Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السكة الحديد... قضبان الوصل الإنساني

ساعدت في إخراج العالم من أزماته الاقتصادية والاجتماعية وباتت أداة لمحاربة تغيرات المناخ

تبدو للسكة الحديد أوجه متنوعة مما يجعل منها نموذجاً اقتصادياً واجتماعياً جديداً للصناعة بنوع خاص (اندبندنت عربية – رسم علاء رستم)

ملخص

للسكة الحديد في حياة البشر أدوار متعددة، وغنى للقطارات كبار المغنين العالميين ومنهم العرب كالفنان محمد عبدالوهاب موسيقار الأجيال في رائعته "يا وابور قوللي رايح على فين"، فما دورها الجديد؟

كثيراً ما اعتبرت خطوط السكة الحديد صمام أمان للدول والشعوب، وواحدة من أفضل أدوات التواصل الإنساني، والانتقال من موقع إلى آخر عبر الدولة الواحدة، وذلك قبل أن تمتد تلك الخطوط لتضحى دولية، بعضها يصل أقاليم متفاوتة البعد، وبعضها الآخر يتجاوز إلى القارات المختلفة فوق جغرافية الكرة الأرضية.

للسكة الحديد في حياة البشر أدوار متعددة وليس دوراً واحداً، ولهذا غنى للقطارات كبار المغنين العالميين، ومنهم العرب كالفنان محمد عبدالوهاب موسيقار الأجيال، في رائعته "يا وابور قوللي رايح على فين"، التي تعد رؤية إنسانية عالية المقام ونادرة، تظهر ما للدور الإنساني للوابور، أي القطار، في تجميع البشر وتسهيل انتقالاتهم.

السكة الحديد ومعابرها وخطوطها أكثر بكثير من مجرد تيسير الحركة من هنا إلى هناك، لأنها باتت تساعد في إخراج العالم من الأزمات الاقتصادية والمناخية والاجتماعية التي نواجهها اليوم، كما تشكل السكة الحديد الآمنة والمستدامة نموذجاً اقتصادياً واجتماعياً جديداً للصناعة يعيد تحديد دور الركاب والعمال وأصحاب العمل والدولة.

في هذه القراءة نجيل النظر في تجارب حياتية لبشر سخروا السكة الحديد لتغيير جغرافية الأرض، بمعنى القدرة على جعلها أدوات للتحول إلى عصور من التعاون عبر خطوط تنقل البشر والحجر، مما يعني بداية الطريق لبناء مجتمع التكامل بين الشمال والجنوب، الشرق والغرب، من دون محاصصة أو تمييز.

هل كانت السكة الحديد أولى تباشير العولمة في القرون السالفة الذكر، لا سيما منذ القرن الـ18 تحديداً؟ وما أهم التجارب التي لعبت وستلعب فيها السكة الحديد دوراً تقدمياً في نشوء وارتقاء اقتصاد عالمي أكثر قدرة وتماسكاً، بل أكثر منفعة على الصعيد العالمي؟

أدوار حيوية متنوعة

تبدو للسكة الحديد أوجه متنوعة مما يجعل منها نموذجاً اقتصادياً واجتماعياً جديداً للصناعة بنوع خاص، الأمر الذي يعيد تحديد دور الركاب والعمال وأصحاب العمل، وكذلك الدولة.

تبدو الكلمات السابقة مدخلاً مثيراً لأفكار أبعد بمراحل من قضية نقل الركاب، لا سيما أنها تدعم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تسهيل الوصول إلى فرص العمل، والوظائف التي تتطلب مهارات، والأجور الأعلى، وفي المتوسط فإن كل وظيفة يتم خلقها في قطاع السكة الحديد تؤدي إلى خلق وظيفة أخرى في قطاعات التصنيع أو الغذاء أو التجارة أو غيرها من القطاعات، كما توفر السكة الحديد للمواطنين القدرة اللازمة على التنقل لأداء الوظائف وتيسير سبل العيش.

يعن للقارئ أن يتساءل "ما أهمية ومزايا السكة الحديد لا سيما على صعيد النقل البري؟"، يحتاج الجواب إلى قراءة خاصة، غير أنه ومن دون اختصار مخل يمكننا القطع بأن النقل الآمن هو أهم ميزة من مزايا السكة الحديد، ذلك أنه يتسم بانخفاض معدل الحوادث في جميع أنحاء العالم، ويقترب المعدل من عدم وجوده، وعلى عكس النقل البحري لا يتأثر النقل البري بأحوال الجو العاصف.

ولأن القطارات غير مضطرة إلى التعامل مع حركة المرور، لذا فإنها تتمتع بخاصية السرعة، ولهذا لم يعد من المستغرب أن توجد قطارات ذات سرعات تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، مما يعني توفير الوقت والجهد والمال.

والشاهد أنه إذا كان حديث التغيرات المناخية هو الذي يطغى على وجه الأرض في حاضرات أيامنا، فإن السكة الحديد لها دور تقدمي جداً في هذا السياق، فهي وسيلة النقل التي تبعث أقل نسبة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، سواء لكل وحدة شحن في حالة نقل البضائع أو لكل راكب في حالة الرحلات التجارية.

 أظهرت دراسة أجرتها وكالة البيئة الأوروبية مع بيانات من يورستات والمفوضية الأوروبية والاتحاد الدولي للسكك الحديد UIC، أن النقل بالسكة الحديد أقل تلويثاً من النقلين البحري والجوي بمعدل يصل إلى تسع مرات لكل كيلو طن.

هل حان الوقت للحديث عن أهم الممرات والخطوط التي تشكل من خلالها السكة الحديد مسارات ومساقات حضارية للمجتمعات البشرية؟

أميركا وسكك حديد خشبية

يمكن القطع بأن أحد أسباب تقدم وازدهار الولايات المتحدة الأميركية يتمثل في شبكة الطرق والمواصلات داخلها، تلك التي يسرت التنقلات وسهلت التجارة البينية ودعمت مسارات الصناعة ومساقات الإنتاج.

غير أن المرء يدهش حين يعرف أن أميركا الحالية قد عرفت نوعاً من أنواع السكة الحديد الخشبية، التي سميت بالعربات، ابتداءً من العقد الثاني من القرن الـ18.

وقد سرت أقاويل عن استخدام خط سكة حديد في بناء القلعة الفرنسية في لويزيورغ، نوفاسكوشا، في فرنسا الجديدة (كندا اليوم) في عام 1720.

بين عامي 1762 و1764، مع نهاية الحرب الفرنسية والهندية (1756- 1763)، بني خط سكة حديد يعتمد على الجاذبية (ترام آلي) من قبل مهندسين بريطانيين فوق التضاريس الشديدة الانحدار على ضفاف النهر بالقرب من منحدر شلال نياغرا.

 

 

لعبت السكة الحديد دوراً كبيراً في تطور الولايات المتحدة من الثورة الصناعية في الشمال الشرقي (1810- 1850) إلى مستوطنة الغرب (1850-1890).

غير أن ما يسميه الأميركيون "جنون السكة الحديد" بدأ بتأسيس أول خط للركاب والشحن بسكة حديد بالتيمور وأوهايو في عام 1827، واحتفالات "وضع الحجر الأول" وبداية عملية بنائه الطويل باتجاه الغرب فوق عوائق السلسلة الشرقية لجبال الأبلاش في العام التالي 1828، وازدهر مع مشاريع بناء السكة الحديد المستمرة على مدى السنوات الـ45 التالية وصولاً إلى الذعر المالي لعام 1873 الذي تلاه كساد اقتصادي كبير أدى إلى إفلاس عديد من الشركات وإعاقة النمو موقتاً وإنهائه.

اتبع الأميركيون تكنولوجيا خط السكة الحديد البريطانية واستنسخوه، وكان خط سكة حديد بالتيمور وأوهايو أول ناقل عام، وبدأت خدمة قطار الركاب في شهر مايو (أيار) من عام 1830، واستخدمت الخيول بداية الأمر لسحب عربات القطار، وكانت شركة سكة حديد وقناة ساوث كارولينا أول شركة تستخدم القاطرات البخارية بشكل منتظم ابتداء بقاطرة بيست فريند أوف تشارلستون، أولى القاطرات الأميركية الصنع المخصصة لخدمة الإيرادات في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1830.

هل مثلت السكة الحديد دوراً حيوياً في صعود أميركا نحو القطبية العالمية؟

مؤكد أن ذلك كذلك، وتواصل السكة الحديد للشحن لعب دور مهم في اقتصاد الولايات المتحدة، ولا سيما لنقل الواردات والصادرات باستخدام الحاويات، ولشحن الفحم، ومنذ عام 2010 لشحن النفط.

ووفقاً للمجلة الإخبارية البريطانية "ذا إيكونوميست"، "فإنها تعتبر عالمياً أفضل سكة في العالم، وقد ارتفعت الإنتاجية بنسبة 172 في المئة بين عامي 1981 و2000، في حين ارتفعت المعدلات بنسبة 55 في المئة (بعد احتساب التضخم)، وارتفعت حصة السكة الحديد في سوق الشحن الأميركية إلى 43 في المئة، وقد كانت هذه أعلى نسبة في أي دولة غنية.

هل هذه نهاية قصة السكة الحديد في أميركا؟ بالقطع لا فهناك الجديد دوماً وهو ما سنعود إليه لاحقاً.

حديث الذهب

من بين أهم الممرات المائية في العالم تأتي قناة بنما، التي تعرف بكونها ممراً مائياً ذا أهمية كبيرة من الناحيتين التجارية والعسكرية، إذ يمر من خلالها سنوياً ما يقارب 13 ألف سفينة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، وتعد من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم.

عملت القناة بعد الانتهاء من شقها عام 1914 على تقصير مسافة رحلة السفن ما بين مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من 8.370 كم، وفي الفترة التي سبقت شق هذه القناة كان على السفن التي تقوم بمثل تلك الرحلة أن تبحر حول أميركا الجنوبية قاطعة نحو 20900 كم.

لعل قصة قناة بنما ليست مرتكز القراءة، وإنما خط السكة الحديد المعروف باسم "سكة حديد بنما"، ذاك الذي يمثل نقلة مهمة للغاية في مرحلة زمنية بعينها، وقد قدم ولا يزال خدمات اقتصادية يشار إليها بالبنان.

ما قصة سكة حديد بنما؟

أثناء التهافت على ذهب كاليفورنيا في منتصف القرن الـ19، وتحديداً في عام 1849، أصبح "برزخ بنما" طريقاً مهماً بين الجزء الشرقي من الولايات المتحدة الأميركية وكاليفورنيا، وفي تلك الآونة أبحر كثير من الرواد الأوائل الباحثين عن الذهب على القوارب والبغال، ومشياً على الأقدام من موانئ ساحل المحيط الأطلسي إلى بنما، بعدها كانوا يستقلون سفناً أخرى، بالاتجاه نحو كاليفورنيا.

اقرأ المزيد

دفع المشهد عدداً من كبار رجال الأعمال في مدينة نيويورك عام 1850 لبناء خط سكة حديد عبر البرزخ، وفي عام 1855 اكتمل بناء الخط بكلفة بلغت نحو ثمانية ملايين دولار أميركي.

هل كان هذا الخط الحديدي هو الدافع لحفر القناة التي باتت أحد أهم شرايين التجارة الدولية، لا سيما بين أميركا الشمالية والجنوبية لاحقاً؟

ذلك كذلك قولاً وفعلاً، فقد كانت أول خط سكة حديد يربط بين المحيط الأطلسي على الجانب الشرقي من الولايات المتحدة الأميركية والجانب الغربي من البلاد حيث المحيط الهادئ.

 كان إنشاء السكة الحديد هذه يمثل أهمية مصيرية لإنشاء قناة بنما بعد نحو 64 عاماً، وكان الهدف حينذاك مقصوراً على سرعة الوصول إلى كاليفورنيا حيث ظاهرة ما يعرف بـ"حمى الذهب"، وقد بدأ بناء هذا الخط الحديدي عام 1850، واستمر البناء نحو خمس سنوات، لينطلق أول قطار في يناير (كانون الثاني) 1855.

لم تعد اليوم سكة حديد بنما طريقاً للباحثين عن الذهب بقدر ما باتت شرياناً اقتصادياً عالمياً، بجانب الشريان المائي للقناة الشهيرة التي يقول الجيولوجيون إن تاريخها يعود إلى ما قبل ثلاثة ملايين عام، أي خلال ما يعرف بالحقبة البلوسينية.

باكو- تبليسي- قارص

لعقود طوال ظلت السكة الحديد في الصين تنمو بوتيرة منخفضة غير أنها خلال العقدين الأخيرين باتت تحتل المرتبة الأولى عالمياً في حجم نقل الركاب والبضائع عبر هذه الوسيلة.

بحسب أرقام عام 2018 فإن هناك نحو 131 ألف كيلومتر من الخطوط المشغلة، التي تنقل نحو 3.37 مليار رحلة ركاب، وأكثر من أربعة مليارات طن من نقل البضائع.

بالعودة إلى عام 1949 كانت الرحلة من بكين إلى شانغهاي تحتاج إلى نحو 36 ساعة، واليوم وبعد سبعة عقود انخفض وقت السفر بين المدينتين إلى أربع ساعات و18 دقيقة، بفضل قطار فوشينغ الذي يسير بسرعة 350 كيلومتراً في الساعة، ولا يزال الأمر الأكثر إثارة للإعجاب في المستقبل، إذ تخطط الصين لبناء قطار مغناطيسي فائق السرعة، يمكن أن يصل إلى 800 كيلومتر في الساعة.

على أن التساؤل: "هل مخططات السكة الحديد الصينية مقصورة فقط على الداخل، أم أن هناك ممرات سكك حديد تتطلع إليها، بهدف تأكيد قطبيتها القادمة حول العالم؟".

من الواضح أن الصين لها مخططاتها الماورائية في هذا السياق، ومنها "الممر الأوسط... طريق الصين وأوروبا لتجاوز العملاق الروسي" فما قصة هذا الممر؟

يسمى أيضاً "طريق النقل الدولي العابر لبحر قزوين" و"سكة حديد باكو- تبليسي- قارص"، وهو طريق تجارة مكون من سكك حديد وموانئ بحرية يجري تدشينها بواسطة أطرف عديدة بهدف ربط آسيا بأوروبا عبر آسيا الوسطى والقوقاز وتركيا وأوروبا الشرقية.

يمكن عبر هذا الممر تجاوز المساحة الشاسعة للاتحاد الروسي، وقد كانت تركيا أول من تبنى الفكرة في العقد الأول من القرن الـ21، وحتى الآن هي واحدة من أهم الدول التي تدفع باتجاه المشروع وتطويره.

جاءت أول خطوة كبيرة في اتجاه تحويل المشروع من فكرة إلى واقع عام 2014، حين افتتح خط السكة الحديد العابر لكازاخستان، وبعد ذلك جاءت الخطوة الأهم في عام 2017 بافتتاح خط السكة الحديد الذي يربط بين باكو عاصمة أذربيجان وتبليسي عاصمة جورجيا ومدينة قارص في شرق تركيا، ومن ثم أصبح هناك رابط مباشر بين أوروبا وآسيا من خلال السكة الحديد، وقد بدأ من تلك النقطة عملياً مشروع يهدف إلى تطوير موانئ وطرق سريعة ومشاريع بنية تحتية لتسهيل نقل البضائع بين أوروبا وآسيا.

هل كان لروسيا أن تقف عاقدة الأذرع على الصدور وهي ترى التحركات الصينية من حولها، على رغم ما أوجدته الحرب الروسية - الأوكرانية، من علاقة براغماتية بين الاثنين، غالب الظن لن يطول بها المقام، من جراء اختلاف طبقات الحراك الحضاري بين روسيا السلافية، والصين الكونفوشيوسية؟

سكك حديد القطب الشمالي

تدرك موسكو أن هناك حالة من الحصار المفروض من حولها، ولهذا تبادر دوماً لجهة اقتصاد الابتكار.

في هذا السياق أقرت شركة السكة الحديد الروسية برنامجاً استثمارياً يقدر بـ100 مليار روبل، بدأ عام 2019 ويستمر حتى 2025، فما الهدف من هذا البرنامج؟

يقضي البرنامج بمد سكك حديد طولها 700 كيلومتر في منطقة القطب الشمالي لتربط منطقة شمال الأورال بالموانئ الواقعة على شاطئ المحيط المتجمد الشمالي، حيث تقام مجمعات إنتاج الغاز المسال الروسي.

كان هذا المشروع قد انطلق عام 2012 ثم توقف لنقص الأموال، وعادت الحكومة الروسية إلى تحقيقه بحجم كامل بحلول 2018.

 

 

هل هذا المشروع له علاقة بالماضي وتحديداً بالحقبة السوفياتية؟

نعم، فهو نفسه ما كان يفترض تحقيقه أعوام 1949- 1953، لكن وفاة جوزيف ستالين سكرتير الحزب الشيوعي وقتها حالت دون إنجازه، حينها قررت القيادة السوفياتية الجديدة وقتها التخلي عن الفكرة بحجة أنها "سابقة لأوانها"، فهل حان أوان عودة الروس من جديد إلى أفكار الممرات الحديدية ضمن صراعاتهم فوق خريطة الشطرنج الإدراكية العالمية؟

من الواضح أن العودة للسكك الحديد باتت فكرة مغرية لكثير من القوى الكبرى والنامية على حد سواء، فقد أنجز حالياً ثلث تلك الطريق الاستراتيجية من مدينة ساليخارد إلى مدينة كوروتشايف، حيث جرت الأعمال الخاصة بإصلاح واستعادة السكة الحديد التي أنشئت في عصر ستالين.

وتعتبر السكة الحديد في منطقة القطب الشمالي والتي يتوقع أن تمتد لاحقاً إلى أقصى شمال شرقي روسيا مشروعاً استراتيجياً من ناحية عسكرية كذلك، ذلك أنه من شأن تلك الخطوط تموين القواعد العسكرية الروسية الجاري إنشاؤها حالياً بغية حماية المنطقة الاقتصادية الروسية الغنية بالنفط وضمان الملاحة البحرية في الممر البحري الشمالي.

هل هذا هو المشروع الروسي الوحيد في منطقة القطب الشمالي؟

من الواضح أن روسيا تخطط لممر آخر سيربط طرق النقل الدولي بالقطب الشمالي مع سيبيريا وعموم آسيا، وستكون مهمته نقل النفط والغاز الطبيعي من القطب الشمالي إلى الصين ودول آسيوية أخرى من طريق السكة الحديد، مما سيفيد توسع الصين في قنوات وطرق إمداد النفط والغاز.

الكلفة الأولية لهذا الممر الحديدي تصل إلى قرابة 100 مليار دولار، مما يبين ضخامته وأهميته، وقد اقترحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما تحدث في الجلسة العامة لنادي فالداي في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019.

 تمتلك روسيا الآن خطاً للسكك الحديد بين الشرق والغرب يربط المنطقة الأوراسية بسيبيريا التي تم بناؤها في تسعينيات القرن التاسع عشر. يبدأ من بطرسبورغ في الغرب ويصل إلى فلاديفوستوك في الشرق، يبلغ طوله الإجمالي أكثر من تسعة آلاف كيلومتر، وهو أطول خط سكة حديد في العالم.

من بكين لواشنطن على رغم العداء

من أغرب وأعجب ممرات السكة الحديد التي جرى الحديث في شأنها، هو ذلك الذي تحدثت بعض وسائل الإعلام الصينية عنه قبل نحو عقد من الزمن، وربما توقف العمل عليه، بسبب الصراعات الأيديولوجية بين البلدين المتنافسين على تسنم العالم، لكن ذلك لا يعني أنه ليس هناك مجال للعودة ثانية، حال وضعت الأولويات الاقتصادية فوق الصراعات السياسية.

 في مايو من عام 2014، ذكرت صحيفة "تشاينا ديلي" الصينية أن الصين تفكر في مد خط سكة حديد يتوجه إلى سيبيريا ثم يمر عبر نفق بطول 200 كيلومتر، تحت مياه مضيق بيرينج بالمحيط الهادئ، من هناك إلى ألاسكا وبعدها عبر كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية، فهل من حظ بالفعل لتفعيل مثل هذا الخط الحديدي؟

 الحديث عينه أكدته صحيفة "بكين تايمز" الرسمية، التي أشارت إلى أن طول هذا الخط سيبلغ نحو 13 ألف كيلومتر، وسيحمل اسم "خط الصين - روسيا كندا - أميركا"، متفوقاً بذلك الطول على خط سكة حديد سيبيريا الروسي بنحو ثلاثة آلاف كيلومتر، وستستمر الرحلة منذ لحظة انطلاق القطار الذي سيسير بسرعة 350 كيلومتراً في الساعة وحتى المحطة الأخيرة يومين كاملين.

ويبدو أن أكبر التحديات التي تواجه المخطط الصيني الطموح هو عبور ممر "برينغ" الرابط بين روسيا وألاسكا، ولتجاوز هذه العقبة، وفقاً لخبير في القطارات يعمل في الأكاديمية الصينية للهندسة يجب بناء نفق بطول 200 كيلومتر، مما يشكل عملاً هندسياً غير مسبوق سينتهي بأطول نفق تحت الماء يزيد على نفق بحر القنال الإنجليزي الرابط بين فرنسا وبريطانيا بأربعة أضعاف.

في هذا السياق كان الحديث عن تمويل الصين للمشروع كأحد أذرعها الطويلة نحو الهيمنة العالمية، وعلى رغم أن الجانبين الروسي والأميركي لم يؤكدا وقتها موافقتهما على تنفيذ المشروع، فإن المخطط في حد ذاته يعكس الاهتمام بفكرة السكة الحديد كأداة من الأدوات القوية في طريق المنافسة حول العالم.

نجحت الصين بقوة في العقدين الأخيرين في الإمساك بزمام عديد من مبادرات السكة الحديد، فقد شيدت أطول شبكة للقطار السريع في العالم تمتد لأكثر من 6200 كيلومتر من الطرق التي تتمتع بالخدمات، وفي عام 2012 افتتحوا أطول رابط عالي السرعة في العالم بين بكين وقوانجتشو، واختصرت الرحلة التي كانت تجري في 24 ساعة إلى ثماني ساعات، وذلك باستخدام القطارات التي تبلغ سرعتها 168 ميلاً في الساعة.

هل من خلاصة؟

مؤكد أن هناك رغبة عارمة حول العالم في إعادة تفعيل حضور السكة الحديد، وعلى غير المصدق أن يراجع المشروع الأميركي - الكندي المكسيكي الجديد، لربط الدول الثلاث معاً، عطفاً على الأحاديث الدائرة حول ممر سكة حديد يربط شرق القارة الأفريقية بغربها، ناهيك بمشروعات روسيا وإيران لإقامة سكة حديد مشتركة، فيما العراق بدوره يخطط لإطلاق سكة حديد تربط آسيا وأوروبا بكلفة إجمالية قدرها 17 مليار دولار.

أهو زمن "الوابور" الرافض أن يبوح بسره وإلى أين يتوجه كما سأله عبدالوهاب؟

المزيد من تقارير