ملخص
جدل حول دوافع عقد المؤتمر الثامن لحركة فتح الفلسطينية نهاية العام الحالي.
تتعامل شريحة عريضة من حركة فتح مع المؤتمر العام الثامن للحركة على أنه محطة لإقصاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبعض القيادات الحالية، فيما تعتبره قيادة الحركة "استحقاقاً تنظيمياً وسياسياً لضخ دماء جديدة" تقود منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
ولم يتوقف قادة حركة فتح عن الحديث عن عقد المؤتمر العام الثامن للحركة طوال العامين الماضيين والذي تم تأجيله مرتين "بسبب تصاعد العدوان الإسرائيلي".
صراع الخلافة
وحدد المجلس الثوري لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس الـ 17 من شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل موعداً لعقد المؤتمر، في ظل تصاعد الحديث عن خلافة الرئيس عباس واشتداد الصراع على خلافته في صفوف القيادة الحالية للحركة.
ومع أن النظام الداخلي لحركة فتح يدعو إلى انعقاد المؤتمر العام للحركة مرة كل خمسة أعوام، إلا أن ذلك كان بعيداً من التطبيق سواء في مرحلة الزعيم ياسر عرفات أو الرئيس الحالي محمود عباس.
وكان المؤتمر السابع للحركة عقد عام 2016 في رام الله بعد سبعة أعوام على عقده عام 2009 في بيت لحم للمرة الأولى على أرض فلسطين منذ انطلاقة الحركة عام 1965.
وجاء المؤتمر العام السادس لـ "فتح" بعد 21 عاماً على انعقاده في 1988 في العاصمة التونسية، حيث شهدت الفترة بينهما إبرام اتفاق إعلان المبادئ مع إسرائيل (أوسلو) عام 1993، وتأسيس السلطة الفلسطينية وعودة قادة الحركة لفلسطين إثر ذلك.
وبعد ثلاثة أعوام على المؤتمر السادس قررت اللجنة المركزية لـ "فتح" فصل محمد دحلان من عضويتها وكان يعتبر أبرز قادتها.
ورجحت قيادات في حركة فتح أن يكون المؤتمر الثامن "استنساخاً للمؤتمر السابع الذي استبعد دحلان والمقربون منه من عضويته، وأن تستمر سياسة الإقصاء والتهميش لأعضاء في الحركة".
ونوهت القيادات بأنه "إذا أردنا استعادة الوحدة في صفوف حركة ’فتح‘ وإنهاء الخلافات الداخلية فيها فإن ذلك يستدعي حواراً شاملاً قبل عقد المؤتمر مع أبناء الحركة المفصولين وغير الراضين عن أداء قيادة الحركة كافة"، مشيرة إلى أن ذلك "ليس في الأفق".
أهداف مزاجية
وأوضحت تلك القيادات بأن "لملمة الحركة تحتاج إلى انطلاقة ثانية لها، وأن يسبق عقد المؤتمر العام لها حوارات داخلية موسعة شاملة بين جميع أبنائها"، لكن هؤلاء استدركوا بأن تلك الفكرة "رومانسية وغير قابلة للتحقيق في ظل القيادة الحالية للحركة".
ووفق تلك القيادات فإن "متطلبات نجاج المؤتمر واضحة وتتناقض تماماً مع عقده لأهداف مزاجية تخضع لحسابات مختلفة عن المصلحة الجماعية للحركة".
وفي دلالة على تصاعد الخلافات بين صفوف قيادات "فتح"، بادر العشرات منهم إلى الترشح في قائمة انتخابية منفصلة عن القائمة الرسمية خلال الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة عام 2021 قبل أن يؤجلها الرئيس عباس.
وحينها بادر العضوان في اللجنة المركزية للحركة ناصر القدوة ومروان البرغوثي إلى تشكيل قائمة "الحرية" وترشيح الأخير من سجنه للانتخابات الرئاسية، وردت قيادة الحركة بفصل الأول منها واستبعاد المرشحين على القائمة من اجتماعاتها، ومنهم فدوى البرغوثي زوجة مروان وكذلك جمال حويل وفخري البرغوثي.
وأعربت مصادر في "فتح" عن استغرابها من عدم دعوة فدوى البرغوثي لحضور الدورة العادية للمجلس الثوري التي عقدت في الـ 24 من الشهر الماضي، مشيرة إلى أن الأجواء كانت "إيجابية ومهيئة لدعوتها".
ورأت تلك المصادر بأن القيادي في الحركة مروان البرغوثي سيترشح لعضوية اللجنة المركزية خلال المؤتمر الثامن، والذي يحتفظ بها منذ المؤتمر السادس عام 2009.
أجندات وطنية
لكن المتحدث باسم "فتح" حسين حمايل نفي وجود أي تهميش أو إقصاء لأعضاء الحركة "طالما التزموا بنظامها الداخلي وقرارتها التنظيمية، فأي شخص يعمل للمصلحة العامة ولأجندات وطنية فهو مرحب به".
وأوضح حمايل أن الرئيس عباس "مصمم على عقد المؤتمر الثامن في موعده لأنه استحقاق سياسي وتنظيمي"، مشيراً إلى أن اللجان التحضيرية بدأت اجتماعاتها.
وأشار المتحدث إلى أن المؤتمر سيعمل على تجديد النظام الداخلي للحركة وانتخاب هيئاتها القيادية، ومنها اللجنة المركزية والمجلس الثوري، مضيفاً أن "التوجه هو إعطاء الشباب الفرصة للمشاركة في قيادة الحركة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضم عضوية المؤتمر التي قد تصل إلى 1000 أفراداً من أقاليم حركة فتح المنتخبين في فلسطين وخارجها، وأعضاء المجلس الثوري واللجنة المركزية الحاليين والسابقين، وكذلك المكاتب الحركية والمفوضيات، إذ يشكلون جميعاً 70 في المئة من العضوية وفق النظام الداخلي.
وتعمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر على اختيار الـ 30 في المئة الآخرين من قطاعي الأمن والعسكر والكفاءات من أبناء "فتح".
ورجح قيادي آخر في "فتح"، رفض الكشف عن اسمه، استمرار الرئيس عباس في "منطق القوة والسيطرة بعيداً من النظام الداخلي للحركة"، مشيراً إلى أن "استبعاد مجموعات إضافية من القيادات سيؤدي إلى إضعافها وتهميشها".
وأوضح القيادي أن "عدم تغيير رأس الهرم في الحركة سيؤدي إلى الاستمرار في الممارسات نفسها"، لكنه أشار إلى أن "الرئيس لم يحسم قراره بعد في شأن خلافته ولا أحد يعرف كيف يفكر".
مصالحات داخلية
وشدد القيادي على الحاجة إلى إجراء مصالحات بين أبناء "فتح" المفصولين على قاعدة النظام الداخلي، "إذ نحاسب من أخطأ بحق الحركة مهما علا شأنه".
وتابع، "الجميع أخطأوا وارتكبوا مخالفات للنظام الداخلي، سواء القيادة الحالية التي رشحت خمسة من أعضاء لجنتها المركزية للانتخابات في كسر لقراراتها، أو الذين شكلوا قائمة منافسة لها"، متسائلاً "لماذا يحاسب بعضهم ويتم تجاهل آخرين؟"، مشيراً إلى أن ما يجري "هو محاسبة وفق المزاج الشخصي للرئيس عباس والتجاذبات داخل الحركة".
وأرجع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" صبري صيدم تأجيل عقد المؤتمر مرتين خلال العام الماضي إلى "تصاعد العدوان الإسرائيلي وإشغال القيادة الفلسطيينة بالتحرك لوقف ذلك على الصعيد المحلي والخارجي"، موضحاً أن الرئيس عباس يدفع حالياً نحو عقد المؤتمر الذي حدد موعده المجلس الثوري، مشيراً إلى أن اللجان التحضيرية بدأت عملها لضمان الإعداد الجيد له.
وحول عضوية المؤتمر أضاف صيدم أن لجنتها تعمل على وضع القوائم وفق النظام الداخلي للحركة، مشيراً إلى زيادة نسبة مشاركة المرأة إلى 30 في المئة، والرغبة في إعطاء فئة الشباب الحجم الطبيعي لهم بما يتناسب مع التركيبة السكانية.
ونوه صيدم إلى أنه "من الباكر الحديث عن خروج شخصيات من قيادة الحركة أو دخول آخرين إليها"، مضيفاً أن "النقاش سيتصاعد في شأن ذلك مع اقتراب عقد المؤتمر وليس الآن".
تعطيل الانعقاد
واعتبر المتحدث باسم "تيار الإصلاح الديمقراطي" في "فتح" الذي يتزعمه القيادي المفصول محمد دحلان، ديمتري دلياني، أن المؤتمر الثامن "باطل لأنه مبني على مخرجات المؤتمر السابع الباطلة بسبب عدم الالتزام بالنظام الداخلي للحركة"، رافضاً الاعتراف بوصفه مؤتمراً عام لـ "فتح"، وموضحاً أن أي "اجتماع ينظمه النافذون في الحركة غير معترف به طالماً لم يلتزم بالنظام الداخلي لها، ولم يسبقه حوار داخلي موسع في ينهي حال التفتت فيها".
ورجح دلياني بأن يسبق عقد المؤتمر "صراعات داخلية بين الشخصيات المتنفذة في الحركة والتي عملت على إقصاء القيادات الأكثر شعبية خلال المؤتمر السابع"، مشيراً إلى أن ذلك "سينتج مزيداً من الصراعات الداخلية بين أقطابها".
وتابع متحدث تيار الإصلاح، "تلك الصراعات قد تدفع الرئيس عباس إلى تأجيل عقد المؤتمر إذا لم يكن يرغب في حصول تمرد صامت داخل ’فتح‘".
وكشف دلياني عن وجود أعداد متزايدة من قيادات الحركة بدأت العمل على تعطيل انعقاد المؤتمر "لأنهم يعتقدون بأنه سيتم التخلص منهم خلاله".
وأكد القيادي السابق في "فتح" نبيل عمرو أن الحركة تعاني "انقسامات وانشقاقات علنية ومستترة"، مشيراً إلى وجود "جيش المهمشين فيها وهو الغالبية".
وأشار عمرو إلى أن المؤتمرين السابقين لـ "فتح" أفرزا تهميشات واسعة النطاق لغالبية أعضائها على كل المستويات القاعدية والقيادية، مشدداً على الحاجة إلى "مؤتمر توحيدي تأسيسي يعمل على إلغاء ظاهرة التهميش، ولا تسيطر عليه هواجس الخلافة كما لو أنها وراثية".
ترويض الناجحين
وأوضح القيادي السابق أن وقف "حال التراجع المتسارع في وضع الحركة ومكانتها تطلب الابتعاد من اختيار أعضاء المؤتمر على طريقة التقاسم المسبق للأصوات لا على طريقة حشد الأنصار ووضع الأسماء في أيديهم ليضعوها في الصناديق".
ووفق عمرو فإن مؤتمر "فتح" متعب في الإعداد لعقده ومتعب أكثر في معالجة نتائجه، وهذا ما قاله الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، مشيراً إلى أن عرفات أضاف بأنه "يقضي وقتاً طويلاً في ترويض الناجحين ووقتاً أطول في ترضية الذين لم ينجحوا، وأحياناً تصل الأمور إلى انقسامات وانشقاقات".
وأوضح عرفات، وفق عمرو، بأن سبب ذلك هو أن "فتح" ليست حزباً ولا حركة، "لكنها تيار شعبي واسع ومتعدد الميول والمواقف والخلفيات، لهذا أخشى عليها من مؤتمراتها".