجات أيضاً، مثل الملابس والعطور والقطع الإلكترونية وغيرها. فيزن وهو مبرمج كمبيوتر يحتاج إلى كثير من القطع التي لا تتوافر في أسواق الضفة الغربية، فيضطر إلى طلبها عبر الإنترنت، ولكن الأمر يخضع لرقابة إسرائيلية عالية تصل في معظم الأحيان إلى عدم إدخال أي قطعة، أو تأخيرها كثيراً وتفتيش الطرد والاطلاع على كل التفاصيل المتعلقة به.
يضيف يزن أن المشكلة الأصعب التي تواجهه هي عدم وجود فلسطين على خريطة كثير من المواقع، فيضطر إلى وضع العنوان إسرائيل وتحديد مدينته في الضفة، ولكن هذا قد لا يجدي نفعاً مع كافة المواقع، ما يؤثر في عملية الطلب، وقد يؤخر وصول الطرد أو عدم وصوله.
على صعيد آخر، هناك كثير من القطع الإلكترونية والكهربائية التي يحتاج إليها طلاب الجامعات، إما خلال دراستهم أو لإتمام مشاريع التخرج الخاصة بهم، وعدم القدرة على استيراد هذه القطع بسبب منع إدخالها يعرقل عملهم، ما يدفعهم إلى إعادة الحسابات والبحث عن خامات أخرى يمكن استخدامها، على الرغم من أنها لا تفي بالغرض تماماً، وهذا لاحقاً يؤثر في تنفيذ هذه المخططات وتطبيقها على أرض الواقع، كما أوضحت إحدى الطالبات التي تعمل على جهاز لإعادة تدوير العجلات.
رقابة على الكتب المدخلة
لأحمد تجربة أخرى، إذ يبدو أن بعض الكتب ممنوعة من الدخول بسبب محتواها أو دار النشر التي أصدرتها، فعلى سبيل المثال لا يدخل فلسطين أي كتاب صدر في لبنان، هذا عدا عن المبالغ الجمركية الكبيرة التي تدفع لإدخال الكتب الأخرى، وفي محاولة للالتفاف على هذا الأمر يلجأ البعض إلى طلب الكتب باستخدام عنوان بريدي في الأردن، ومن ثم السفر لنقله إلى فلسطين.
يرى رامي بدارين المتخصص في التجارة الإلكترونية منذ ثمانية أعوام، أن صعوبات كثيرة تواجه هذا المجال في فلسطين على المستوى الفردي، أبرزها الجمارك الإسرائيلية، خصوصاً إذا ما كانت هوية صاحب الطرد فلسطينية، فحينها هناك مجموعة من المواد والأجهزة خصوصاً الإلكترونية ممنوعة من الدخول، ويتم فحصها بشكل دقيق واستدعاء صاحب الطلب أحياناً للتعرف إليه عن قرب، موضحاً أن المنع يشمل غالباً قطعاً إلكترونية قد تكون عادية ومعروفة كلوحة مفاتيح الحاسوب.
التوصيل يأخذ وقتاً أكثر من اللازم
المشكلة الأخرى، وفق ما أوضح بدارين، هي مدة التوصيل، فما يحتاج إلى أسبوعين ليصل إلى الأردن، يصل إلى فلسطين خلال شهرين، وذلك لأن المواد المطلوبة تشحن إلى مطار بن غوريون في إسرائيل، ومن ثم يتم فرزها وتوزيعها للمحافظات، وهذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً، مشيراً إلى أنه لا يوجد أي تدخل يذكر للجانب الفلسطيني، فكل هذه الإجراءات وحتى الأرباح تعود إلى الجانب الإسرائيلي، وهذا يؤثر في سرعة التوصيل وإمكانية تتبع الطلب داخل فلسطين.
في قطاع غزة، المشكلة ذاتها لكن الرقابة أشد ومدة التوصيل أطول، إذ يوضح حسن أن كثيراً من المنتجات ممنوعة من الدخول كأجهزة الحواسيب والهواتف، وحتى لو سمح بإدخالها تصادرها الأجهزة الأمنية هناك. أما عن مدة التوصيل فيتهكم قائلاً إنه قد ينسى ما طلبه لكثرة الوقت الذي ينتظره.
الالتفاف على الواقع
خطوات كثيرة يقوم بها الفلسطينيون للتغلب على هذه الصعوبات، منها اللجوء إلى أصدقاء لهم يعيشون في القدس أو إسرائيل لطلب طرودهم الخاصة على عناوينهم، لتجنب كل هذه الإجراءات الرقابية، عدا عن أن مواقع كثيرة لا تظهر اسم فلسطين ضمن قوائمها، ما يدفع بعض الأشخاص إلى وضع اسم الدولة إسرائيل، والمدينة رام الله أو نابلس أو أي مدينة فلسطينية أخرى. ولكن، حتى هذا الأمر لا يعفيك من فحص طلبيتك في الجمارك الإسرائيلية والانتظار لمدة طويلة لاستلامها، لأنه من السهل تمييز جنسيتك عن طريق رقم هويتك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحسب تقرير للمركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي "حملة"، صدر نهاية العام الماضي، فإن شركة Pay Pal وهي أكبر شركة لنظام الدفع الإلكتروني في العالم، قررت عام 2016 وقف خدماتها عن الفلسطينيين من دون أسباب واضحة، ولكنها في الوقت ذاته استمرت في العمل وتقديم الخدمات للإسرائيليين في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة، ومن أجل ذلك قدمت مؤسسات حقوقية وإنسانية حول العالم عرائض إلكترونية موقعة، ونفذوا اعتصاماً عام 2017 أمام مقر الشركة في كاليفورنيا، للمطالبة بإعادة الخدمات للفلسطينيين ووقف التمييز بين الهويتين الفلسطينية والإسرائيلية، لكن مدير الشركة آنذاك قال إنه ستتم دراسة المشكلة وبحثها، وإنه لا يوجد أي استثناء مقصود ضد الفلسطينيين وحتى الآن لم يتغير شيء.
غياب هذه الشركة يؤثر كثيراً في النمو الاقتصادي، ويعرقل تطور الوظائف والنظام الاقتصادي الإلكتروني، ويدفع كثير من أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار بها خارج فلسطين بدل داخلها، إضافة إلى أنه وكما أوضح رامي بدارين، يؤثر في أمان بطاقات الائتمان الفلسطينية وسريتها، فالدفع عن طريقها يحمي رقم البطاقة ويسهل عملية استرجاع الأموال في حال كان هناك أي مشكلة، بالتالي يمنع عمليات التزوير والسرقة والاحتيال التي من الممكن أن تتم عبر الإنترنت.